الأقباط متحدون - في مرثية أبو شادوف و أنجاله
أخر تحديث ١٠:٢٧ | الاربعاء ١٠ فبراير ٢٠١٦ | ٢أمشير ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٣٤ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

في مرثية أبو شادوف و أنجاله


لثلاثة آلاف سنة لم ينعم المصرى بالحرية ، فقد كان هناك دائما من له الكلمة العليا فى تحديد مساره ومصيره  .

لألفى سنة تقريبا إحتله الرعاة ( الهكسوس 200، الليبيون 200 ، الأثيوبيون 80، الأشوريون 100، الفرس 150 ،والعرب والأتراك 1276 ) وحول الألف سنة  إحتله الأوربيون ( الاغريق 293 ، روما وبيزنطة 630 ، فرنسا 3، بريطانيا 74 ) ولا اريد ان أقول ان الاسرائيليين " ايضا " إحتلو أجزاء من مصر لازالت تعانى من نقص السيادة الكاملة عليها.

 المصرى (ابا عن جد جد ) لم يعرف الحرية أبدا وكان هناك دائما من يمسك له السوط ، يحركه به لصالح حكام القوى العظمى المسيطرين على مقدراته سواء كانت هذه القوة فارسية ، او يونانية ، أو رومانية ، أو عربية ، أو عثمانية ،أوبريطانية ، أو امريكية .
محمد حسين يونس
  مسيرى القوة العظمى المسيطرة هم الذين يحددون له ماذا ينتج ، واسلوب إنتاجه ، ومن يحكمه ، وكيف يحكمه ، وماذا يستهلك ، وأى لغة يتكلم ، وبأى دين يدين، حتى فى الزمن الذى تخيل فيه المصرى أن مصريا يحكمه ، كان هناك من يحكم حاكمه .. يوجهه ويسخره هو وشعبه.

وهكذا مع فقد الاستقلال والارادة ، إنزوت الحرية وتحول الشعب عن الانتماء الطبيعي لاصولة وجذوره وحضارته ولغته ودينه، ولم يعد المصرى يحب بلده أو تاريخ أجداده بقدرما كان يقدم( كحقيقة مسلم بها ) فروض الطاعة والولاء للمستعمرأوللطاغية الذى يحكمه، إلا( بالطبع) فى الأغانى الشعبية والأناشيد والمواويل فقد كانت تفيض بالعواطف الجياشة  تصف مقدار إرتباطة بالوطن وارضه وناسه متناقضا مع واقع الحال الذى يعاني من قسوته .

أبوشادوف (وخلفته) أصبح بمرور الزمن لا يعمل ، وإذا عمل لا ينتج ، وإذا انتج أخرج أسوا السلع ، وبأعلى تكلفة بسبب الفاقد والاهمال والنهب .

المصرى الذى بنى الأهرامات ومعبد الكرنك و وكالةالغورى ومسجد السلطان حسن ،وأنشأ أكثر المدن جلالا .. وجمالا (طيبة و الاسكندرية ) . أصبح يبنى الآن عشوائيات غير متجانسة ، قبيحة الترتيب والمنظر ، غير آدمية محولا إياها الى مفارخ للارهاب والارهابيين ، ويقيم عمارات تدك على سكانها ، وينشئ مشاريع ينفق عليها مليارات وتنتهى بسبب سوء التصميم وإهمال التنفيذ وفشل الادارة ، الى(السقوط )أو أن تصبح غير مجدية وعاجزة عن أداء وظيفتها بعد إفتتاحها ( فى زفة إعلامية ) بشهور معدودة .

المهندس المصرى والصنايعى والحرفى والمراقب والعامل(أبناء أبو شادوف ) كل منهم لم يعد يتقن مهنته ، وإنشغل عن رفع كفاءة الأداء ، بالبحث عن مصادر رزق إضافية ( قانونية أو غير قانونية ) .

الصنايعى المصرى تخلف عن مثيله فى بلاد كانت الى زمن قريب تبحث عن المصرى المخطط والمهندس والعامل  .

المصريون المحدثون أنتجوا شوارع غير صالحة للحركة عليها ، وكبارى متهالكة تسقط قبل الاستخدام ومواسير دائمة الانفجار وبيئة ملوثة ، ومجارى مائية مسدودة ، وسكك حديدية كثيرة الأعطال والحوادث وكهرباء وتليفونات باهظة التكاليف بمستوى خدمة منخفضة  .

ورغم أن لدينا وزارات للنقل والكهرباء والاسكان والرى والصناعة والبترول ، وكليات ومعاهد هندسية لا حصر لها إلا اننا لم نعد نملك الحد الدنى من المقومات الهندسية ، لتخطيط وإنشاء وإدارة ، مشاريع كبرى أو حتى متوسطة أوصغرى حديثة  .

مشاريعنا تعانى من الفشل والاهمال وسوء الخدمة وتخلفها الادارى  . 

 المصريون ينفقون أموالا طائلة على مشاريع غير صالحة يدمرون بها بالجهل والاهمال والتسيب والفساد ثروة بلادهم وإمكانيات تقدمها ، وكلها علامات عدم إنتماء ، وفقدان الحب لمجتمعهم ،مهما دمعت أعينهم وهم ينشدون السلام الجمهورى بحماس مع الفريق القومى قبل مباريات  كرة القدم أو كرة اليد. إن حبهم لمصالحهم ومكاسبهم الآنية الشخصية ، لا يمكن مقارنته بحبهم لهذا البلد التعس.

المصرى لم يعد يعمل لأنه كان يعرف دائما ، أن نتاج عمله ظل لثلاثة آلاف عام ، يُنزح للخارج بقوافل بحرية تعبر المتوسط، من رشيد اوالاسكندرية ، متجهه الى أثينا وروما وبيزنطة ويوركشاير ، أو قوافل برية تعبر الصحراء من الوادى حتى المدينة او دمشق او بغداد أو اسطنبول حاملة الحبوب والزيتون والأعناب والزيوت والقطن والذهب والفضة والجوارى والعبيد.

 المصرى منذ أن كان كنيته ( أبو شادوف ..كما هزأ به كتاب العرب) ، وحتى زمن اللا إنتاج، والاعتماد على الاقتصاد الريعي القادم من السياحة وعبور قناة السويس وتصدير العمالة الرخيصة ، وهو يعرف ان عائد عمله ، يصب دائما فى الخزائن الغريبة ولا ينوبه  منه إلا الفتات، وهكذا تحولت مزرعة غذاء" روما " الى مستورد رئيسى للطعام تشتريه أو تستجديه كإعانات ومنح وقروض.

الفلاح المصرى اليوم ينتج أسوأ المحاصيل  وأكثرها ضررا فهو يرويها بمياة نيل يلوثها كل من تمر بجواره أو يعيش بجوارها ، و في أماكن أخرى يستخدم المجارى مباشرة  بدون معالجة ، ويسمد زراعته بالحمأة  الضارة المحملة بالمعادن الثقيلة والميكروبات ، ويسمدها أو يرشها بكل أساليب الغش من أجل إنضاج مبكر للمحصول ، ناشرا معه امراض المعدة والدم والسرطانات.

( أبو شادوف ) عندما (هز القحوف) جرف المزارع لصالح صناعة الطوب، وباع أرضه الخصبه ليبني عليها المتيسرون الفيلات والقصور ، فتقلصت مساحتها عام بعد عام ، ولم يقابلها إصلاح لأراضى زراعية جديدة ، ومع مداومة التكاثر غير المحكوم  أصبح الوادى غابة من المباني الخرسانية تسكنها جحافل  بشريه متزايدة تبحث عن الطعام و الملابس و السكن والزواج .. ولاأقول التعليم و الصحة والعمل فهذه أصبحت من الكماليات .. فهل هذا الفلاح ينتمى الى بلده ، أو يحبه حتى لو غنى له ألف اغنية وردد في كل مناسبة دامعا (يا حبيبتي يا مصر ).


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter