2ـ مصر بين الاضطهاد الروماني والاستعمار الاستيطاني العربي
وقبل مغادرته مصر حرص الاسكندرعلى أن ينظم البلاد تنظيمًا دقيقًا. والإبقاء على النُظم المصرية القديمة، وتنويع الحكم بين المصريين والإغريق الذين وضع بين أيديهم السلطة العسكرية والمالية، وأبقى للمصريين السلطة الإدارية، وبذلك ضمن رضى المصريين وعدم قيام الثورات الوطنية. أصبحت مصر بهذا ولاية إغريقية، عاصمتها منف. أستمر في فتوحاته شرقا حتي توفي في قصر نبوخذنصَّر ببابل في العاشر من يونيو سنة 323 ق.م، وله من العمر اثنان وثلاثون سنة. تم تقسيم العالم الهيليني الذي أسسه الإسكندر إلى أربعة أقسام: المملكة البطلمية في مصر وجوارها، والإمبراطورية السلوقية في الشرق، ومملكة پرجامون في آسيا الصغرى، ومملكة مقدونيا.
بعد وفاة الإسكندر الأكبر تولى أحد قادة جيشه وهو "بطليموس" حُكم مصر. أهتم بطليموس الأول ببناء مدينة الإسكندرية التي أسسها الأسكندر الأكبر قبل مغادرته مصر في حملة عسكرية إلى بلاد الفرس وأفغانستان والهند، وجعلها عاصمة لمصر. وظلت أسرة البطالمة (16 حاكما) تحكم مصر (293 عاما). وصل نفوذ الدولة البطلمية إلى فلسطين وقبرص وشرق ليبيا، التي ازدهرت خلال عهود البطالمة الأول والثاني والثالث. كون البطالمة ذوى اصول إغريقية لم يمنعهم من التشبع بالتقاليد والعادات المصرية، فمعمارهم مصري ومعابدهم للالهة المصرية وطريقة عيشهم مصرية، وساعد علي ذلك تزاوجهم من المصريين. في عهدهم ظلت مصر دولة مستقلة ذات سيادة وظلت كذلك حتى معركة أكتيوم البحرية عام 31 ق.م عندما انتصر اكتافيوس على انطونيوس وكليوباترا لتصبح مصر ولاية رومانية منذ هذا التاريخ، وأخر البطالمة كانت الملكة كليوباترا السابعة وابنها بطليموس الخامس عشر (قيصرون).
ظلت مصر تابعه للدولة الرومانية 425 عاما. اعتمدت روما في توطيد سلطانها على القوة العسكرية التي أقامت لها الثكنات في أنحاء البلاد، فكان هناك حامية شرق الإسكندرية وحامية بابليون وحامية بأسوان وغيرها من الحاميات التي انتشرت في أرجاء البلاد. كان يتولى حكم مصر وال ينوب عن الإمبراطور مقره الإسكندرية، يهيمن على إدارة البلاد وشئونها المالية، وهو مسئول أمام الإمبراطور مباشرة. كانت مدة ولايته قصيرة حتى لا يستقل بها، وهذا ما جعل الولاة يهتمون بمصالحهم الشخصية دون مصالبح البلاد، وحرموا المصريين من الاشتراك في إدارة بلادهم مما جعلهم كالغرباء فيها، ومنعوهم من الانضمام للجيش حتى لا يدفعهم ذلك لمقاومة الرومان في المستقبل. رضخ المصريون لهذا الحكم علي مضض فترة وثاروا في فترات، وكانت الحاميات الرومانية تقضى على هذه الثورات بكل عنف ومن أخطر هذه الثورات ما حدث في عهد الإمبراطور ماركوس أورليوس :(161- 180 م) وعرف بحرب الزرع أو الحرب البكوليه نسبة إلى منطقه في شمال الدلتا وتمكن المصريون من هزيمة الفرق الرومانية وكادت الإسكندرية أن تقع في قبضة الثوار لولا وصول إمدادات للرومان من سوريا قضت على هذه الثورة.
في بادئ الأمر ترك الرومان حرية العبادة للمصريين، وكانت مصر كغيرها من الولايات الرومانية تدين بالوثنية، وظلوا ينعمون بهذه الحرية إلى أن ظهرت المسيحية في فلسطين، وكانت مصر في طليعة البلاد التي تسربت إليها المسيحية في منتصف القرن الأول الميلادي على يد القديس (مرقص) لقربها من فلسطين. وأخذ هذا الدين ينتشر في الإسكندرية والوجه البحرى ثم انتشر تدريجيا في أنحاء مصر كلها خلال القرن الثاني الميلادي، فثارت مخاوف الرومان الوثنيين، وصبوا العذاب صبا على المصريين الذين اعتنقوا المسيحية وتركوا الوثنية الدين الرسمي للدوله. وأخذ الاضطهاد صورة منظمة في عهد الإمبراطور سفروس(193 ـ 211م) ثم بلغ ذروته القصوى في حكم الإمبراطور دقالديانوس (284- 305) الذي رغب أن يضعه رعاياه موضع الألوهية، فقاومه المسيحيون، فعمد إلى تعذيبهم، فصمد المصريون لهذا الاضطهاد بقوة وعناد أضفى عليهم صبغة قومية، وقدمت مصر في سبيل عقيدتها أعدادا كبيرة من الشهداء مما حمل الكنيسة القبطية أن تطلق على عصره (عصر الشهداء). وعندما اعترف الإمبراطور قسطنطين الأول(306-337م) بالمسيحية دينا مسموحا به في الدولة الرومانية كبقية الأديان الأخرى خفتت وسسائل الاضطهاد. وفي سنة 381م أصدر الأمير تيودوسيوس الأول (378-395) مرسوما بجعل المسيحية دين الدولة الرسمي الوحيد في كامل الإمبراطوريه، وعلى الرغم من ذلك لم تنعم مصر بهذا المرسوم، وبلغ النزاع أقصاه بين كنيسة الإسكندرية وكنيسة روما للاحتلاف في طبيعة السيد المسيح ولذلك تعرض المصريون لألوان العذاب.
اخر ايام الحكم البيزنطى كانت مليئه بالمشاكل السياسيه والاضطرابات فى مصر و فى بيزنطه نفسها، انتهز الفرس الفرصه وزحف ملكهم خسرو برويز على الاراضى البيزنطيه فى اسيا ، فى سنة 613 استولوا علي دمشق، وفى 614 استولوا على مدينة القدس، و اخد خسرو صليب الصلبوت من القبر المقدس، وفى سنة 619 استولوا علي مصر، وظلت مصر فى ايد الفرس عشر سنوات. رسى هرقل بأسطوله أمام اسكندريه فإضطر الفرس علي الايسحاب من مصر سنة 627، و زحف هرقل على بلاد فارس وهزم الجيش الفارسى هزيمه ساحقه و استعاد صليب الصلبوت وأعاده للقير المقدس فى بيت المقدس.
وكانت الحرب بين البيزنطيين والفرس قد امتدت لمده 47 سنة خرجت منها الإمبراطوريتين منهكتين فقيرتين في الموارد، في هذا الوقت ظهر الإسلام. وفي خلافة عُمر بن الخطاب بدأت الغزوات الإسلامية (الشام ومصر وبرقة وفارس وخراسان وسنجستان). بعد تسليم بيت المقدس لعُمر بن الخطاب، قابله عمرو بن العاص وألح في غزو مصر لغناها وسهولة الاستيلاء عليها، مؤكدا أنها ستكون قوة للمسلمين إذ هم ملكوها. ووافق عُمر بن الخطاب بعد تردد على الغزو في ديسمبر639م. لم يكن الغرو العربي لمصر لنشر الإسلام فيها، ولم يكن لرقة قلب ابن العاص لسماعه أنين المصريين وشكواهم من حكم الرومان فأراد لهم الخلاص. الحقيقة كما نعرفها أن الغزو كان للاستيلاء على ثروات البلاد واستعباد أهلها. وعندما بلّغ ابن الخطاب خبر دخول جيوش عمرو لمصر كان ما يزال جالسا بالجامعبعد أن إقتات على خبز وزيت فلما بُلغه النبأ أنب الرسول الذي جاءه مبشرا كونه انتظر حتى ينتهي من صلاته، فدخول مصر كان لدى عُمر أهم من أي شيء حتى لو كانت الصلاة. أن المغالطات المستمرة عن كون مصر لم تبادر بالثورة ضد الغزو العربي فهو قول تكذبه كل حقائق التاريخ، فالمصريون ثاروا 120 ثورة ونجحوا في أحيان كثيرة في طرد العرب من أجزاء كثيرة من البلاد مما كان يستدعي معه الخلفاء لإرسال جيوشا جديدة لتعاون الجيش العربي في مصر على قمع الثورات والاحتفاظ بها.
وبعد أن استتب الأمر ورضخ المصريون بدأت سياسة الاستعمار العربي الاستيطاني للمناطق المحتلة. هاجرت قبائل عربية بأكملها من شبه الجزيرة العربية إلى الأراضي المحتلة بحثا عن أراضي خصبة، وصادر العرب المستعمرون أفضل الأراضي الخصبة من الفلاحين المصريين، الذين تحولوا إلى خداما وزراعا للمهاجرين العرب الواصلين حديثا. سلب المهاجرين العرب قرى بكاملها وسيطروا عليها، بعد أن رحّلوا سكانها إلى مناطق أخري مهجورة. ومع اختلاط الأقلية العربية المميزة بالمصريين بالمصاهرة والتزاوج أصيح جميع من في مصر مسيحيين ومسلمين أقباطا أي مصريين.
* رغم شُيوع قصة تقبُّل المصريين للفاتحين المُسلمين وتعاونهم معهم ضدَّ الروم، واعتمادها في القسم الأكبر من المراجع والمصادر العربيَّة والإسلاميَّة، إلَّا أنَّ هُناك آراءٌ أُخرى قال بها عددٌ من المؤرخين المُحدثين ناقضت ما قيل سابقًا أو فصَّلته وبرَّرته. يقولُ الدُكتور جاك تاجر أنَّ المصريين لم يستطيعوا استقبال المُسلمين كمُحررين، لأنَّهم كانوا يدينون بِديانةٍ أُخرى. ولم يكونوا مرتاحون إلى حُكَّام آخرين عقيدتهم تُخالف العقيدة المسيحيَّة. وقد لخَّص الأب «جانو» موقف المصريين بقوله: «إنَّهم لم يقُوموا بِأيِّ مجهودٍ لِوقف الكارثة، ولكنَّهم احتموا خلف أسوار المُدن التي لم يجرؤ العرب بعد على اقتحامها، وانتظروا هُجومهم عليها». « كذلك فقد رفض الأقباط بِشدَّة جميع أنواع وطُرق فرض الحماية عليهم أو إنقاذهم رُغم ما كانوا يُعانونه من الظُلم والاضطهاد والقسوة. والحقيقة أن أُكذوبة الترحيب هذه، هي الأُكذوبة الشهيرة التي يتذرَّع بها دائمًا كُلُّ مُستعمرٍ أو فاتحٍ أو مُحتل، يكاد لا يشذُ عنها أي منهم على مدى التاريخ، هي ستارٌ شفَّاف يُحاولُ الفاتح أو الغازي أو المُحتل أن يُغطي به دوافعه الحقيقيَّة، مُتوهمًا أنَّهُ قد استطاع أن يُخفي الحقيقة، وأن يُضفي على وُجوده صفة الشرعيَّة بأنَّ الأهالي هُم الذين استنجدوا ورحبوا به، ولا مانع عنده من أن يُلصق بالمواطنين تُهمه الخيانة ليُسقط عن نفسه جريمة الاغتصاب. واستمر الاستعمار الاستيطاني العربي من خلافة وراء خلافة، يتباين فيها الحكم بين قسوة ولين، وارتفاع وتحطاط، وكانت معاملة الأقبط الذين أسلموا كمواطنون من الدرجة الثانية أما من لم يعتنقوا الإسلام كمواطنون من الرجة الثالثة وقد يكون أقل. ويستمر الحال كذلك بدء من الخلفاء الراشدين إلي الخلافة الأموية (661-750م) ثم الخلافة العباسية (750-868م) ثم الدولة الطولونية (868-905م) عودة الخلافة العباسية لفترة قصيرة (905-935) تلاها حكم الدولة الأخشيدية (935-969م) ثم الخلافة الفاطمية (969-1171م) ثم الدولة الأيوبية (1171-1250م) ثم حكم سلاطين المماليك (1261-1517م)