الأقباط متحدون - الدون جوان
أخر تحديث ١٧:٥٧ | السبت ٦ فبراير ٢٠١٦ | ٢٨طوبة ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٣٠ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الدون جوان

بقلم: ليديا يؤانس
تَسمّرتْ قدماي .. هيّ ولا مُش هيّ ..  أكيد هيّ فُلانه .. أنها لم تتغير كثيراً مُنذ شاهدتها آخر مرة منذ خمس سنوات في حفل زفافها الأسطوري،   وإطلالتها الرائعة التي جذبت مُعظم المدعويين،   وعيونها التي كانت تُبرق مثل حجر ثمين يُرسل إشعاعاته في كل مكان،  عيونها كانت تفضح فرحتها وسعادتها وكينونة قلبها،   أخيراً جاء فارس أحلامها مُمتطياً جواده الأبيض ليُحقق أحلامها ويذوبان معاً في نشوة الحب.

تراجعتُ قبل أن أمد يدي لمُصافحتها،  بسبب عربات الأطفال التي كانت تدفعها أمامها،  إعتقاداً مني بأنها ليست فُلانه التي حضرت زفافها،    تركت العربات وتقدمت نحوي تحتضني بحرارة وإشتياق،    إيه ياليديا لحقتي تنسيني،    قلت لا،   بس العربات والأطفال الجميلة عملوا شوشرة علي تفكيري،  هوه أنت تعملين بيبي سيتر؟    لا هؤلاء الأطفال البنتان والولدان أبنائي،   بحلقت بعيوني ورفعت حواجبي بإندهاش غريب،    وهممت بالكلام ولكن وضعت لساني داخل فمي وأغلقت شفتاي بإحكام حتي لا أحرجها،    ليديا إيه رأيك في أطفالي -  حلوين مُش كده!

نعم أربعة أطفال توائم،   تقاطيع وجُوههم تكاد تكون صورة طبق الأصل،    ضحكاتهم الغاغية خطفت قلبي،    كل طفل في فكه الأسفل سنه واحدة شديدة البياض،   تري أمامك وجوه الأطفال ذات اللون الأسود مثل الفحم،   وبداخل كل وجه نقطة بيضاء مثل حبة اللؤلؤ!

قطعت حبل أفكاري وقالت،  لو عندك وقت نجلس في هذا المحل،   نأخذ قهوة وأرضع الأطفال،   وأحل لكي لغز هؤلاء الأطفال السود!

بدأت فُلانه الحديث،   فوجدت أساريرها وملامحها تغيرت،   لتُعلِن عن مُعاناة داخلية،   وكأنها تنبش قبراً كانت لتوها قد أغلقته.

قالت والحسرة تُغلف ملامحها والدموع مُتحجرة في عيونها،  كان حفلاً أسطورياً بالنسبة للأصدقاء والعائلة والأحباب،   ولكن بالنسبة ليّ كان الطريق المؤدي إلي  الحياة الوردية والحب الرومانسي والعلاقة الحميمة مع فارس أحلامي الذي إنتظرته سنين عمري علي أحر من الجمر.

هربنا من صخب الحفل،   لنذهب إلي عشنا الهادي الجميل،   وفي الطريق شريط سينمائي أمام عيوني يذكرني بكل كلمة وهمسة ولمسة منه،   كانت تجعلني أحلق في السماء مُعلقة بين الواقع والخيال وأسأل نفسي،   هل هذا مُمكن أن يُصبح واقعاً؟

بهرني بإعجابه بي،   ووصفه لمفاتن جسدي،   وتحليله لشخصيتي،   وأحياناً حديثه عما يجول بداخلي من أحاسيس ومشاعر قد لا أستطيع الإفصاح عنها ربما بسبب الخجل وفي الغالب بسبب جهلي.

نعم أنا متعلمة ومثقفة،   ولكننني في مجال ممارسة الحب،    جاهلة ليس عن غباء لأنني أمتاز بذكائي العالي،   ولكن عن فلسفة قد لا تتمشي مع عصرنا الحالي،    كُنت أفضل   أن أحتفظ بنقائي وطهارتي للشخص الذي سيُصبح زوجي،    كُنت أفضل أن أكون جاهلة وهّو فقط الذي يُعلمني كل شئ،   عن الحب وكل لُغاته وكل أسراره.

أغلق باب الغرفة،   وفي لمح البصر وجدت نفسي  كما ولدتني أمي،    بدون كلمة إعجاب،    بدون كلمة حب،    بدون تمنيات أو أمنيات أوإمتنان عن الإرتباط السعيد،     بدون قبلة،    بدون مداعبة لأي جزء من جسدي،    بدون أن تتغلغل أصابعه في خصلات شعري!

أخيراً الدكتور خرج من حجرة العمليات،   أو هكذا تخيلت،   لقد أنجز العملية علي أكمل وجه،    وكأنني  كُنت مُنتظرة عُمري كُله هذا الدون جوان ليؤدي هذه المُهمة السخيفة!

جلس علي حافة السرير وفي يده المحمول،    يرد علي الرسائل الخطية في تليفونه،  وكأنه يُدير مصالح العالم،    لم أقحم نفسي في خصوصياته وإن كان من حقي!

كنت  في شدة الضعف والإحتياج لحنانه وحبه،   ولكن من شدة حيائي،   لم أتجرأ أن أقترب مِنُه وأضع نفسي بين أحضانه!

كان الحفل الأسطوري ليس لبداية حياة سعيدة،   بل لإجهاض حياة لم تبدأ!
حياتي الزوجية كانت هذه الليلة الوحيدة اليتيمة المؤلمة! 
 
لاحظت لهفته الشديدة علي الإلتصاق بالتليفون وكتابة رسائل لمن لا أدري!
جلوسه لمدد طويلة في حجرة المكتب ويغلق بالمفتاح علي نفسه!
كلامه معي كان قليلاً جداً،   وبكل الأدب والإحترام،   وفقط،   وكأنني لست إمرأته!
هل هذا هو الشخص الذي تحديت به العالم،   لكي أرتبط به بعد أن تملك علي  فكري وأحاسيسي ومشاعري،    حاولت أعرف السبب ..  والرد مشغول!

تدخلت العائلة لمعرفة السبب،  وكان الرد،   بالعكس هي إنسانة مُمتازة وأكثر من رائعة وليس بها أي عيب،    ولكن أنا المشغول!

قررت الإنفصال عنه،   حاول أن يتجمل لتظل العلاقة الزوجية،   صممت علي الإنفصال بعد أن تأكدت من أنه علي علاقات مع أخريات.

مررتُ بفترة عصيبة مؤلمة،   مرضت خلالها نفسياً وجسدياً،    فقدت ثقتي في كل من حولي،    وهو يعيش حياته مثل التيس مع النساء بكل أشكالهم إلا أنا!
أنه زير نساء،  أنه لا يأبه بأي شئ سوي إشباع شهواته الحيوانية بأي شكل وأي وسيلة.

الشئ الغريب،   والذي أصبح يُمثل علامة إستفهام كبيرة أمامي،   لماذا قرر الإرتباط بي،   طالما أنني لا أنتمي لنوعية النساء اللآتي يفضلهن.

هذا الدون .. جعلني أفقد ثقتي في نفسي،  جعلني أشك في أنوثتي!
هذا الدون .. سرق فرحتي بالحياة وإعتزازي بمفاهيمي ومبادئي،  وجعلني حطام إمرأة!
هذا الدون .. حول حياتي إلي جحيم،  فقط،    لمُجرد أنه يفضل العاهرات بسبب خبرتهن!
هذا الدون .. لم يكن يريد زوجه بل عاهرة،   كان في إمكانة أن يُعلمني فن الحب والحياة،   وأكيد كنت ساأسعده أكثر من كل النساء اللآئي يعرفهن،    لأنني كنت أحبه وأعشقه وأدخر كل مشاعري وأحاسيسي وجسدي له هو فقط!
هذا الدون .. تعامل معي بجبروت وعدم رحمة،  وأنا واثقة أنه ربما يُنجب في يوم من الأيام،   وفي الغالب سيُنجب بنات وسيذوق مرارة  ما سيحدث لبناته،    لابد أنه سيذوق من نفس الكأس الذي أسقاني إياه! 

لا أستطيع حتي الأن،   بعد مرور خمس سنوات من هذه الأحداث المؤلمة،   أن أجد مُبرراً لما فعله هذا الدون معي،   لماذا جعلني أحبه وأعشقه بهذه الصورة الجنونية،   ولماذا قتلني بهذه الصورة البشعة!

ظللت فترة بالمُستشفي أتعالج من هذه الصدمة العصبية،  طبيبي المُعالج كان أجنبياً،   كان يحمل قلباً رقيقاً،  ونفساً إنسانية متواضعة،   مع إبتسامة رائعة تبعث الأمل والبهجة في النفوس،     وبالرغم من ذلك كنت أتحاشي التعامُل معه،   ربما بسبب التجربة المُرة التي مَررت حياتي،   ربُما بسبب لون بشرته السوداء،   أنا لست عُنصرية وأحب الناس كلهم  ولكن للأسف ليس هُناك توافق نفسي وجسدي مع هذا الإنسان الرائع!

تركت المستشفي مُتمنية أن أكون قد تخلصت من هذا الدون جوان ومن هذا الأسود الرائع،  أسدلت الستار علي المر والحلو،  لا أريد هذا الجنس الآخر سواء أكان مُراً أو حلواً!

مرت شهور وبعض السنوات،  وأستمر الطبيب في إغداق الإهتمام بدون إلحاح،  بدون تمثيل،  بدون كلمات معسولة،  كان كل إهتمامه أن أكون سعيدة حتي ولو كانت سعادتي ستكون مع الدون جوان!

وفي النهاية،  لست أعلم ما الذي حدث،  ولكن كما ترين حياة سعيدة جداً،   مع زوج أكثر من رائع،   ومع أربعة توائم بهجة قلبي ونور عيوني.  


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter