* د. "أحمد عبد الله":
- العنف الذى يحدث هو أقل بكثير مما يُفترَض أن يكون.
- استخدام الأسلحة بعشوائية يدل بكل تأكيد على حالة من الانفلات الأمني.
* د. "سامية خضر":
- العنف فى الشارع المصري رد فعل طبيعي للعديد من المتغيرات والأزمات.
- لا بديل عن وجود كيان مؤسسي قوى داخل الدولة يستطيع بالفعل حماية المواطنين.
* د. "ليليان عوض":
- الضغط على الأبناء من جانب الأسرة يجعلهم أكثر عنفًا.
تحقيق: مادلين نادر- خاص الأقباط متحدون
القتل والسطو المسلَّح والاغتصاب واستخدام العنف والعدوان بكافة أشكاله، أصبحت ظاهرة واضحة فى الشارع المصري تتزايد يومًا بعد يوم. والحادثة التى وقعت مؤخرًا عندما قُتل شاب كان يدافع عن سيدة مسنَّة داخل أحد أتوبيسات النقل العام ليمنع أحد اللصوص من سرقتها، كانت من أبرز الحوادث التى تُعد بمثابة جرس إنذار للمجتمع المصري ككل. لقد أصبحت البلطجة هى المبدأ العام فى التعامل مع المواقف المختلفة، بالإضافة إلى استخدام أسلحة آلية ورشاشات حتى فى الشجارات لأتفه الأسباب.. ومن يتابع أخبار الحوادث يرصد عجائب!!!
هناك العديد من الدراسات التى أُجريت مؤخرًا لرصد العنف فى الشارع المصري، ومنها دراسة بعنوان: "الأمن الإجتماعى المفقود فى الشارع المصري"؛ والتى رصدت العديد من حوادث العنف والبلطجة التى وقعت بشوارع محافظتي "القاهرة" و"الجيزة"، وأوضحت بشكل كبير وجود حالة من إنعدام الأمن فى الشارع المصري.
ولكن، لماذا تتزايد أحداث العنف والبلطجة بالشارع المصري يومًا بعد يوم؟ وهل يمكننا الخروج من هذه الأزمة التى باتت تهدد أمن المجتمع ككل؟ هذا ما حاولنا البحث عن إجابه له فى الشارع المصري من خلال هذا التحقيق:
قالت "مريم كامل"- مدرِّسة: إنها لاحظت فى الفترة الأخيرة استخدام للسلاح بشكل غير مفهوم، وكأن الأسلحة والرشاشات الآلية أصبحت متاحة لجميع المواطنين. مشيرةً إلى الجريمة البشعة التى حدثت فى "نجع حمادي" يناير الماضى، وما تلاها من جرائم تم استخدام الأسلحة فيها. مؤكدةً أن كلمة سطو مسلّح أصبحت مألوفة لديها عند سماع نشرات الأخبار وقراءة الصحف يوميًا.
وأوضح "عادل زكريا"- صيدلي– أن الشارع المصري أصبح يعاني حالة من الإنفلات الأمني والفوضى وغياب الرقابة. كما أشار إلى مشكلة الأسلحة غير المرخَّصة كأخطر المشاكل التى تواجه المجتمع. وتأسف على شعور كثير من الشعب المصري إنه لن يأخذ حقه حينما يطالب به من خلال القنوات الشرعية، فيبدأ فى التفكير فى أخد حقه بذراعه فى ظل غياب تطبيق القانون.
وأكدت "سناء عزيز"- صيدلانية- أن هناك أسباب عديدة لزيادة العنف فى المجتمع، أهمها تعاطي الشباب للمخدرات أو إدمانهم لأى نوع من العقاقير الطبية التى تؤثِّر سلبًا عليهم، وتجعلهم يقومون بتصرفات غير مسئولة وغير محسوبة.
ومن جانبه، قال الدكتور "أحمد عبد الله"- أستاذ الطب النفسي بجامعة "عين شمس": "إن هناك عدة أسباب تُسهم فى زيادة العنف فى أى مجتمع، وهى متحققة فى مجتمعنا بشكل كبير، بل أكثر من ذلك يمكننى القول بأن العنف الذى يحدث هو أقل بكثير مما يُفترَض أن يكون. والتساؤل هنا: أين تذهب ثورة العنف والغضب هذه؟ والإجابة على هذا التساؤل قد تكون أن العنف من الممكن أن يكون مخزونًا وسينفجر يوم ما، قد يكون هذا موجود بالفعل. ولكن هناك إجابة أخرى أكثر اقترابًا من واقعنا فى "مصر"، وهى أن هناك أشكال من العنف نحن لا نضعها فى إطار أحداث العنف، منها على سبيل المثال: التحرش الجنسي؛ فهو عنف شديد بشكل أساسى فقط يأخذ شكل جنسي. وكذلك الحال بالنسبة للاحتقان الطائفي، فقط هو عنف يأخذ شكل ديني. وللأسف الشديد، دائمًا ما يتم تناول هذه الموضوعات بشكل سطحي عن الحدث نفسه دون دراسة متعمقة للدوافع وراء هذه الأحداث."
وأضاف "عبد الله": "بالتأكيد هناك عدة أسباب تؤدى إلى زيادة العنف داخل المجتمع، منها أسباب بيولوجية- سواء تلوث الهواء أو الأطعمة- وهى أسباب تؤدى للعنف فى السلوكيات، حيث أن وجود نسبة كبيرة من الرصاص فى الهواء بسبب التلوث، قادر بمفرده على زيادة القابلية للعنف لدى الشخص. بالإضافة إلى تلوث المياه، واستخدام المبيدات الضارة فى زراعة المحاصيل الزراعية والمأكولات... إلخ. إن استخدام الأسلحة بعشوائية يدل بكل تأكيد على حالة من الانفلات الأمني وعدم وجود ضوابط مما يؤدي إلى تفاقم منظومة العنف."
وأشار "عبد الله" إلى الأسباب النفسية للعنف، مؤكدًا أن الضوضاء والازدحام تسبِّب بالضرورة ضغوطًا نفسية على الأشخاص، مما يؤدى إلى زيادة القابلية للسلوك بشكل عدواني واستخدام العنف مع الآخرين لأتفه الأسباب..
وأكّد "عبد الله" أهمية أن يحاول الشخص أن يقلل من حده الضغوط التى يتعرض لها حتى لا ينفجر ويقوم بارتكاب سلوكيات عدوانية قد تصل إلى جرائم فى بعض الحالات. موضحًا أن الحد من آثار الضغوط يكون بالاهتمام بالترويح عن النفس للتخلص من آثار الضغوط المحيطة. مشيرًا إلى أنه وللأسف فى مجتمعنا نخصص يوم الأجازة لإنجاز المهام التى لم نستطع انجازها فى يوم العمل.
وأوضح "عبد الله" إنه أصبح لدينا مخزون من العنف، حتى إذا توقفت أسبابه سنظل سنوات طويلة نعانى من آثاره. الأمر الذى يحدث الآن فى "جنوب أفريقيا"؛ فبالرغم من أن لديهم ديمقراطية منذ عام 1995، إلا إنهم لازالوا يعانون من آثار العنف والعدوان التى كانت أسبابه موجودة منذ سنوات طويلة سابقة.
واتفقت معه فى الرأي د."ليليان عوض"- إخصائي الطب النفسي- والتى أوضحت أن العنف والعدوان الذى تزايد فى الشارع المصري، بدأ يتسبب فى مشكلة أكبر وهى شعور المواطنين بعدم الأمان، خاصةً وإنه لم يُعد هناك كيان مؤسسي للحماية، له ضوابط يمكن للمواطنين اللجوء إليه فى حال التعرُّض للمخاطر؛ فبدأت الناس تبحث عن كيفية حماية نفسها بنفسها، فى ظل كثرة الضغوط التى أصبحت تلاحق الشخص فى كل مكان وكل وقت. مؤكدةً أن الأمور ستستمر وتتفاقم إذا استمرت الأسباب والدوافع، إلا إذا بدأت المؤسسات التعليمية- بالإضافة إلى الأسرة- فى القيام بدور فعَّال للحد من العنف. وهو ما لم يحدث حتى الآن؛ فعلى مستوى الأسرة أصبح الهدف الأساسي هو التحصيل الدراسي والضغط على الأبناء للوصول لهذا الهدف بغض النظر عن تنمية المهارات والقدرات الأخرى، أو ممارسة الأبناء للرياضة بالإضافة إلى الدراسة؛ مما أدى إلى زيادة الضغط النفسي على الأبناء وجعلهم بكل تأكيد أكثر عنفًا.
وقالت "عوض": إن من أسباب العنف أيضًا وجود أزمة شديدة داخل الأسرة والمؤسسات الدينية والإعلامية والقضائية والأمنية"، بالإضافة إلى ارتباطه بأشياء عديدة مثل الزحام والتضخم السكاني وغياب دور الرقابة، حتى أصبح الموطنون يخشون دخول الأقسام خوفًا من المعاملة السيئة.
أما د. "سامية خضر"- أستاذ علم الإجتماع- فقد أكّدت أن العنف فى الشارع المصري يُعد رد فعل طبيعي للعديد من المتغيرات والأزمات التى مر بها المجتمع المصري مؤخرًا بمختلف المراحل العمرية والطبقية، والتى من أهمها تهميش دور الأسرة المصرية فى التربية والتوجيه، وتفككها، وانتشار العنف الأسري الذى انتقل إلى عنف بالشارع. مشيرةً إلى أن هناك مفاهيم كثيرة انتشرت فى مجتمعنا جعلت من العنف مرضًا متوطنًا بالشارع، منها مفهوم أخذ الحق بالذراع. ومع غياب القيم المجتمعية التى كان الشعب المصري يتسم بها، ومع انتشار مبدأ "وأنا مالي"؛ أصبح كل شخص لا يبالى بما يحدث من حوله. مؤكدةً أن الجرائم التي اُرتكبت مؤخرًا جعلت الأشخاص يبتعدون أكثر عن اتخاذ مواقف ايجابية حيال السلوكيات العدوانية والجرائم التى تحدث فى الشارع. ودللت على ذلك بالشاب الذى قُتل مؤخرًا لدفاعه عن سيدة مسنَّة، والضابط الذى اُصيب لدفاعه عن فتاة حتى لا يتم اغتصابها.
وفى النهاية، أوضحت "خضر" أنه لا بديل عن وجود كيان مؤسسي قوى داخل الدولة يستطيع بالفعل حماية المواطنين فى الشارع. بالإضافة إلى أهمية تفعيل القوانين دون اعتبارات للواسطة والمحسوبية التى تدفع كثيرين إلى السلوك العدواني فى المطالبة بحقوقهم، بعد أن تُوصد أمامهم الأبواب بالطرق المشروعة.