الأقباط متحدون - «أكان زمن ضياء وبهجة؟!»
أخر تحديث ٠٠:١٥ | السبت ٣٠ يناير ٢٠١٦ | ٢١طوبة ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٢٣ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

«أكان زمن ضياء وبهجة؟!»

الأنبا إرميا
الأنبا إرميا

 تحدثنا فى المقالة السابقة عن نهاية مُلك «أرخيلاوُس»، ومُلك أخيه «هِيرُودُس أَنْتِيباس» من بعده، و«أغريباس بن أرِسطُوبُولُس» ثم ابنه الذى كان خراب «أورُشليم» فى أيامه. وتحدثنا أيضاً عن جماعة «الغيورون» التى ظهرت منهم مجموعة «سِيكارى»، أى «حمَلة الخناجر»، التى قامت بعمليات اغتيال منظمة أثارت القلاقل فى «اليهودية». وبدأنا الحديث عن الطوائف اليهودية ومنها «الفَرِّيسيُّون»، أى «المُفرَزون»، وكانوا فئة متعالية على الآخرين. واليوم نستكمل الحديث عن الطوائف اليهودية حتى ميلاد السيد المسيح.

 
و«الفَرِّيسيُّون» هم طائفة من مُعلمى الشريعة، ومنهم الكهنة والعَلْمانيُّون، هدفوا إلى المحافظة على قوانين ونواميس الشريعة المُوسَوية، متمسكين بها حرفيًّا، مع التقاليد والعوائد التى تسلموها ممن سبقوهم، فنجد فى أحد حواراتهم مع السيد المسيح يسألونه: «لماذا يتعدى تلاميذك تقليد الشيوخ، فإنهم لا يغسلون أيديهم حينما يأكلون خبزاً؟» فأجابهم: «وأنتم أيضًا، لماذا تتعدَّون وصية الله بسبب تقليدكم؟».
 
وانصبّ اهتمام «الفَرِّيسيِّين» على درس الشريعة وتفسيرها، ووضعوا الحدود الدقيقة فى التمييز بين ما هو طاهر وما هو نجس، حتى إنهم وضعوا درجات للطهارة. وعلى الأرجح كانوا هم الفئة المتعلمة من الشعب اليهودى، وكانوا يؤمنون بأن كِيان اليهود وحريتهم لا يتحققان إلا بحفظ شريعة موسى حفظًا حرفيًّا دقيقًا، كما آمنوا بالقيامة والخُلود وأن الإنسان سيُجازى فى الحياة الأخرى عن أعماله خيِّرةً كانت أو شريرة. وقد كان «الفَرِّيسيُّون» هم القوة الدينية التى تُدير الشعب رُوحيًّا. وقد حاد «الفَرِّيسيُّون» عن التعليم الرُّوحى الصحيح إذ امتلأوا رياءً وتكبُّرًا دينيًّا، مفتخرين بمعرفتهم الدينية، مزدَرين بعامة الشعب، ولذا نجد السيد المسيح فى كثير من الأحيان يُعلن لهم ذلك: «لكن ويل لكم أيها الكتبة والفَرِّيسيُّون المراؤون! لأنكم تُغْلقون ملكوت السماوات قدام الناس، فلا تدخلون أنتم ولا تَدْعون الداخلين يدخلون. ويل لكم أيها الكتبة والفَرِّيسيُّون المراؤون! لأنكم تأكلون بُيوت الأرامل، ولعلة تُطِيلون صلواتكم. لذلك تأخذون دينونة أعظم». ويُذكر أنه فى زمن السيد المسيح، انقسم الفَرِّيسيُّون إلى فريقين، أحدهما يتبع الحكيم «هَليل» أو «هلل» وآخر يتبع الحكيم «شَمّاى».
 
«الكَتَبة»
 
هم فئة من نُسّاخ الشريعة ومفسريها من الكهنة واللاويِّين، مع وجود بعض أفراد الشعب الذين اختصوا بدراسة الشريعة وتفسيرها. ويعود عملهم إلى زمن العودة من السبى البابلى. وهم خبراء «الناموس»، وقد كرسوا حياتهم لتنفيذ الوصايا الناموسية، لذلك كان هناك ارتباط قوى بينهم وبين «الفَرِّيسيِّين». وكان من ينال رتبة عالية من «الكتبة» يسمَّى «رَبى»، أى «معلم». وقيل عنهم إنهم يجلسون على كرسى موسى كمفسرين للناموس. وكانوا مشيرى الشعب فى الأمور الدينية، ومنهم أعضاء فى «السِّنْهِدريم»، وكان لهم نفوذ قوى، وهم أيضًا وبخهم السيد المسيح مرات كثيرة بسبب ريائهم.
 
«الصَّدّوقيُّون»
 
وهم إحدى الطوائف اليهودية وتعددت الآراء فى اسم «الصَّدُّوقيُّون»: إذ ذَكر بعضٌ أنه يعود إلى نسبتهم إلى «صادوق» الكاهن وأسرته التى ذُكر عنها أن أفرادها كانوا كهنة فى عهد «داوُد النبى» و«سُليمان الحكيم» الملِكَين. وقد كان «صادوق» رئيسًا للكهنة الذين كانت مهمتهم خدمة الهيكل من ذلك الحين إلى وقت السبى، وقد حفِظت عائلته رئاسة الكهنوت، وذُكرت فى عصر «المكابيِّين»، وبذلك ينتمى «الصَّدُّوقيُّون» إلى الكهنة. وذكر بعضٌ آخر أنهم ينتمون إلى شخص يُدعى «صادوق» وكان تلميذًا لـ«أنتيجونوس» الذى من «مسوكوه» وقد أنكر تعاليم معلمه ورفض عقيدة «القيامة»، وأنه قام بتأسيس حزب «الصَّدُّوقيُّون». وظن آخرون أن الاسم مشتق من «الصدق» أى أنهم «الصادقون»، وهذا هو أقل الآراء ترجيحًا.
 
ويُعدّ «الصَّدُّوقيُّون» من العائلات الأرستقراطية والتِّجارية فى المجتمع اليهودى، ومعظمهم من الأغنياء ذوى المكانة المرموقة، وأبناء الأسر النبيلة. وحيث إن أتباع هذه الطائفة من ذوى المراكز المهمة ومن أصحاب الوجاهة والثراء والعَلاقة القوية بالحكام، لذلك كانوا يحافظون على نظام المجتمع ورفْض الثوْرات والانقلاب ضد الحكم. وهكذا ارتبطت مصالحهم بأصحاب السلطان السياسى من «اليونان» و«الرومان»، فكانوا يعاملونهم بود واحترام.
 
يؤمن «الصَّدّوقيُّون» بالأسفار التى كتبها «موسى النبى» فقط، وهم متشددون يرفضون التقليد والتفسيرات، ويؤيدون سلطان الهيكل والكهنة. هم لا يؤمنون بالحياة الأخرى بعد الموت، إذ يقولون إن أسفار «موسى» الخمسة لا تذكر أنه قيامة أو حياة أخرى، وقد جادلت مجموعة منهم السيد المسيح فى هذا الأمر: «وجاء إليه قوم من الصَّدُّوقيِّين، الذين يقولون ليس قيامة، وسألوه قائلين: يا مُعلِّم، كتب لنا موسى: إن مات لأحد أخ، وترك امرأة ولم يخلِّف أولادًا، أن يأخذ أخوه امرأته، ويُقِيم نسلاً لأخيه. فكان سبعةُ إخوة. أخذ الأول امرأة ومات، ولم يترك نسلاً. فأخذها الثانى ومات، ولم يترك هو أيضًا نسلاً. وهكذا الثالث. فأخذها السبعة، ولم يتركوا نسلاً. وآخرَ الكل ماتت المرأة أيضًا. ففى القيامة، متى قاموا، لمن منهم تكون زوجة؟ لأنها كانت زوجة للسبعة». فأجاب يسوع وقال لهم: «أليس لهذا تَضلون، إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله؟ لأنهم متى قاموا من الأموات لا يزوِّجون ولا يزوَّجون، بل يكونون كملائكة فى السماوات. وأما من جهة الأموات إنهم يقومون: أفما قرأتم فى كتاب موسى، فى أمر العُلَّيقة، كيف كلَّمه الله قائلاً: أنا إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب؟ ليس هو إلهَ أموات بل إلهُ أحياء. فأنتم إذًا تضلون كثيرًا!». وكانوا يُنكرون وجود الملائكة والأرواح. ويذكر بعض الكتّاب أنهم كانوا أقرب اليهود أخذًا بالحضارة اليونانية وعاداتهم، كما كان منهم من يؤمن ببعض المذاهب الفلسفية مثل «الفلسفة الأبِيكُورية» التى كانت شائعة فى ذلك العصر.
 
«الأَسِينِيُّون»
 
وهم إحدى الطوائف الدينية اليهودية. تميل حياة أعضائها إلى النسك والبساطة فى صرامة شديدة، ويعيشون فى مُجتمّعات صغيرة، ويُفضلون حياة البتولية عن الزواج، ويتقاسمون كل شىء إذ كان على من يرغب الانضمام إليهم أن يقدم ممتلكاته إلى هذه المجموعة لتُصبح الممتلكات للجميع. وهم يعملون فى الزراعة مع بعض الأعمال اليدوية البسيطة، فى الوقت الذى يرفضون فيه أعمال التجارة. اهتم «الأسِينِيُّون» بتقديس يوم «السبت»، ولكنهم لم يُقروا بالذبائح الحيوانية.
 
كان «الأسِينِيُّون» يقومون إلى جانب عملهم بنسخ الأسفار المقدسة مع دراستها. ويذكر «يُوسِيفوس» أنهم آمنوا بالخُلود، ولكنهم رفضوا قيامة الأجساد. وقد اهتموا بالاغتسال والتطهير وعدم الزواج، ما يشير إلى اعتبارهم المادة شرًّا. وقد كانوا على عَلاقة طيّبة بالملك «هِيروُدُس» ما أتاح لهم نشر أفكارهم ومعتقداتهم من خلال مدارس صغيرة أنشئت فى القرى والمدن.
 
وهكذا انتشرت فى عصر السيد المسيح الطوائف المتعددة التى تحمل كل منها عقائد تختلف فيما بينها، بل قد تتضارب وتتصارع، ليسقط مع هذه الصراعات الشعب الحائر المشتت بين الأحوال السياسية الطاحنة، والدماء التى تراق، ناهيك بالضرائب التى تعتصره فيئن تحت وطئتها، والفلسفات التى تشتت أفكاره، والعقائد التى أصبح لا يُدرِك أيها يقود إلى الطريق الصحيح. إنه الزمن الذى كان يبحث فيه الجميع عن وميض ضوء يُذهب عنهم ظلمة الحياة التى كانوا يطوون أيامها فى تشتت وألم ومعاناة.
 
وفى «مصر الحلوة» الحديث لا ينتهى...!
 
*
 
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى
نقلا عن المصرى اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع