بقلم: ماريا ألفي
"أنا خلاص زهقت من العيشة دي".. الكلمة دي بقولها كل يوم، وخاصةً لما بتعرض لموقف صعب في حياتي. فأنا بدايةً تربيت وعشت في أسرة هادئة يغمرها الحب والسعادة، وعندما كان "أبي"- رحمه الله- يتعرض لموقف غدر من إنسان ما، كان دائمًا يقول: "الإنسان الوحش مش لازم يجرني لوحشته.. وأنا لازم أبقى أحسن منه".. وفعلا قضيت أيامه فترة اعتبرها أجمل أيام حياتي.

إلى أن جاء الوقت وتوفى والدي، والذي كنت أعتبره مثلي الأعلى وسندي في الحياة. وهذا اليوم لا أنساه أبدًا؛ فكان هذا اليوم آخر يوم بامتحاناتي، وكنت في هذا الوقت في الفرقة الأولى الجامعية. وبعدما انتهيت من الامتحان اتصل بي والدي ليطمئن علي كعادته، وكان هذا اليوم آخر مرة اسمع فيها صوته، حيث توفى بعدها بنصف ساعة بالضبط. وقبل وفاته بعشرة دقائق أيضًا، اتصل بوالدتي وقال لها عبارة لا أنساها وهي: "ياريت كل الناس تحب بعضها، ويبقى في سلام وحب بين كل الناس".

وبعد وفاة والدي، عشنا ومازلنا إلى الآن نعيش على سيرته الجميلة التي أعتبرها كنزًا وتركةً كبيرة تركها  لنا. فمن الممكن أن يزول أي شيء بالدنيا إلا السيرة الجميلة والعطرة لإنسان. ولكني بالفعل بعد وفاته تعرَّضت للكثير من المواقف الصعبة بحياتي؛ فوجدت أقرب الناس إليَّ تقف أمامي وتسبب لي جروحًا بحياتي، وفي هذا الوقت تخيلت أن أبي كان الحائط المانع لي من أي صدمات، وصُدمت حين لم أجده أمامي يدافع عني في هذه الظروف.

وتساءلت عدة أسئلة منها على سبيل المثال: ليه؟!
* الناس مبقتش تحب بعضها وبقى أسهل حاجة إننا نجرح في بعض؟
* السلام والحب كاد أن يختفي من حياتنا؟
* الحياة دي فترة بسيطة بنقضيها، فليه نقضيها في صراعات بيننا وبين بعض، واحنا أساسًا مش واخدين منها أي حاجة؟

وهذا جعلني أردد مثل أو مقولة تقول: "الدنيا مبقاش فيها خير".. ولكني أتفق مع هذه المقولة جزئيًا وليس كليًا؛ فالذي أؤمن به "الدنيا بقى فيها خير قليل كاد أن يتلاشى شيئًا فشيئًا، ولكن مازال هناك بقايا منه"؛ لأنه بالطبع إذا أصبحت الدنيا دون خير،  فستتحول إلى غابة بها أسود مفترسة تنهش في بعضها، ولكننا لم نصل إلى هذه المرحلة، وأتمنى ألا نصل إليها..
 
فأنا كل ما أتمناه مزيد من الحب والسلام بمجتمعنا بوجه عام، وبحياتي بوجه خاص. وأن يعمل كل فرد في المجتمع لمحاولة إسعاد الآخر، ولا يكون سببًا في جرح شعوره أو إيذائه نفسيًا أو معنويًا أو جسديًا.