لا مجال لأى تقدم أو نمو أو نهضة فى مصر إلا بإصلاح التعليم أولاً، هذه الرسالة وصلتنى من الأستاذ صالح سعد أحد المهتمين بحال التعليم المصرى، الرسالة من دمياط لكنها لا بد أن تصل إلى كل شارع فى مصر وإلى وزير التعليم وإلى مجلس النواب حتى نتفهم أن المشكلة ليست كتاب وزارة وامتحان، المشكلة فى منهج تفكير، يقول صالح سعد فى رسالته المؤلمة الكاشفة:
حال المدرسة المصرية اليوم ليس استثناء من حال مصر المريضة، نكوص إلى الخلف والعيش فى أوهام الكهف، مصر ومدرستها خائفتان منزعجتان تعيشان على الكفاف والعيش الحاف راضيتين مكسورتى القدم والجناح، مصر ومدرستها تأخرت كلتاهما عن اللحاق بقطار الانفجار المعرفى، واكتفت مدرسة مصر بتلقين الطلاب معلومات متفقاً عليها تحت دعوى الأمن والسلامة العقلية تجنباً لمخاطر التفكير، وكى لا يصاب المصرى بعدوى الشك والتفكير والأسئلة (اللى ملهاش لازمة)، إنه تعليم من نوع (التدجين التربوى) يتحول فيه الطلاب إلى أوانٍ فارغة ومخازن تودع بها نصوص ومحفوظات يحفظها الطلاب عن ظهر قلب وممنوع اللمس، إنه تعليم يسير على طريقة الودائع البنكية (إيداع وسحب)، وتنتظم علاقة التلميذ والملقن فى (التعليم البنكى)على النحو التالى:
الملقن يعلم والتلميذ لا يعلم، الملقن يلقن والتلاميذ يتلقون، الملقن وحده يفكر والطالب لا يفكر، الملقن يتكلم والتلميذ يستمع وينصت، الملقن ينظم والطالب لا ينظم، الملقن يختار ويفرض اختياره والطالب يذعن، الملقن يتصرف والطالب يعيش فى وهم التصرف من خلال عمل الملقن، الملقن هو قوام العملية التلقينية والتلاميذ نتيجتها، والملقن وتلاميذه تابعون أذلاء لواضع (المقرر التلقينى)، يقوم الملقن وتلاميذه فى كل أرجاء مصر المحروسة بملء وتفريغ وسحب نصوص المقرر التلقينى متى طلب منهم ذلك، ولا اختيار أمامهم وإلا تعرض التلاميذ للهلاك والعقاب، وويل للمبدعين من (بعبع الامتحان) الذى يكرم فيه المرء أو يهان، ولسان حاله يقول: «لولا سلامك سبق كلامك لكلت لحمك قبل عظامك»، وأخرج كل من لم يدخل بيت (الطاعة المدرسية) ذليلاً مهاناً يجرجر خيبة وعار الرسوب ويصبح فاقداً للأهلية والصلاحية التعليمية، وبمرور الوقت فإن بعض الطلاب ممن شاهدوا الملك عارياً يشعرون بالقهر، ويتسربون من تعليم كل أفعاله ناقصة ومعتلة ويكتشفون أن (التربية التلقينية) من مخلفات عصر القطيع والعبيد ويخرجون من (غرفتهم المعرفية المغلقة) من ظلام الغرفة إلى ضوء النهار وشمس (التعليم الحوارى) ويسلكون طريق التحرر وفيه يتمكن المقهورون من كتابة تاريخ جديد للبشرية، إنه ميثاق جديد لتعليم يحرر الإنسان وفيه يتعلم كيف يعيش حراً، ويتعلم «كيف يتعلم» حتى يتحرر من التبعية ويكتسب دائماً معرفة جديدة طوال حياته ويتعلم كيف يفكر بطريقة حرة وكيف ينقد نقداً بنّاءً ويتعلم «كيف يكون»، كى لا يتعرض لسرقة عقله وقلبه وعرقه، ويتعلم أن التلقين هو مشروع الطغاة للاستعباد الاجتماعى والاستبداد السياسى، وأن مشروع التربية الحوارية هو جوهر التربية الحقيقى لإعادة بناء العالم على أسس عادلة منصفة، ويستعيد فيها الإنسان حق تقرير مصيره، يحدث هذا عندما تصبح التربية (حفزاً وتمكيناً لا حفظاً فيها ولا تلقيناً)، فتصبح التربية عملية تقدمية متواصلة وفيها تتغير قواعد النجاح والفشل التى وضعها الطغاة.
نقلا عن الوطن