بقلم/ماجد كامل
تحتفل الكنيسة القبطية الآرثوذكيسة يوم 11 طوبة حسب التقويم القبطي الموافق 19 يناير حسب التقويم الميلادي سوف نحتفل به هذا العام يوم 20 يناير حيث أنه سنة كبيسة ) بعيد الغطاس المجيد ؛ وعيد الغطاس المجيد هو تذكار عماد السيد المسيح في نهر الأردن ؛وهو أحد الأعياد السيدية "أي الأعياد التي تتنسب إلي السيد المسيح " وهي بدورها تنقسم إلي سبعة أعياد كبري وسبعة أعياد صغري ؛والأعياد الكبري هي :_
1- عيد البشارة بميلاد السيح ويقع في 29 برمهات الموافق 7 أبريل حسب التقويم الميلادي
2- عيد الميلاد المجيد ويقع في 29 كيهك الموافق 7 يناير حسب التقويم الميلادي
3- عيد الغطاس المجيد ويقع في 11 طوبة "19 يناير كما ذكرنا سابقا "
4- عيد الشعانين "أحد السعف "أو دخول السيد المسيح إلي أورشليم "وهو الأحد الذي يسبق عيد القيامة مباشرة " .
5- عيد القيامة المجيد "متغير موعده حسب قاعدة حسابية معينة ليس هذا وقت شرحها "
6- عيد الصعود ويأتي بعد أربعين يوما من عيد القيامة
7- عيد حلول الروح القدس علي التلاميذ" ويعرف أيضا بعيد العنصرة وهي كلمة عبرية معناها "الخمسين حيث أنه يأتي في اليوم الخمسين من عيد القيامة .
أما الأعياد السيدية الصغري فهي :_
1- عيد الختان ويقع في 6 طوبة الموافق 14 يناير حسب النقويم الميلادي ( أي بعد ثمانية أيام من عيد الميلاد المجيد )
2-عيد دخول السيد المسيح إلي الهيكل بعد أربعين يوما من ميلاده ويقع في 8 أمشير "الموافق 15 فبراير حسب التقويم الميلادي "
3-عيد دخول العائلة المقدسة إلي أرض مصر ويقع في 24 بشنس الموافق 1 يونيو حسب التقويم الميلادي .
4--عيد عرس قانا الجليل "وهي تذكار أول معجزة جهارية صنعها السيد المسيح ويقع في 13 طوبة "الموافق 21 يناير حسب التقويم الميلادي "
5--عيد خميس العهد "تذكار العشاء السري " "ويقع في الخميس الأخير من الصوم الكبير "
6--عيد أحد توما ( الأحد الجديد ) ويقع في الأحد التالي لعيد القيامة مباشرة
7- عيد التجلي ويقع في 13 مسري الموافق 19 أغسطس
ولصلوات عيد الغطاس قدسية خاصة ؛ فهو أحد ثلاثة أعياد يسبقها ما يعرف ب"صلاة اللقان " "واالقان كلمة يونانية معناها مغطس أو حوض " وفيه يحضر الكاهن وعاء ممتليء بالماء ويتلو عليها صلوات خاصة ؛ وهذه الصلوات تقام ثلاثة مرات في السنة ؛المرة الأولي في عيد الغطاس ؛المرة الثانية في يوم خميس العهد ؛والمرة الثالثة والأخيرة في يوم عيد الآباء الرسل الموافق 5 أبيب (12 يوليو حسب التقويم الميلادي ) ولهذا السبب نجد في جميع الأديرة و الكنائس القديمة في صحن الكنيسة وعاء آثري يعرف ب"حوض اللقان " وهو الوعاء الذي كان يمارس فيه طقس صلاة اللقان قديما . و بعد الصلاة يمسح الكاهن جبهة المؤمنين بقليل من هذا الماء حيث يري فيه الأقباط نوع من البركة والتقديس للنفس البشرية .
وتذكر كتب التاريخ أنه حتي عصر الخليفة المعز لدين الله الفاطمي كانت الدولة تشارك الأقباط في الإحتفال بهذا العيد ؛فكانت تبحر مراكب من النيل ؛وتضاء المشاعل وتعزف الموسيقي الصادحة ؛ وكل مظاهر الإحتفالات الشعبية ؛ويتوجه الموكب إلي مياة النيل حيث كانت تؤدي بعض الصلوات أمام نهر النيل ؛ثم يصب ماء اللقان في ماء النيل كرمز لتقديس مياه النيل ؛ ويذكر كتاب الصلوات الخاص بعيد الغطاس "نهر جيحون أملأه من بركتك بارك أكليل السنة بصلاحك ؛يا رب أسمعنا وأرحمنا " ونهر جيحون المقصود هنا هو أحد أنهار الجنة الأربعة وأسماؤهم كما وردت في سفر التكوين هي ( فيشون ؛جيحون ؛حداقل ؛الفرات )
( تك 2 : 10- 14 ) ولقد أعتبرت الكنيسة القبطية أن نهر جيحون هو الأسم القديم لنهر النيل ؛فكلمة النيل معناه النهر باللغة القبطية حسب النطق باللهجة الفيومية ؛ ولهذا السبب خصت الكنيسة نهر النيل بطلبات وصلوات خاصة ؛ ففي صلوات أسبوع الآلام يقول الكاهن "ونيل مصر باركه في هذا العام وكل عام " ويقول أيضا " صلوا وأطلبوا عن صعود مياة الأنهار في هذه السنة " ؛وفي نهاية كل قداس يرش الكاهن الشعب كله بقليل من مياه النيل الذي تقدس بالصلاة كرمز للبركة . وعن عيد الغطاس كتب المقريزي في كتابه ( ويعمل بمصر في اليوم الحادي عشر من شهر طوبة ؛ وأصله عند النصاري أن يحيي بن زكريا عليهما السلام المعروف عندهم بيوحنا المعمداني عمد المسيح أي غسله في بحيرة الأردن ؛ وعندما خرج المسيح عليه السلام من الماء اتصل به روح القدس ؛فصار النصاري لذلك يغمسون أولادهم في الماء في هذا اليوم ؛وينزلون فيه بأجمعهم ؛ولا يكون ذلك إلا في شدة البرد .ويسمونه "يوم الغطاس " وكان له بمصر موسم عظيم إلي الغاية . قال المسعودي : ولليلة الغطاس بمصر شأن عظيم عند أهلها . لا ينام الناس فيها ؛وهي ليلة الحادي عشر من طوبة . ولقد حضرت سنة ثلاثين وثلاثمائة ليلة الغطاس بمصر والأخشيد محمد بن طغج أمير مصر ؛ في داره المعروفة بالمختار ؛في الجزيرة الراكبة للنيل ؛والنيل يطيف بها ؛ وقد أمر فأسرج في جانب الجزيرة ؛وجانب الفسطاط ألف مشعل غير ما أسرج أهل مصر من المشاعل والشمع ؛وقد حضر بشاطيء النيل في تلك الليلة آلاف من الناس من المسلمين والنصاري .... منهم في الزواريق ؛ومنهم في الدور الدانية من النيل ؛ومنهم علي سائر الشطوط . يحضرون كل ما يمكن إظهاره من المآكل ؛والمشارب ؛والملابس ؛وآلات الذهب ؛والفضة ؛والجوهر ؛ والملاهي ؛والعزف .... وهي أحسن ليلة تكون بمصر وأشملها سرورا ؛ولا تغلق فيها الدروب ؛ويغطس أكثرهم في النيل ويزعمون أن ذلك أمان من المرض ودافعة للأمراض .) "تاريخ الأقباط للعلامة المقريزي ؛تحقيق عبد المجيد دياب ؛دار الفضيلة ؛.ص237 ؛238 "
كما ذكر الرحالة فانسليب ( 1635- 1679 ) في كتابه عن تقرير الحالة الحاضرة عيد الغطاس من ضمن الأعياد الكبري التي يحتفل بها الأقباط . كما ذكره الرحالة الانجليزي إدوارد وليم لين في كتابه الشهير "المصريون المحدثون شمائلهم وعاداتهم " وقال عنه ( جرت العادة أن يقوم أغلب الأقباط بطقس غريب في ليلة الغطاس ؛ يغطس الرجال شيوخا وشبابا والصبيان في الماء احتفالا بذكري تعميد المسيح ؛ولبعض الكنائس مغطس كبير يستعمل في هذه المناسبة في هذه المناسبة بعد أن يبارك الماء أحد القسس غير أن العادة الشائعة عند الأقباط هي القيام بهذا الطقس ؛ويعتبره أكثرهم للتسلية أكثر من اعتباره شعيرة دينية ؛فيصبون في النهر "نهر النيل " بعض الماء المقدس من الكنيسة ؛ويصاحب ذلك عادة مناسبة لاحتفال كبير عند ضفتي النهر ) ولقد أختفت هذه العادات من احتفالات الأقباط حاليا ربما لأن برودة الجو الشديدة في تلك الليلة لا تساعد كثيرا علي النزول في ماء النهر
أما عن العادات الشعبية المصاحبة للاحتفال بعيد الغطاس ؛ فلقد أرتبط عيد الغطاس المجيد بتناول طعام القلقاس ؛ حتي أن المثل العامي القبطي يقول " اللي ما ياكلش قلقاس يوم الغطاس يصبح من غير راس " وبالطبع لا يوجد أرتباط إيماني أو عقيدي بهذه العادة ؛ولكن لأن القلقاس هو النبات المتوفر في هذا الوقت من السنة ؛فكنوع من التقدير لهذا الطعام الذي يعتبر نبات الموسم ؛ يأكلون الناس القلقاس في هذا اليوم دون أن تكون هناك علاقة دينية مباشرة . كذلك رأي البعض أن نبات القلقاس قبل أن يسلق في الماء يكون شكله وطعمه رديء جدا ؛ولكن بعد أن يقطع ويسلق في الماء يخرج طعاما جميلا وشهيا ؛فأعتبروه من هذه الزاوية رمزا للمعمودية . وأيضا لأن نبات القلقاس يزرع داخل الأرض ثم يخرج منه عندما يثمر فشاهد القبطي فيه وسيلة إيضاح رمزية للمعمودية التي تتم بالغطس بالكامل في الماء ؛ثم الخروج منه
كذلك أعتاد الأقباط في هذا اليوم تناول الجزر القصب والبرتقال ؛
فالجزر مثله مثل القلقاس طريقة زراعته تتم بالطمس الكامل للنبات داخل الأرض ؛أما القصب فهو رمز للأمنيات السماوية نظرا لشموخه ووقفته منتصبا . وفي بعض بلاد الريف المصري يخرج الأطفال الصغار يعيدان القصب وفي نهايتها يضعوا صليبا من خشب ؛ثم يثبتوا علي أربعة أركان مسامير معلق بها خمسة برتقالات ؛ واحدة في الوسط ؛وبرتقالة واحدة علي كل جهة من جهات الصليب ؛ وأحيانا يضعون شمعة داخل كل برتقالة ؛ويخرجون في احتفلات شعبية جميلة داخل الريف المصري . وتعتقد الجماعة الشعبية أنه بعد عيد الغطاس تتنهي موجة البرد الشديدة ؛ ويأتي الدفء الممهد لموسم الربيع تدريجيا ؛ فيقول المثل العامي (يغطس النصراني ويطلع الدفا التحتاني ) ويقول أيضا ( يغطس النصراني ويطلع الدفا الحقاني ) . ويربط البعض بين نزول المطر وعيد الغطاس ؛وبالطبع لا يوجد أي ارتباط مباشر بين نزول المطر وعيد الغطاس ؛ ولكن في هذه الفترة يوجد ما يعرف عند الفلكيين ب"نوة عيد الغطاس " وتكون غالبا في نفس الأسبوع الذي نعيد فيه بعيد الغطاس ولذلك يتبادل الأقباط التهنئة علي رسائل الموبايل بهذه العبارة (شويه مطر وقداس وعودين قصب وحله قلقاس يبقى احلى عيد غطاس لأغلي الناس) . كما يترنم الأطفال في الكنائس ويقولون (عيد الغطاس يا عيد الغطاس يا معروف لكل الناس ) .