rt | الثلاثاء ١٩ يناير ٢٠١٦ -
٣٩:
٠٢ م +02:00 EET
الرئيس الصيني
تشي تحركات بكين الدبلوماسية بخروج التنين الصيني عن موقفه المحافظ نحو الانخراط أكثر في القضايا العالمية وصوغ سياسات توظف كلا من الاقتصاد والسياسة لخدمة أهداف الصين المحلية والدولية.
وفي جولته الأولى للعام الحالي اختار الرئيس الصيني شي جين بينغ منطقة الشرق الأوسط. واللافت أن الجولة تضم إضافة إلى مصر السعودية وإيران اللتين تعيشان فترة حالكة في تاريخ علاقاتهما وصلت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية والتلويح بأعمال عسكرية مباشرة على خلفية أحداث الحج في العام الماضي، واعدام رجل الدين نمر النمر.
التعليقات الرسمية الصينية على الجولة لم تخرج عن النمط المحافظ الذي تتبناه بكين عادة في مقارباتها. وقال تشانغ مينغ نائب وزير الخارجية الصيني إن الصين لا تنحاز لأحد، وأكد أن بلاده "تتخذ دائما موقفا متوازنا وعادلا". الدبلوماسي الصيني الكبير أشار إلى أهمية الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط للمحافظة على الهدوء في العالم وتحقيق التنمية.. وتكشف هذه التصريحات والتعليقات في المواقع الرسمية عن مقاربة الصين في التعامل مع القضايا الدولية والتي تنطلق أساسا من تقوية الروابط التجارية والاستثمارية، لكنها في الوقت ذاته تسعى إلى تعزيز وجودها السياسي للمحافظة على مصالحها الحيوية، وتعزيز تحالفاتها في مواجهة قضايا الإرهاب بخاصة مع خشيتها من تحركات الأقلية المسلمة في التبت، وحديثها عن انضمام بعض من أقلية "الإيغور" المسلمة إلى صفوف "داعش" في سوريا والعراق. وواضح أن الصين تقدم سياسة المصالح المشتركة، والتعاون في المجالات الاقتصادية بديلا عن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية التي تخوض حروبا متواصلة منذ 25 عاما بدأتها بعاصفة الصحراء، ولا يستطيع أي مراقب أن يحدد موعد نهايتها.
الكعكة الإيرانية
أغلب الظن أن موعد الجولة الحالية لا يرتبط بجهد دبلوماسي للوساطة بين السعودية وإيران إثر تدهور علاقات البلدين. ومن المرجح أن التوقيت يرتبط بتاريخ انهاء العقوبات الغربية المفروضة على إيران. ومؤكد أن الصين تسعى للمحافظة على مصالحها الاقتصادية مع إيران، والظفر بحصة من كعكة إعادة الاعمار والمشروعات الاستثمارية الضخمة التي من المنتظر أن تطلقها إيران لتطوير اقتصادها بعد سنوات الحصار والعقوبات الطويلة. وفي السنوات الماضية كانت الصين من أكبر المستفيدين من العقوبات الغربية على إيران منها الحصول على حسومات كبيرة في أسعار النفط الإيراني. كما انتهزت الصين الفرصة لرفع التبادل التجاري بين البلدين الذي نما باضطراد من نحو 500 مليون دولار في 1994 إلى قرابة 50 مليارا في 2014 أي أنه تضاعف مئة مرة في عشر سنوات لتحتل الصين مرتبة الشريك الاقتصادي الأول لإيران. وتملك الشركات الصينية حظوظا كبيرة للاستثمار في الجمهورية الإسلامية في مجال بناء السكك الحديدية، والطرق والبنية التحتية وتشييد خطوط لنقل النفط والغاز. وتهتم الصين باشراك إيران في مشروعها لإعادة احياء طريق الحرير البري والبحري فيما اصطلح على تسميته "الحزام والطريق"، ويهدف المشروع إلى بناء طريق يصل الصين بأوروبا عبر اليابسة بالمرور من بلدان آسيا الوسطى وإيران وتركيا، وطرق بحرية عبر بحر قزوين والبحر الأسود والأحمر والمتوسط، ويتضمن المشروع شق ألاف الكيلومترات من الطرق، وتأهيل عدد من الموانئ البحري، وإقامة مناطق تجارة حرة. وتعهدت الصين بتغطية معظم تكاليف هذا المشروع العملاق وأطلقت لهذه الغاية بنك الاستثمار الآسيوي برأس مال اولي يقدر بنحو 100 مليار دولار وهو ما يعادل نصف رأس مال البنك الدولي. وتطمح الصين إلى الظفر بمشروعات أكبر لشركاتها مقابل دعمها طهران في السنوات الأخيرة، وموقفها المعارض للعقوبات الغربية.
رسائل طمأنة متبادلة
وبعيدا عن الديباجات الرسمية، فإن زيارة الرياض تهدف إلى بعث رسالة لطمأنة القيادة السعودية إلى أن الانفتاح مع إيران وتقوية العلاقات معها لن يكون على حساب العلاقات مع الرياض. فالصين تستورد نحو 50 مليون طن من النفط السعودي سنويا، وترغب الرياض بالمحافظة على هذه الحصة في ثاني أكبر سوق للطاقة في العالم، وسوف تكون مسرورة لضمان حصتها هذه في ظل تراجع الاقتصاد الصيني، ودخول إيران إلى السوق المتخمة أصلا. وبداهة فإن الصين مهتمة باستمرار العلاقات الاقتصادية القوية مع السعودية فقد بلغ حجم التبادل التجاري في العام الماضي قرابة 70 مليار دولار. وتنفذ نحو 115 شركة صينية 160 مشروعا في المملكة، وهناك تعاون كبير في مجال البتروكيماويات بين شركات البلدين. وتسعى الصين إلى الحصول على مزيد من المشروعات في البنية التحتية في السعودية. ولا يقل موضوع الارهاب ومحاربة "داعش" والتطرف الدينة أهمية عن الجانب الاقتصادي، وتسعى الصين إلى مساعدة السعودية بثقلها الديني للتخفيف من امكانية تحرك الاقلية المسلمة في منطقة التبت.
ومن الطبيعي أن زيارة مصر تأتي لبعث رسائل حول محافظة الصين على علاقاتها مع أصدقائها القدامى ودعمهم اقتصاديا، وفي هذا الاطار فإن الشركات الصينية سوف تحظى بأفضلية للعمل في مشروع تفريعة قناة السويس الجديدة، ومشروعات انشاء مناطق حرة.
التنين يتمدد
ولا يمكن النظر إلى الجولة الحالية للرئيس الصيني بمعزل عن استراتيجية بكين وتحركاتها في السنوات الأخيرة. فالصين تركز على فتح أسواق جديدة لبضائعها في العالم، وزيادة حجم استثماراتها وعمل شركاتها في الخارج، وضمان أمن الطاقة لتزويد اقتصادها بحاجاته المتزايدة. ويلحظ أثر هذه العلاقة في آسيا الوسطى مع مشروعات البنية التحتية الضخمة وتشييد أنابيب النفط والغاز من تركمنستان وكازاخستان وأوزبكستان، وحتى في البلدان الافريقية الغنية بالنفط والغاز. ومما لا شك فيه أن النمو الاقتصادي الكبير للصين وتوسع خريطة استثماراتها، وتشعب علاقاتها مع مختلف البلدان في القارات الخمس تحتم بكين زيادة دورها السياسي العالمي في كثير من المناطق التي كانت حكرا في وقت سابق على الأعضاء الدائمين الأربعة الآخرين في مجلس الأمن الدولي.
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.