كتب : ماجد سوس
تمر السنون تلو السنين و تتجدد العهود و الوعود ويقف الإنسان امام الله في نهاية كل العام ليقدم حساب العام الفائت و يصرخ من أعماق القلب طالبا غفران الله و يبدأ الإنسان في وضع هدف و شعار للعام الجديد و يبدأ سقف المطالب و الوعود المقدمة لله من أعلى الى أسفل و تمر الأيام و الشهور تظهر معها في الأفق الكثير من التحديات و المعوقات التي تواجه الإنسان في بحر الحياة و تلاطمه الأمواج العاتية و يبدأ الإنسان في السباحة في جهاد دائري بين القيام و السقوط ، بين الأمل و اليأس ، الخوف و الفرح ، الفشل و النجاح في صراع بين الخير و الشر فيفتر الإنسان و يفقد حماسه الذي كان عليه في بداية العام و يهتز امام عينيه هدفه المنشود و يتوه في مشاغل الحياة .
ألا توافق معي عزيزي انها دوامة الحياة التي تأخذنا معها الى أسفل فنفقد معها طوق النجاة و بدلا من السباحة نحو الشاطيء يضيع جهدنا كله وسط تيارات العالم المدمرة لكل طاقتنا و قدراتنا.
لقد مر العام المنصرم 2015 بأحداث جسام على الصعيد السياسي الدولي و المحلي . حروب معارك ضد الإرهاب . الشر يحيط بنا من كل جانب و على الصعيد الإقتصادي ارتفاع في أسعار المواد الغذائية و ازداد الفقر في كل مكان . و في المجتمع زادات حالات الطلاق و الإنفصال و الخلافات الزوجية .
على المستوى الشخصي فقدنا أحباء لنا و أصيب اخرون بالمرض و بالطبع الأمر الأكثر صعوبة هو ان فترت محبة البعض و الخطية تحيط بنا من كل جانب و أمتلأت بيوتنا من أفكار العالم و أساليبه و دون ان نشعر بدأت تدخل حياتنا الأسرية العصبية و القلق و التوتر و النميمة و إغتياب الآخرين و بات غفراننا للآخرين امر يصعب وجودة في حياتنا و صرنا نفتخر بأننا نجرح الآخرين بمقولة شيطانية تقول " أنا أقول للأعمى انت أعمى في وشه " و صرنا بفتخر بهذا تارة نتحجج بأنني أفعل هذا لأنه ليس لي وجهان و تارة أقول أصل الصراحة أفضل حاجه.
نسينا معنى الستر و أصبحنا نطلب من الله ان يستر علينا على ألا نستر نحن على الآخرين فبدلا من ان نداري على عمى الآخرين و عيوبهم و نلتمس لهم الآعذار صرنا نشهر بهم في كل مكان و نتلذذ بجرحهم أمام الآخرين .
أنظروا كيف تعامل الرب مع المرأة التي أمسكت في فعل الزنا و كيف تحنن عليها و قال لها و لا أنا ادينك و كيف أشفق على المرأة السامرية و بكل لطف تكلم معها كيف فعل هذا مع المرأة ساطبة الطيب او مع زكى العشار الخاطيء محب المال حتى بطرس الذي أنكره و سب و لعن انه لا يعرف المسيح ، سامحه و ستر عليه بل و سلمه الرعية و قال له ارع غنمي بدلا من أن يمنعه عن الخدمة لأنه خاطي .
وانظروا كيف فعل القديس مقاريوس الكبير حينما علم بوجود إمرأة زانية في قلاية (غرفة ) أحد الرهبان فهاج الرهبان و طلبوا منه أن يأتي معهم الى غرفة الراهب ليمسكوه متلبسا بفعلته ولما اقتربوا من قلاية هذا الراهب، قال أبو مقار لأولاده الرهبان: انتظروني هنا وسأطرق الباب أولا وبعدما أدخل سأقول له إن الإخوة جايين يسلموا عليك أدعيهم يدخلوا. فوافق الرهبان على كده وانتظروا بالخارج.
وفعلًا طرق أبو مقار الباب ففتح الراهب، ولما شاف أبو مقار ارتبك، ولكن أبو مقار بكلامه اللطيف أضاع منه الارتباك. وقال له: أنا جاي علشان أسلم عليك وأطمأن على أحوالك وانتظر أبو مقار على الباب قليلا لم يدخل، فدخل الأخ القلاية بسرعة وأخفى المرأة تحت الماجور اللي كان يخبز فيه. ثم رجع الراهب إلى أبو مقار وقاله: اتفضل يا أبي، فدخل أبو مقار القلاية وشعر بروح الله أن المرأة مختبأة تحت الماجور فجلس عليه.وبدأ أبو مقار يكلم الأخ الراهب في أمور مختلفة، ثم قال له: إن الإخوة بيسلموا عليك، وبيقولوا أنهم مش بيشفوك في الكنيسة من أسابيع، فجايين يسلموا عليك، وهم واقفين بالخارج، فقل لهم يدخلوا فلما دخلوا كانوا بينظرون في كل ناحية من القلاية ثم انتشروا في القلاية فلم يجدوا شيئاً لأن أبومقار كان يجلس فوق الماجور.
وبعدما انصرفوا أستأذن أبو مقار من الراهب ومشي وخرج الراهب معه ليودعه. فقال أبو مقار للراهب: "يا أخي احكم على نفسك قبل أن يُحكم عليك "وفي الطريق سمع أبو مقار صوت من السماء يقول له: "طوباك يا مقار لأنك صرت متشبهًا بخالقك تستر العيوب مثله".
ما رأيكم يا أحبائي أن يكون عام 2016 سنة هو عام للستر حتى يستر الله علينا عيوبنا و أخطاءنا الكثيرة فإن قال لك شخصا ،عيبا في أخيك قل له ربما لا يقصد و ان أصر قل له انا في داخلي من العيوب ما يفوق عيوب أخي و لكن الله ساتر علي .
كلما وجدت نفسك في كجال إدانة قل مع الرب يسوع المسيح ، أنا لم آت لأدين العالم . كان القديس الأنبا أشعياء يقول لأولاده " إن سمعت أخاً يدين آخر فلا تستح منه أو توافقه لئلا يغضب الله بل قل باتضاع : اغفر لي يا أخي ، فإني إنسان شقي وهذه الأمور التي تذكرها انا منغمس فيها ، ولااحتمل ذكرها ". و قال الأنبا اشعياء أيضاً " لا تقبل أن تسمع عن خطايا أخيك أو أن تلومه ".
قيل إن راهباً كان مقصراً في عبادته ومتهاوناً فلما جاءته ساعة الوفاة ، اجتمع الرهبان حوله ، لكي يروا كيف سيقابل الموت فوجدوه فرحاً !! فقال له أحد الشيوخ " تشدد أيها الأخ باسم المسيح وقل لنا ما الذي يفرحك ؟" فأجابه ذلك الأخ : إنني رأيت أناساً مقبلين لأخذ نفسي ، ورأيت صك خطاياي . وقالوا لي " هذه خطاياك " . فقلت" خطاياي أنا أعرفها ولا أنكرها ولكنني منذ ترهبنت ، وانا لم أدن إنساناً . وأريد أن تنفذ في الآية التي تقول " لا تدينوا لكي لا تدانوا " . فكيف أدان وأنا لم أدن احداً ؟! . ولما قلت هذا تمزق صك خطاياي.
عزيزي ليكن العام الجديد هو عام الستر ن نستر على الآخرين فيستر الله علينا و كل عام و انت بخير و سعادة.