الأقباط متحدون - التأسيس لدولة المواطنة
أخر تحديث ١٧:٤٧ | الاربعاء ١٣ يناير ٢٠١٦ | ٤ طوبة ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٠٦ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

التأسيس لدولة المواطنة

 عماد جاد
عماد جاد

 بزيارته الثانية إلى الكاتدرائية المرقسية لتهنئة الأقباط بعيد الميلاد المجيد، وللعام الثانى على التوالى، يضع الرئيس عبدالفتاح السياسى لبنة أولى على طريق تأسيس دولة المواطنة، وذلك بالزيارة وما أدلى به الرئيس من كلمات تمثل نقلة نوعية فى التعاطى المباشر مع قضية حيوية أجَّلت الدولة المصرية معالجتها، بل ساهمت عبر سياساتها وتصرفات مسؤوليها فى تعقيد القضية وتضخيمها، بل تلغيمها. فقد تجنبت الدولة المصرية التعاطى الإيجابى مع هذه القضية منذ حركة الجيش عام 1952 والتى حوَّلها الشعب بالتفافه حولها إلى ثورة. فقد ألقت الخلفية العضوية والصلات التنظيمية لعدد من أعضاء مجلس قيادة الثورة بجماعة الإخوان، وتداعيات سياسات التأميم، بظلالها على رؤية قطاعات من الأقباط لما يحمله الضباط الأحرار من رؤى.

وفى الوقت الذى تبنى فيه عبدالناصر سياسات بناء المواطنة فى المجال الاجتماعى، فإنه أحجم عن ذلك تماماً فى المجالين السياسى والدينى. فمنذ قيام الثورة تعاملت مؤسسات نظام يوليو مع شؤون المصريين من غير المسلمين باعتبارها ملفات أمنية، وإذا كان للنظام قدر من العذر فى التعامل مع اليهود المصريين، إلا أن تجاوزات كبرى وقعت بحق مواطنين مصريين يهود، كما لم يكن هناك أى مبرر لتطبيق نفس النهج مع المصريين الأقباط. ويكشف تعاطى عبدالناصر مع قضية بناء الكاتدرائية المرقسية بالعباسية عن نهج فكرى سلبى تجاه بناء المواطنة السياسية والدينية، الأمر الذى نعتبره وضع أساس سياسات التمييز الدينى والمسؤول الأول عن بروز وتضخم سياسات التمييز الدينى فى البلاد.

فقد وافق عبدالناصر على تحمل الدولة تكاليف بناء الكاتدرائية، على ألا يعلن عن ذلك، وأن يتم توزيع تكاليف البناء على المشروعات التى تقوم بها شركات القطاع العام لمصلحة مؤسسات الدولة. أى أن عبدالناصر أحجم عن الإعلان عن تحمل الدولة تكاليف بناء الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، حتى لا يثير حفيظة جماعة الإخوان وتيار التشدد فى المجتمع..

وفى تقديرى أن عبدالناصر بما كان له من صلاحيات وما كان يتمتع به من سمات القيادة الكاريزمية، كان بمقدوره أن يعلن عن بناء الكاتدرائية على نفقة الدولة المصرية، وأن يزيل قوانين موروثة من زمن الخلافة العثمانية تجعل من بناء الكنائس قضية فى غاية التعقيد وتضع سلطة إصلاح وترميم الكنائس بيد رئيس الجمهورية. أحجم عبدالناصر عن وضع اللبنات الأولى لدولة المواطنة، فورث السادات بنية هشة للغاية وفرت له مناخاً ملائماً لزرع بذور الطائفية والتمييز الدينى فى البلاد، والذى سقطت ثماره المرة فوق رؤوس الجميع فى نهاية سبعينيات القرن الماضى، وراح السادات ضحية لما زرعت يداه من بذور الطائفية والتعصب والتطرف، فقُتل على يد الجماعة التى أشرف على عملية تشكيلها، فى بداية العقد السابع من القرن الماضى. جاء مبارك من بعده وتولى رعاية ما زرع السادات، فاكتملت فى عهده سيطرة جماعة الإخوان والتيارات المتشددة على مناهج التعليم، وزحفوا على باقى أدوات التنشئة من إعلام ودور عبادة، وبعد ثلاثة عقود من حكم مبارك، بات المجتمع المصرى أكثر تشددا وانغلاقا، وجاءت ثورة الخامس والعشرين من يناير- ومن بعدها «الثلاثين من يونيو»- لتُرسى أساسا جديدا لتعامل المصريين مع قضية الدين، وتجعل المجتمع مهيأ لقبول أفكار المواطنة وأقل ممانعة لقبول مبدأ المساواة بين المصريين بغض النظر عن الموروث من عناصر الانقسام الأولى، ومنها الدين والعرق و«الجندر».

 
فى هذا السياق، جاء الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى بدا أنه يؤمن بقيم المواطنة والتنوع والتعدد والاختلاف، بل وداعيا إلى تطوير الخطاب الدينى وتحديثه والبحث عن المشتركات بين الأديان لا ما يفرق بينها. وفى هذا السياق أيضا، جاءت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى للكاتدرائية، فى ليلة عيد الميلاد السادس من يناير 2015، وتعامل معها غالبية المحللين باعتبارها زيارة مجاملة أولى وأخيرة غير قابلة للتكرار. ولكن فاجأ الرئيس عبدالفتاح السيسى الجميع بتكرار الزيارة فى المناسبة ذاتها العام الحالى، ومن ثَمَّ فالأمر بدأ يأخذ شكل العادة. الأهم من ذلك هو ما ورد على لسان الرئيس خلال الزيارة، والذى ملخصه- فى كلمات واضحة الدلالة على إيمان الرئيس بقيمة المواطنة والمساواة بين جميع المصريين بغض النظر عن عوامل الانقسام والاختلاف- دعوته الواضحة لقبول التنوع والتعدد، بل واعتباره نوعا من الثراء.
 
أيضا قدم الرئيس للمصريين الأقباط اعتذارا واضحا عما تعرضوا له من اعتداءات فى السنوات الماضية، وأخيرا، وهو الأهم، تعهد الرئيس بقيام الدولة بإعادة بناء الكنائس والأديرة التى جرى تدميرها وحرقها على يد الإخوان والجماعات المتطرفة بعد فض اعتصامى رابعة والنهضة، وأن يتم الانتهاء من ذلك خلال العام الحالى، وهو ما يعنى أن الرئيس امتلك شجاعة لم تتوفر لغيره منذ حركة الجيش عام 1952، وأن الرئيس وضع بذلك أولى بذور بناء دولة المواطنة فى مصر، وهو ما نأمل أن يتواصل فى الفترة القادمة، وأن يصل إلى المستويات الأدنى وإلى باقى أجهزة ومؤسسات الدولة المصرية، وأولى الخطوات هى إنهاء التعامل مع المواطنين المصريين الأقباط باعتبارهم ملفا أمنيا يديره أمن الدولة «الأمن الوطنى حاليا».
نقلا عن المصرى اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع