بقلم يوسف سيدهم
قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها-(568)
اليوم يوم مشهود في تاريخ مصر حيث يستهل مجلس النواب انعقاده بناء علي دعوة رئيس الجمهورية وبذلك تبدأ وقائع دورة برلمانية فارقة في تاريخ مصر النيابي.اليوم تشخص أبصار المصريين علي قاعة مجلس النواب ليتابعوا وقائع الجلسة التاريخية لافتتاح البرلمان المصري في أول تشكيل له بعد ثورة30يونية 2013…إنه بحق ميلاد جديد لمصر الديمقراطية جاء بعد مخاض طويل ومعاناة مضنية بل لا أبالغ لو أسجل أنه أيضا جاء بعد فترة عقم امتدت زهاء ستة عقود…عقم الدساتير ووأد الحياة النيابية واغتصاب الديمقراطية من جانب أنظمة حكم غاشمة متسلطة امتلكت السطوة والجرأة لتقول للمصريين:تأجيل الديمقراطية لصالح عدم تعويق العمل الوطني فكانت النتيجة تأجيل الديمقراطية واغتيال الوطن!!!…ثم ثار المصريون في 25يناير2011 وانفجر غضبهم عندما أيقنوا أن تأجيل الديمقراطية واغتيال الوطن لم يكونا كافيين بل تم تسخيرهما لخدمة سنياريو معد سرا لتوريث السلطة وتحويل مصر إلي جمهورية وراثية -أو ملكية مقنعة-لكن ما أن اعتقد المصريون أنهم نجحوا في إيقاف ذلك السيناريو الشرير وتغيير واقعهم البائس فوجئوا باختطاف ثورتهم لحساب جماعة الإخوان المسلمين ودخلوا في نفق مظلم كئيب شهدوا خلاله أبشع الممارسات القمعية وأسوأ الانتخابات وواحدا من أكثر البرلمانات الكارثية التي حكمت مصر واستحق أن يطلق عليهمدرسة المشاغبينحيث تم العصف بكل التقاليد البرلمانية والديمقراطية وبلغ الانهيار مداه عندما وقف أحد النواب الملتحين-والمصيبة أنه ذو خلفية قانونية-ليقول:ما حاجتنا إلي الشرعية الدستورية؟…إننا الآن يجب أن نلجأ إلي الشرعية الثورية!!!…في إشارة منحطة إلي نية إزاحة الدستور جانبا وتطبيق مبدأالغاية تبرر الوسيلة!!!
أرجو المعذرة إذا كنت أتجرع ذلك الهوان وتلك المهازل التي وصفتها بالعقم والوأد ثم الاختطاف والمخاض والمعاناة قبل الميلاد الجديد الذي نعايشه اليوم…وذلك لئلا ننسي وحتي نقدر الحصيلة العظيمة التي نستهل بها حياتنا البرلمانية والمسئولية التاريخية الواقعة علي عاتق كل نائب ونائبة يجلسون اليوم تحت القبة ليمثلوا جموع الشعب المصري في تحقيق آماله وإدراك طموحاته في بناء مصر الجديدة الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة…إنها مسئولية جد مخيفة لأن الاستهانة بها أو الإخفاق فيها هو خيانة عظمي ترتكب في حق هذا الشعب الطيب الأصيل.
وعندما أقول يجب أن نقدر الحصيلة العظيمة التي نستهل بها حياتنا البرلمانية أقصد أن هذا البرلمان-أو أول مجلس نواب بعد ثورة30يونية-يمارس سلطاته التشريعية والرقابية المستمدة من دستور يعد بحق أعظم دستور مصري عبر تاريخ مصر الدستوري…دستور يرسخ مبادئ المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات ويضمن الحريات ويصهر المصريين جميعا في بوتقة الوطن المظلة الواحدة التي تحتويهم علي كافة أشكالهم وأنواعهم وتباينهم واختلافاتهم.
كما أنه مجلس نواب غير مسبوق في تكوينه المتوازن الذي يعبر عن سائر أطياف وفئات المصريين:رجالهم ونساءهم,مسلميهم ومسيحييهم,كبارهم وشبابهم,فئاتهم وعمالهم وفلاحيهم,أصحاءهم ,ومعاقيهم,مواطنيهم ومغتربيهم…هكذا يجلس تحت القبة نسيج متوازن غير مسبوق في تنوعه معبر عن مصر كلها ويرمز إلي حرص مصر علي أن تضم تحت جناحها كل أبنائها وبناتها…ولا يفوتني وأنا أسجل ذلك أن أكرر ماسبق وكتبته:لاترسل مصر هذا التنوع إلي البرلمان ليكون ساحة صراع واقتتال طائفي بين أبنائها,ولا لأن يتحمل كل فصيل فيهم مسئولية الذود عمن ينتمي إليهم وعبء انتزاع حقوقهم من براثن الآخرين…لا وألف لا…إن الكرامة الوطنية تقضي بأن يمثل المصريين هذا التنوع الثري لكن يجب أن ينتفض الكل لتفعيل الدستور والمطالبة بحقوق الآخرين ترسيخا لمفاهيم المواطنة والمساواة.
إن مجلس النواب يستهل أعماله وسط أجواء يسيطر عليها كثير من الارتياح والأمل,وتصاحبه دعوات المصريين بالتوفيق في إرساء أسس حياة برلمانية وتقاليد ديمقراطية محترمة راقية طالماافتقدناها…فهل يكون هذا المجلس باكورة علامات إحياء مصر الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة؟…إنها مسئولية مخيفة.
نقلا عن وطنى