بقلم المحامي نوري إيشوع

تفقدَ بابا نويل هداياه وجمع حاجياته وقرر على حين غرة، التوجه إلى بلدِ منه أشرقت الشمس ومن خلاله سطعَ نور المعرفة وعلى ترابه كتبتْ صفحات التاريخ،  بعد أن سمع بالويلات التي يتعرض له أطفاله من قتلٍ وإستغلالِ وهلعِ و أضطهاد. أطلقَ العنانَ لعربتهِ وهو متشوق إلى لقاءِ هولاء البراعم الغضة لعل وعسى يرسم على شفاههم بسمة أمل حرموا منها لسنواتٍ خلتْ.
 
وصل إلى محطته المنشودة، حمل أكياس هداياه وعندما وصل إلى أبواب أول مدينة، إنتابه شعوراً من الهلع والحزن الشديدين، ركام هنا ودمار هناك، بركاً من الدماء، أشلاء، أطفالاً يفرشون الأرصفة وصبية متخفية وراء جدران مهدمة وهي ترتجف من شدة الخوف بعد أن فقدت أهلها ووالديها وأخوتها وسلبوها أغلى ما عندها، رأى من بعيد، أماً ثكلى واقفة أمام منزلها المدمر وهي صامدة كالنصبِ التذكاري دون أن تعر إي إهتمام للقادم بعد أن قتلوا وحيدها وفلذة كبدها.
 
شقَ بابا نويل طريقه بصعوبة في الشوارع المغلقة نتيجة الجثث التي فاحت رائحتها وبدأ يتفقدها الواحدة تلو الأخرة عله وعسى يجد طفلا يتنفس أو طفلة تنطق ولكن لا حياة لمن تنادي، قصد أن يمر أمام ركام الأبنية السكنية، المستشفيات، المدارس، لم يجد  إلا ألعاباً مهترئة، أحذية صغيرة ملقاة على الأرصفة. لكنه لم يعثر على طفلاً واحداً يقدم له إحدى الهدايا التي كان يحملها.
 
جلس على قارعةِ أحد الأرصفة وبدأ يبكي كالأطفال بعد أن تأكد من إستحالة تحقيق أمنيته، بكى على أطفالٍ كانوا يزينون الوطن، أجهش بالبكاء على وطنٍ مدمر كان القبلة الأولى للسلام والتعايش السلمي، بدأ يبكي على عذارى، أطهار هٌتكت أعراضهن بعد أن غزاهن أبناء إبليس إله هذا الدهر.
قرر العودة  بعد إن زادت أحماله، هداياه وكآبته وحزنه وحلق عاليا دون أن ينظر وراءئه  وفي اللحظة الأخيرة قرر إلقاء حمولته فوق البحار والمحيطات متمنيا أن يجدها أطفالاً رماهم البحر على الشاطئ.   
 
دوّن كلماته الأخيرة مختصرا فيها رحلته الحزينة قائلاً فيها:
في بلادٍ بعيدة، بعدُ الحضارة والأبجدية، بلاداً جذورها مغروسة في عمقِ التأريخ، غزاها الشر والأشرار، أفترس عذاراها أحفاد الإله المخادع الجبار، أرهب أطفالها الذئاب القادمة من بين القبور المخيفة بعد أن رضعوا من ثديي الأفعى الأقرع، القاتل النحار. لكن رغم إنف القاتل سوف تنبت براعمها من جديد وسوف يبنون وطناً يعانق الشمس ويكون منارةً ودرباً لكل العائدين.