بقلم : خالد منتصر | الثلاثاء ٥ يناير ٢٠١٦ -
١٧:
٠٩ م +03:00 EEST
خالد منتصر
تعريف مرض «الاستظرافيزم» فى الإنسكلوبيديا الطبية هو أن يظن الشخص فى نفسه خفة الدم والقدرة على الكتابة الساخرة ويقرر «إذ فجأة» أن يتحول من معلم وخوجة وقور وكبّارة إلى مجرد زمارة شكوكو!! ويا ليت الكائن المستظرف يحمل ذرة من ظرف ولطف شكوكو، إنما للأسف لا يدرى هذا المستظرف طبقاً للتعريف أن نكاته لزجة وسمجة وفكاهته ثقيلة الظل، والمصيبة أنه كلما استظرف أكثر كلما شفط أوكسجين البهجة من مجرة درب التبانة كلها!! والعذاب كل العذاب فى أن يلقى بك القدر فى مواجهة هذا الشخص الاستظرافى المهزار!!
كانت هذه مقدمة نُهديها إلى كل محدَثى الظرافة قبل الدخول فى موضوعنا حتى يتأنى كل من تسول له نفسه اقتراف جريمة الكتابة الساخرة ويُجرى تحليلاً لقياس نسبة بلازما الغلاسة فى دمه. المهم أرسل أستاذ العقيدة والفلسفة المبجل د. عبدالمنعم فؤاد رداً على مقال كنت قد نشرته تعليقاً على أن الأزهر يراجع 40 كتاباً شيعياً، وأن د. عبدالمنعم صرّح تصريحاً نارياً جباراً وأطلق نفير الجهاد مطالباً بإعلان حالة الطوارئ الفكرية قائلاً: «إن المد الشيعى بدأ يجوب القرى والنجوع وقد وصل أسوان والدقهلية والجيزة والأقصر.. ولا بد من الآن إعلان حالة طوارئ فكرية»! بالطبع أصابنى الفزع وصرخت: يا ساتر يا رب!! وتخيلت بعد قراءة هذا الكلام أن الخمينى مقبل على حصانه الأبيض رافعاً سيف ذى الفقار ومعه جحافل الشيعة لتنقضّ على الأخضر واليابس كالجراد. تحسست رأسى ونظرت بتوجس وشكٍّ إلى بوّاب العمارة الذى لاحظت عليه أعراض حمى شيعية أكدتها لى صورة السونار المكتوب فيها التهاب فى «الاثنا عشر». الآن أيقنت أن هذا الخائن العميل الرافضى شيعى بالثلث ومن طائفة «الاثنا عشرية» المارقة الخارقة الحارقة!! وكانت كل جريمتى التى غضب بسببها د. عبدالمنعم أننى قلت: عجبت لك يا أزهر يا من كنت نبعاً للوسطية فى عالمنا الإسلامى المتناحر، تعلن حالة طوارئ فكرية لحماية مصر من الشيعة الذين لا يتجاوز عددهم فى مصر سكان عزبة نائية أو شارع مهجور أو حارة مزنوقة (مع الاعتذار للرئيس المعزول)!! وتساءلت: هل لمثل هذه المهام الفكرية تُجيّش الجيوش يا فضيلة الإمام؟! كان رد الشيخ الدكتور المحترم تلميذ شيخ الأزهر وحامل لواء نفس التخصص أنه عايرنى بكونى دكتور جلدية وبدأ فى التلقيح بأننى دكتور هرش وقراع وأعانى فراغاً فى العيادة ولذلك لجأت إلى الكتابة!! ولا أعرف ما دخل الهرش فى مضمون ما قلته؟! وهل مارست أنا الردح وقلت له فى مقالى يا فقيه الحيض والنفاس وربط الإحليل مثلاً لكى تكون مناقشتنا على هذا المستوى فيرد علىّ يا بتاع الهرش والقراع؟!! هل هذا هو المستوى الذى وصل إليه أستاذ فى الأزهر وكمان بيدرّس العقيدة والفلسفة!! لذلك تيقنت وتأكدت أننا بمثل هؤلاء وبمثل هذا المستوى من الحوار المتدنى لن نصل إلى تجديد أى خطاب دينى أو حتى إنسانى من خلال هذه المؤسسة. وقبل أن أخوض فى تفنيد الرد المتهافت الضعيف لأستاذ العقيدة والذى لم يكن يستحق أصلاً إلا الإهمال، ولكن أحياناً يفرض عليك شرح البديهيات لمقاومة التغييب وتزييف الوعى الذى يمارسه أصحاب صكوك الغفران، قبلها أهمس فى أذن الأستاذ، وللأسف «هو اللى جابه لنفسه»: لا تظلم تخصص الجلدية فقد نسيت إلى جانب الهرش والقراع تدليك البروستاتا والتى أظن أنها غدة تشغل الداعشيين كثيراً وأرجو أن تضيفوها إلى المنهج تحت اسم «فقه البروستاتا»!! السؤال الذى لا بد أن يرد عليه هو: هل إعلان حالة الطوارئ ضد الشيعة من أولويات المصريين أم هو من فرمانات الوهابيين؟! هل حالة الطوارئ تلك التى أعلنها الفارس المغوار د. عبدالمنعم قائد الفيلق وخاقان البحرين هى امتداد لفضيلة وسنّة استئذان الوهابى قبل مقابلة الإيرانى طبقاً للوثيقة الشهيرة؟ يا دكتور عبدالمنعم، حكمنا الفاطميون دهراً ولم تتشيع مصر فما بالك تفزع وترتعش وتعلن حالة الطوارئ الآن؟ واتهامى بأنى شيعى والذى كتبته فى مقالك بمنطق المخبر الذى يمسك بجرنال مخروم يراقب منه المتهمين اتهام جاهز معلّب يدل على ضعف الحجة وفقدان المنطق، فهل معنى أننى أدافع عن حق الشيعى فى اعتناق فكره والتعبد بمذهبه أننى قد أصبحت من الشيعة؟ وهل أستاذ أستاذ أساتذتك وهو الشيخ شلتوت رحمه الله والذى كان نموذجاً للسماحة وسعة الصدر وعفاف اللسان عندما اعترف بالمذهب الشيعى كان قد خلع عباءة السنة وارتدى عمامة الشيعة؟ ألم تقرأ حضرتك فتواه التى قال فيها: «مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثنا عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنة، فينبغى للمسلمين أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة، فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعة لمذهب أو مقصورة على مذهب»، هل زمن الشيخ شلتوت ومحمد عبده والصعيدى قد ولّى وبدأنا زمن التكفير والغلظة والجلافة والقسوة؟ أتمنى أن يخيب ظنى أو يعود أو يستنسخ هؤلاء، أما الغريب والعجيب فهو قوله «إننا لا نكفّر أحداً ولم نكن نحن السبب فى قتل فرج فودة أو سجن إسلام بحيرى»، أيها الخجل أين حمرتك؟! أذكّرك يا شيخنا العزيز وأنعش ذاكرتك بأن ندوة علماء الأزهر أو جبهته وهى التى كفّرت فرج فودة ببيانها الشهير كان الأزهريون عمادها الأساسى، وأعتقد أن د. عبدالغفار عزيز الذى فرّ إلى الكويت بعد الاغتيال هو خريج الأزهر وليس الليسيه، ونائبه محمود مزروعة الذى قال أمام المحكمة «فرج فودة مرتد بإجماع المسلمين ولا يحتاج الأمر إلى هيئة تحكم بارتداده، وهو مستوجب القتل» لم يتخرج فى الجامعة الأمريكية!! وكما أن بيان جبهة علماء الأزهر هو الذى قتل فرج فودة، وكما أن الأزهرى حامل الدكتوراه عمر عبدالرحمن هو الذى أفتى بقتل نجيب محفوظ، كان بيان مجمع البحوث الأزهرى قلباً وقالباً والذى أرسل إلى المحكمة هو الذى قاد إسلام بحيرى إلى السجن. البيان يقول عن إسلام «ما بدر من قبَل إسلام يمثل مساساً للعقيدة الإسلامية وهدماً للدين الإسلامى من أساسه، بداية من كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، واجتماع علماء أئمة الإسلام».!! وإذا كان ردكم «إحنا مالنا بهؤلاء التكفيريين»، فما رأيكم دام فضلكم فى رئيس تحرير مجلة الأزهر السابق الناطقة بلسان الأزهر والذى كان قد اختاره الأمام الأكبر وأصر على بقائه رغم كل النداءات والشكاوى؟ هل تعرف يا أستاذ العقيدة أن تلك المجلة أصدرت كتاباً هدية مجانية مكتوباً فيه أن المسيحية ديانة فاشلة، وعلينا أن نبحث فى جذور فشلها؟!! وكانت هناك هدية مجانية أخرى هى كتاب «الشفا بتعريف حقوق المصطفى»، والحمد لله هو لم يكفّر فقط إلا هؤلاء ممن استطعت التقاطهم «المتصوفة والمعتزلة والشيعة والفلاسفة والذميون، والمسيحيون، ومَن يذهب إلى كنائسهم، والمعرى والمتنبى وأبونواس، ومَن قال إن الرسول مات ولم يكن ملتحياً.. إلخ»، كل هؤلاء يستحقون القتل، يعنى تقريباً أى فرد غير المؤلف مستباحٌ دمُه!»، ما هذا التسامح الذى ينساب ويقطر من هداياكم المجانية والذى جعل القتل مجانياً أيضاً؟!
أما سؤالك: لماذا أقحمت الرئيس السيسى؟ فسأرد عليه بسؤال مهم وهو: ماذا لو كان الرئيس مواطناً عادياً أو تلميذاً عند حضرتك وقال «مش معقول احنا بس اللى ندخل الجنة، مش معقول مليار ونصف بس والباقى حيدخل النار»!!، بالطبع كان سيكون مصير هذا المواطن أو التلميذ الرفت والجرجرة فى المحاكم وتكفيره واتهامه بالردة!! لكن لأن قائله هو الرئيس ابتلعت حضرتك ومعك كبار الأزهريين العبارة وكان الخرس سيد الموقف. رجاء بسيط لحضرتك، ممكن تعتبرنى أنا الذى قلت هذه العبارة وحاول أن تتداول مع من أملى عليك هذا المقال ماذا أنتم فاعلون بالعبد الفقير إلى الله طبيب الهرش الغلبان؟!
أطمئنك يا دكتور عبدالمنعم، فالشباب لم يتحول إلى الشيعة، ولكن كثيراً من هؤلاء الشباب، بسبب مناهجكم وأسلوبكم وإصراركم على تحنيط الفقه ودعشنة التفكير، صار ملحداً!! يا أستاذ العقيدة المحترم، أكثر الأشياء إيلاماً للنفس أن يكون الرجل «عبده مشتاق» للمنصب يُذل كبرياءه من أجله ويصبح دمية أو عروسة ماريونيت تحركها خيوط مصنوعة من الريالات فيفقد هيبته، وأن يتخيل أن حصنه التراثى من المسكوت عنه ما زال سراً مقدساً، «كل شىء انكشفن وبان» على رأى عمنا «مدبولى»، بضغطة زر على كيبورد تنفتح مغارة الأحاديث والتفسيرات التى كانت تحتاج إلى جهد البحث عن سطر منها فى عشرين مجلداً. حتماً سيأتى النور، وحتماً سيكتشف سكان الكهف المستندون إلى الجدار الثغرة التى ينفذ منها شعاع الشمس والتى يغطونها بأجسادهم، وعندما يخرجون من الكهف ويكتشفون الوهم سيشنقون آخر مستغل مصاص للدماء بأمعاء آخر دجال من أتباع راسبوتين!!
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع