مركز الخطوط يرصد تطور الكتابة في مصر في كتاب "رحلة الكتابة في مصر"
د. خالد عزب: استخدم المسلمون منذ مطلع التاريخ الإسلامي نوعين من الخط (الكوفى والنسخ)
د. يوحنا نسيم : اللغة القبطية هي اللغة المصرية القديمة في تطورها الأخير
كتب: عماد توماس- خاص الأقباط متحدون
صدر عن مركز الخطوط بمكتبة الإسكندرية النسخة العربية من كتاب "رحلة الكتابة في مصر"، تحرير الدكتور خالد عزب؛ مدير مركز الخطوط بالإنابة، وأحمد منصور، رئيس وحدة اللغة المصرية القديمة بالمركز، وتقديم الدكتور اسماعيل سراج الدين؛ مدير مكتبة الإسكندرية.
محتويات الكتاب
ويضم الكتاب الذي يقع في 195 صفحة أكثر من 18 دراسة لباحثين مصريين وأجانب، في محاولة للكشف عن الكتابات المختلفة التي ظهرت على أرض مصر، ودراسة ظروف ظهورها واختفائها، وتقييم تأثيرها وتفاعلها مع المجتمع المحلي. ويبين الكتاب أن الكتابة على أرض مصر انقسمت إما إلى كتابة رئيسية وهي الكتابات المصرية، القديمة (الهيروغليفية، والهيراطيقية، والديموطيقية، والقبطية)، والكتابة اليونانية، ثم الكتابة العربية، أو كتابات الجاليات الأجنبية التي عاشت لفترة ما على أرض الكنانة.
ويضم "رحلة الكتابة في مصر" مجموعة متنوعة من الدراسات حول رحلة الكتابة في مصر، ومنها "محاولات العرب لفك رموز الخط المصري القديم في القرون الوسطى"، لعكاشة الدالي، و"اكتشاف ونشر حجر رشيد" لشيرين رمضان، و"الكتابات والنقوش المسمارية" لناصر مكاوي، و"النقوش اليونانية في مصر" لمحمود إبراهيم السعدني، و"النقوش والكتابات العبرية في مصر" لماثيو مارتن، و"النقوش المروية في مصر، لأحمد منصور، و"الكتابات السريانية والكتابات ذات الصلة في مصر"، للوكاس رومباي.
تطور الكتابات العربية في مصر
ويكشف الدكتور خالد عزب في الكتاب عن تطور الكتابات العربية في مصر، فقد استخدم المسلمون منذ مطلع التاريخ الإسلامي نوعين من الخط يمثلان الأسلوبين الرئيسيين للخط العربي، هما الخط الجاف الذي عرف بالكوفي ذا الحروف المستقيمة والزوايا القائمة والحادة، والخط اللين ومنه النسخ المرن ذي الحروف المقوسة والمستديرة، وشهد كل منهما مراحل عديدة من التطور والابتكار. ويعتبر خط الثلث من أهم الخطوط التي تميزت بها مصر وعُرف خطاطوها بإتقانه، وهو ذو مدات أو سيقان طويلة مستقيمة، وهكذا تميز في العصر المملوكي، بينما حمل العصر العثماني معه إلى مصر، بوادر مزاحمة اللغة التركية للعربية سواءً في المكاتبات الرسمية، أو في النصوص المسجلة على العمائر أو التحف التطبيقية.
الكتابة واللغة في مصر القديمة
وعن الكتابة واللغة في مصر القديمة، يبين خالد داوود أن الكتابة في المقابر استخدمت بغرض التسمية والتعريف، وبغرض تسجيل وتدوين الطقوس التعبدية الخاصة بالملك، ولقد تطور الاحتفال بذكرى هذه الطقوس إلى نوع من التعبد، وتعتبر آثار مقابر عصر الأسرات المبكر ومعابد عصر الأسرات هي الدليل الأثري الوحيد عليها، وتوحي بانطباع بأن الكتابة قد استخدمت في منشآت الوادي والدلتا بشكل أكثر ندرة في الاحتفالات الملكية.
وكانت الكتابة هي إحدى طرق إبداع وتدوين الأفكار في شكل مادي، أو بطريقة ملموسة، وقد نقل الُكتاب والموظفون بذور المعرفة إلى أبنائهم، مما سمح بتكوين وتأسيس طبقة متميزة من الموظفين المتعلمين، وكان هنالك فارق، منذ البدايات المبكرة، بين الكتابة الهيروغليفية، والكتابة المختصرة، والكتابة الخطية الهيراطيقية، التي اُستخدمت في الحياة اليومية على نطاق واسع.
وقد استخدمت الهيروغليفية في تدوين اللغة المصرية القديمة من أواخر عصر الأسرات (حوالي 3400-3200 ق.م)، وحتى القرن الرابع الميلادي، ككتابة مدونة على الآثار، وبصفة رئيسية على جدران المعابد، والمقابر، والتماثيل، واللوحات، إما منقوشة أو مرسومة على الحجر. ومن أجل تلبية أغراض الحياة اليومية، استخدم خط أكثر اختصارًا من الخط الهيروغليفي وهو الخط الهيراطيقي، الذي استعمل للكتابة اليدوية على المواد الفانية والسهلة التخلص منها مثل ورق البردي، والكسرات الخزفية، والأوستراكا، والألواح الخشبية.
المخطوطات والنقوش القبطية
وتحت عنوان "المخطوطات والنقوش القبطية"، يؤكد الدكتور يوحنا نسيم يوسف أن اللغة القبطية هي اللغة المصرية القديمة في تطورها الأخير، حيث أن القبطية كُتبت باستخدام الأبجدية اليونانية مضافًا إليها علامات إضافية من الخط الديموطيقي، ويختلف عدد هذه العلامات من لهجة إلى أخرى. وتعتبر الغالبية العظمى من مضمون المخطوطات القبطية ذات محتوى ديني، حيث احتوت هذه المخطوطات على نصوص دينية من الكتاب المقدس، وتؤرخ النصوص المبكرة بالقرن الرابع والخامس الميلاديين، ولقد جاء السواد الأعظم من المخطوطات من مصر العليا نظراً لطبيعة التربة الجافة التي استطاعت حفظ المخطوطات لفترة طويلة.
الكتابات السينائية
يتطرق محمد شريف علي إلى الكتابات السينائية أيضًا، فقد اكتسبت مجموعة النقوش والكتابات التي عثر عليها بشكل رئيسي في شبه جزيرة سيناء وعُرفت بالتالي باسم الكتابات السينائية أهميةً كبرى نظراً للدور الذي رأى الباحثون أنها يمكن أن تلعبه في رسم العلاقة بين الأبجديات القديمة ومحاولة تحديد أصل الأبجديات الأحدث، بل وبالأحرى أصل أبجديات العالم أجمع قديمها وحديثها، وذلك باعتبارها واحدةً من أقدم أبجديات العالم إن لم تكن بالفعل أقدمها على الإطلاق.
النقوش الكارية في مصر
وخصص صبحي يونس دراسته للنقوش الكارية في مصر، والكاريون هم شعب هندو- أوروبي، موطنهم الأصلي هو جنوب آسيا الصغرى التي كانت آنذاك جزءًا من العالم الهيلينستي. وقد عُثر على 70% من النقوش الكارية في العالم في مصر، وجاءت غالبية هذه النقوش متركزة في منطقة سقارة، الجبانة الرئيسية لمدينة منف، حيث تعتبر سقارة موطن استقرار الأقلية الكارية في الحي الخاص بهم، وهو حي كاريكون.
ولقد شهد العقد الأخير محاولات ناجحة لقراءة النقوش الكارية، وذلك من خلال قراءة اللوحات التي تحمل نقوشًا هيروغليفية ونقوشًا كارية، مما ساهم في التعرف على بعض القيم الصوتية للحروف. ولم يُعثر على أي من اللوحات الكارية في مكانها الأصلي، بل أن هذه اللوحات إما أن تكون قد سبق استخدامها، وإما معدة لإعادة الاستخدام. وكان هذا الاكتشاف ذا أهمية قصوى للتأريخ لتواجد الأقلية الكارية في منقطة سقارة، وكذلك لفك شفرة الكتابة واللغة الكارية.
الكتابات الآرامية
وعن الكتابات الآرامية، تشير الباحثة مارجاريثا فولمر، إلى أن النصوص الآرامية عثر عليها في مصر، وفارس، وآسيا الصغرى، وبابل، والجزيرة العربية، وفلسطين، وقد عثر على الغالبية العظمى من هذه النصوص في مصر، حيث إنها أصبحت جزءًا من الإمبراطورية الأخميدية بعد غزو قمبيز لها في عام 525 قبل الميلاد، كما أن سبب بقاء كميات كبيرة من الوثائق الآرامية في مصر يعود إلى حقيقة أن البردي يستطيع البقاء في مصر بفضل الظروف المناخية الملائمة فيها.
وقد عثر على أكثر الوثائق الآرامية أهمية وضخامة (بالأخص الخطابات، والوثائق الرسمية) في جزيرة إلفنتين، في محافظة أسوان، وفي هرموبوليس، وفي منف في منطقة سقارة. لكن تم العثور في أنحاء متفرقة من مصر على العديد من البرديات الأصغر حجمًا بالإضافة إلى كثير من النقوش، بما فيها المخربشات. ويبرهن تنوع أماكن العثور عليها بكل وضوح على انتشار استخدام الآرامية في تلك الفترة.
النقوش الأمهرية في مصر
وتبين دراسة الباحثة شيرين رمضان، الخاصة بالنقوش الأمهرية في مصر، أن الأمهرية هي اللغة الرسمية لأثيوبيا، كما أن الأبجدية الأثيوبية المقطعية مشتقة من الكتابة العربية الجنوبية الصامتة (الساكنة) التي كانت مستخدمة في الجنوب الغربي لشبه الجزيرة العربية من حوالي 1500 ق.م حتى القرن الثاني الميلادي. وقد أصبحت اللغة العربية الجنوبية السبأية هي لغة الأدب والكتابة لأثيوبيا، ولكن اللهجة الأثيوبية هي المستخدمة للتحدث، كما أن الخط السبائي قد شكل أساسيات الأثيوبية الكلاسيكية "الجعزية" الأمهرية الحديثة.
ويرجع تاريخ العلاقات الأثيوبية مع مصر ووادي النيل إلى الفراعنة، الذين بعثوا العديد من الحملات لجنوب البحر الأحمر للبحث عن الصمغ والمنتجات المحلية الأخرى، وبعد ذلك بعدة قرون، وبعد مجيء المسيحية لأثيوبيا في بداية القرن الرابع، كانت مصر القبطية هي الأرض التي منها أخذت أثيوبيا أكثر الآباء البطاركة. ومازالت الأمهرية يتم التحدث بها وكتابتها بالخط الجعزي داخل الكنيسة الأثيوبية الأرثوذكسية. وفي القرن السادس تم ترجمة وإعادة نسخ قصة حياة "تكلا هيمانوت" أشهر وأهم القديسين (سياسياً و دينياً) من اللغة الأثيوبية للعربية.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :