الضابط الذى رفض وضع القيد الحديدى فى أيدى إسلام بحيرى، واصطحبه معززاً مكرماً إلى عربة الترحيلات يتصاغر أمام تصرفه الأخلاقى كل من عمل على سجن إسلام، ضرب مثلاً فى السماحة، لم يشأ أن يهين رجلاً فكَّر واجتهد فأصاب وأخطأ.
ضابط يعرف أن «إسلام» لم يسرق ولم يزن، ولم يُفت بسفك الدماء، ولا خرج على الناس شاهراً سيفه، فطرته السليمة دلته على أن هذا الرجل صاحب فكر، وإن لم يرق هذا لمُلاك الحق الحصرى فى التفسير والتأويل، سدنة التراث، القوامين على الإيمان، من أخذوا العهد عن الغابرين.
والله ضابط بيفهم، من مدرسة العقل، أعمل عقله، ولم يرض بإهانة الرجل وهناك من سجنه عبرة لمن يعتبر، إذا اقتربتم احترقتم، هذه حياضنا، ونذود عن الحياض، ممنوع الاقتراب والتفكير، نحن من نقف على الثغور، نحن الأمناء المؤتمنون، مخلصون للأئمة السابقين، نحن الأئمة اللاحقون، وما أنتم إلا متلقون.
تصرف كاشف، تصرف حضارى، قال الضابط رأياً استبطنه كثيرون خوفاً من سطوة رجال الدين، وطمعاً فى دفء الأسرة فى شتاء زمهرير، أعجب من فرحين بسجن «إسلام»، وطفقوا متوتين مغردين على شجر الزقوم، ويل للمفكرين من يوم يقف المجتهد أمام محاكم التفتيش!
لعمرى هذا كثير؛ أن ينتفض نفر مربدون لسجن شاب اجتهد فأصاب وأخطأ، فقط لأنه لم يدرس دروسهم، ولم يفقه فقهم، ولم يرتد زيهم، إسلام يرتدى بدلة أنيقة وقميصاً مفتوحاً، لم يقلوظ العمة، ويتلو علينا دروساً فى تاريخ الأقدمين، ولم يؤصل لنبوة أبوالهول، ولم يقل بطهور الحشيش، طالما طاهر ظاهر.. لمَ كان التحريم يا مولانا؟!
حتماً ولابد كان سيسجن «إسلام»، لم يكونوا ليرضوا بأقل من ذلك، حزب رجال الدين هو أقوى حزب فى مصر، حتى حكومتنا تغتبط بوصفها سُنية، بأمارة سكسوكة رئيس الوزراء، رجال الدين هم من يحكمون الشارع من على المنبر، هؤلاء لن يجددوا ديناً، ولن يعصرنوا فقهاً، فقط سيسجنون المفكرين فى ضباب التكفير والتفسيق.
سجن «إسلام» حلقة من مسلسل طويل، ليس أوله ولا هو آخره، كل من اقترب احترق، وشىء من الخوف يغشى كل من يعمل عقله، «إسلام» رأس الذئب الطائر، هل رأيتم.. انظروا هذه عاقبة المفكرين؟ حذار، هذا حرمنا، حكرنا، إنا لمحتكرون لتفسير الدين، وأئمتنا مقدسون، واجتهاداتهم من صحيح الدين، من ذا الذى يتجرأ على إعمال العقل أو التدبر والتفكير، لدينا طرائق وعلوم، إذا اتبعتمونا غنمتم السلامة وإن خرجتم عن الطريق، حق عليكم السجن، إنما أنتم لمسجونون فى خوفكم.
حظ «إسلام» سجن لعام، كما يقولون حظ المبتدئين، على الأقل بقيت رأسه فوق جسده، اغتيل فرج فودة بدم بارد، وحاولوا اغتيال نجيب محفوظ، ونفى نصر أبوزيد حتى وافته المنية فى بلاد الصقيع، سيقضى إسلام سجناً، فرصة سنحت لإكمال المشروع وإن كرهوا.
السجن لن يمنع خلايا العقل من التفكير، إذا سجنوا «إسلام» جسداً، لن يسجنوه فكراً، «إسلام» كسر القيد على إعمال العقل فيما درجت عليه مدرسة النقل منذ قرون، قلقل ثوابتها، وزلزل عمامتها، وقال فيهم قولاً استنفر فيهم كل ما اختزونه من بغضاء للمفكرين.
هل نام الذى سجن إسلام قرير العين؟ هل أدى الأمانة؟ هل حفظ الرسالة؟ كيف استقبل سجن إسلام بحيرى؟ تهليل وتكبير، هل استملح الحكم؟ هل شد على أيدى من كتب التقرير الذى سجن به إسلام؟ هل دعا فى قلبه لمن أعز الإسلام وسجن إسلام؟
مرحى مرحى، سجنتموه، ارتحتم، إسلام بحيرى لبس البدلة الزرقاء، فلتهدأ نفوسكم، وتطمئن قلوبكم، الإسلام بخير، وعدو الإسلام خلف القضبان، وتجديد الخطاب الدينى على قدم وساق.
نقلا عن المصري اليوم