الأقباط متحدون - الانتخابات ونظرية الأصلح
أخر تحديث ٠٥:١٨ | الاربعاء ٣٠ ديسمبر ٢٠١٥ | ٢٠ كيهك١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٩٢ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

الانتخابات ونظرية الأصلح

حلمي النمنم
حلمي النمنم

أستاذ جامعى مرموق فى تخصصه، عاتبنى على تفاؤلى بالبرلمان القادم، خاصة فى تزايد نسبة أعداد الشباب به، الأستاذ الجامعى لديه اهتمام واسع بالشأن العام، لكن مع نفسه وبين أصدقائه ومحبيه فقط، أقصد أنه لا يمارس دوراً حزبياً ولا فى المؤسسات أو الجمعيات الأهلية، تساءل هذا الرجل ببراءة: ما هى خبرة شاب فى الخامسة والعشرين من عمره أو فى الثلاثين كى يكون نائباً عن الأمة ويمارس حق التشريع..؟ وما هى المعارف التى تراكمت لديه خلال هذه السن كى يكون رقيباً على أداء الحكومة..؟! تساؤلات عديدة طرحها، وأظن أن هناك تساؤلات مكتومة من هذا النوع لدى آخرين فى المجتمع، خاصة بين أساتذة الجامعة وكبار الصحفيين وغيرهم.

ولا أريد أن ندخل فى جدل المفاضلة بين الشيوخ والشباب، كتبت فى هذه الصحيفة الغراء - «المصرى اليوم» - سنة 2009 محذراً من سيطرة من أطلقت عليهم «الكهول الأوغاد» على مفاصل الدولة والمجتمع، ذلك أصاب الدولة والمجتمع بالتكلس وحالة أقرب إلى تصلب الشرايين؛ بالمثل كان من الخطأ مطالبة البعض من الشباب بعد نجاح ثورة يناير، بالإطاحة بالأجيال السابقة واستبدال الجميع بالشباب، لأننا - هنا - نكون ارتكبنا الخطأ ذاته، وبلا مبالغة الجريمة ذاتها، الشيوخ يمتلكون الخبرة بلا شك ولديهم قدر من الحكمة ولدى الشباب الخيال والمغامرة، ولا بديل للحياة عن الخيال والحلم والاندفاع نحوه من جانب والخبرة والحكمة من جانب آخر.

غير أنه فى الانتخابات عموماً، لا تسير الأمور وفق هذا التقسيم، الأستاذ الغاضب من نتائج الانتخابات يقول لى: «لم تفرز الانتخابات الأصلح ولا الأفضل»، وذكر لى عدة أسماء بينهم الشباب وغير الشباب أيضاً.

الأصلح والأفضل، حكم قيم، يخص من يطلقه فقط أو من يطلقونه، فالأصلح والأفضل عندى قد لا يكون كذلك عندك، وبغضّ النظر عن هذه الجزئية فإن الانتخابات ليس مناطاً بها أن تفرز لنا الأصلح والأفضل، دور الانتخابات أن تفرز من يريده الناخب، وهذا الناخب يختار وفقاً للصالح الذى يراه، قد يكون الصالح العام للوطن كله، وقد يكون الصالح العام له كمواطن، وربما يكون صالحه الخاص، الخاص جداً، ولا تثريب عليه فى ذلك، أما الأصلح والأفضل عموماً فهذا يحدده القضاء مثلاً أو المجامع الفقهية والعلمية والمؤسسات والهيئات التى يكون من طبيعة عملها تقييم الأفراد، فى مجال عملهم، ويمكن أن نضيف إليها الجهات والأجهزة الرقابية كالجهاز المركزى للمحاسبات وهكذا.

وقد يكتشف الناخب أن اختياره لم يكن صائباً، لكنه لن يشعر بالندم، لأنه لحظة التصويت اختار من اقتنع بأنه يعبر عنه، وأنه سوف يحقق ما يتطلع إليه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

حين فاز الرئيس الأمريكى رونالد ريجان فى انتخابات الرئاسة أول مرة، فغر العالم فاه تجاه هذا الاختيار من الناخب الأمريكى، وكان فى رأى المندهشين أن ريجان ليس هو الأصلح ولا هو الأفضل، كان الرجل طوال حياته ممثلاً مغموراً، أى أن موهبته فى مجال تخصصه جد محدودة، لذا لم يحقق نجاحاً كبيراً ولا صار نجماً مشهوراً؛ هو كذلك لم يكن شاباً، كان قد جاوز السبعين من العمر، وكانت الاختيارات فى العالم تتجه إلى من هم أقل سناً، كان نموذج الرئيس السوفيتى «بريجنيف» يحذر الكثيرين من اختيار المسنين، حيث طعن فى السن وساءت صحته مما أدى إلى تدهور ملحوظ وقتها فى الدور السوفيتى، وكانت الصين اهتزت قبلها حول ما قيل عن عصابة الأربعة الذين أحاطوا بالزعيم الصينى «ماو تس تونج»، حين كبرت سنه. وكتب بعض الفلاسفة والمتفلسفين فى أوروبا وفى مصر والعالم العربى أن فوز «رونالد ريجان» يعتبر ردة حقيقية عن سمة العصر، وهى الاتجاه نحو الشباب أو الأحدث سناً. ومع ذلك أثبتت التجربة أن ريجان كان رئيساً ناجحاً، وهو يعد لدى الأمريكيين من أفضل رؤساء الولايات المتحدة.

وحين فاز الرئيس أوباما فى الانتخابات الرئاسية نهاية سنة 2008، سعد الكثيرون وتفاءلوا بهذا الاختيار، سواء فى الولايات المتحدة أو حول العالم كله، رئيس شاب لأب أفريقى (أسود) مسلم، درس القانون ويقوم بتدريسه فى جامعة هارفرد، شاب واعد بكل المقاييس، وأطلق وعودًا براقة للإنسانية كلها، ومع ذلك لا أظن أن الرأى العام الأمريكى يراه حقق الوعد، أما حول العالم وفى منطقتنا العربية فالآراء حول أدائه معظمها سلبى، ولكن يبقى فى النهاية أنه جاء فى انتخابات حرة وفاز فى المرتين.

الأصلح والأفضل، إذن، مسألة نسبية، دور الانتخابات أن تقدم ما يريده الناخب، المهم أن تكون وسائل الاختيار متاحة أمامه، بنزاهة ودون تدخل فى إرادته واختياراته، وكذلك دون التدخل لتزوير رأيه واختياره، أما ما يسفر عنه ذلك الاختيار، هو شأن الناخب الخاص، والخاص جدًّا، لا يجوز ولا يليق أن نحاسبه على اختياره ولا أن نبكّته عليه.

أما مسألة قلة الخبرة وصغر السن، فقد سبق لنا أن جرّبنا فى البرلمان من هم فوق الثمانين وأثبتت التجربة أن خبرتهم كانت سلبية للغاية فى الممارسة البرلمانية والسياسية، خاصة فى مجالس الشعب الأخيرة، وحدثت مفاجآت مضحكة من بعضهم، تابعناها جميعاً، فى حينها، على شاشة التليفزيون الرسمى، نشاط البرلمانى لا يستند على الخبرة فقط، بل يقوم بالأساس على دراسة الموضوع والقضية التى يتناولها أو الملف الذى يدرسه، أى أنه يحتاج جهد الباحث والمحقق، قبل حكمة الشيوخ.
نقلا عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع