كمال زاخر | الاثنين ٢٨ ديسمبر ٢٠١٥ -
٣٣:
٠٩ ص +02:00 EET
كمال زاخر
كمال زاخر
فيما تحاصرنا موجات الإرهاب، تنفث سموم الكراهية وتترجمها قتلاً وتخريباً بعقل بارد وإحساس متبلد، تحت شعارات ترفع اسم «الله»، تأتى أعيادنا لتتلاقى فى مقاربة بين المولد والميلاد، حيث يؤمن المسلمون بأن «محمداً» هو الرحمة المهداة للعالمين، ويؤمن المسيحيون بأن «المسيح» هو المصالح الذى أعاد آدم وذريته إلى رتبته الأولى قبل العصيان.
لنصبح أمام مقابلة فارقة كيف تباعدنا وكيف تحولت الدعوة للرحمة على يد غول التطرف الذى جسدته جماعات معادية للحياة إلى كراهية، تنذر بفناء البشرية فى تمدد سرطانى، ونجد أنفسنا بحاجة إلى إعادة التذكير بما تحمله المناسبتان من معانٍ وقيم، ونضعها موضع الترجمة على الأرض، خاصة مع أجيالنا الجديدة على أمل خلق ذهنية متصالحة مع الإنسان بالرحمة والمصالحة.
وفى هذا السياق أتوقف أمام رسائل حملتها كلمتان ارتبطتا بالمولد والميلاد، الأولى كلمة الرئيس السيسى فى احتفالية المولد النبوى والثانية هى كلمة البابا فرنسيس فى احتفالية عيد الميلاد، وكلتاهما تضع العالم، والمؤسسات الدينية تحديداً، أمام مسئوليتهم.
يقول الرئيس «إن رسالة الإسلام التى تلقيناها من الرسول الكريم جاءت تأكيداً للصلة المباشرة بين الإنسان والخالق، وانتصاراً للحرية، حرية الإنسان، وحرية الإيمان والاعتقاد، وحرية الفكر، وتخلصه من الرق والعبودية.. إلا أن تلك الحريات لم تأتِ مطلقة؛ حتى لا تحولها نوازع النفس البشرية إلى فوضى تبيح التخريب والتدمير، وقتل النفس التى حرم الله إلا بالحق.. وجعل من قتلها بغير نفس أو فساد فى الأرض كمن قتل الناس جميعاً».
ويواصل: «وإذا كان لدينا كل هذا التراث من التعاون والتسامح فلنجعله دستور عمل وحياة، نحقق من خلاله إرادة الله الذى ارتضى أن يجمع الخلق كافة، على اختلاف أديانهم وأعراقهم، فوق أرضه وتحت سمائه، من آمن منهم ومن لم يؤمن.. فلماذا لا تتسع الصدور وتستوعب العقول التنوع والثراء فى الأديان والمذاهب والأعراق فى ربوع وطننا العربى، ولماذا يسمح البعض باستغلال هذا التنوع سلباً وبتوظيفه من قبل أطراف داخلية وخارجية للقضاء على الدولة الوطنية فى عالمنا العربى والإسلامى، إننا بحاجة إلى وقفة مصارحة مع أنفسنا لنتبين الفارق الشاسع بين حاضرنا الراهن وماضينا المجيد». وبالتزامن يقول البابا: «إن رسالة الكنيسة هى إعلان رحمة الله، القلب النابض للإنجيل، والذى من خلاله تبلغ قلب وعقل كل إنسان، فى زماننا هذا، لا بد من إعادة اقتراح موضوع الرحمة بحماسة جديدة وبعمل رعوى متجدد، وينبغى أن تعكس ذلك فى خطابها وأعمالها كى تدخل إلى قلوب الأشخاص وتحثهم على إعادة اكتشاف طريق العودة إلى الله الآب». ويواصل: «تفضل الكنيسة الآن أن تستعمل دواء الرحمة بدلاً من حمل أسلحة القساوة والتزمّت. أدانت الكنيسة الأخطاء، نعم؛ لأن هذا ما تتطلّبه المحبة والحقيقة أيضاً، أما للأشخاص فتأنيب فقط واحترام ومحبة. فبدلاً من الرؤى المُثبطة تتبنى مساعدات مُشجّعة؛ وبدل الإنذارات المؤذية انطلقت منها رسائل ثقة إلى العالم المعاصر، فقيمه لم تُحترم وحسب بل كُرِّمت أيضاً، عُضدت جهوده وطُهِّرت طموحاته وتباركت.. كما ينبغى علينا أيضاً أن نلحظ أمراً آخر. لقد توجّه هذا الغنى العقائدى فى اتجاه واحد: خدمة الإنسان، الإنسان فى كل ظرف ومرض وحاجة».
ويؤكد: «إن رحمة الله هى مسئوليته تجاهنا. هو يشعر بأنه مسئول، أى يتمنى خيرنا ويريد أن يرانا سعداء نفيض بالفرح والسكينة. وفى التناغم عينه ينبغى أن تتوجه محبة المسيحيين الرحيمة، فكما يُحب الآب هكذا يحب الأبناء أيضاً. وكما هو رحيم هكذا نحن أيضاً مدعوون لنكون رحماء مع بعضنا البعض».
فهل تجد دعوات الرحمة والمصالحة مكاناً بيننا؟
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع