د.ماجد عزت إسرائيل
يسستخدم التاريخ الشفاهي في توثيق الأحداث التاريخية الفردية والجماعية غير الموثقة أو للتأكد من صحتها من مصادر مختلفة ،و يتم ذلك من خلال إجراءَ لقاء تلفزيوني أو إذاعي(الراديو)، ولكن في بيئة أكثر بساطة وغالبا ما تستخدم المقابلات لتسجيل تلك الاصوات والحكايات والتجارب ثم تدوينها،تصنيفها وتحليلها ومن ثم تفسيرها،لأنه ـ حسب ما ذكر الدكتور عاصم الدسوقى ـ تظل رواية وليست وثيقة يعتد بها، كما تظل رواية يرويها صاحبها وتخضع لمنهج نقد النص، أي تفكيك النص وإعادته لحالته الأولى، وبالتالي لابد من دراسة الظروف التي كانت قائمة لتؤثر على هذه الرواية حتى يمكن فهم طبيعتها. ولعل أبرز ملامح "الرواية الشفهية" أن صاحبها لا يتحدث دائماً عن نفسه، وإنما يحاول النيل من الآخرين من دون أن يقيم ذاته، فالرواية الشفهية التي يذكرها صاحبها دائماً هي جزء من مذكراته الشخصية عيبها الرئيسي أن صاحبها لا يتحدث عن نفسه لكنه يتحدث عن الآخرين، ومن ثم يحاول النيل منهم من دون أن يقيم نفسه ولا يقول مثلاً إنه أخطأ أو تسرّع أو اندفع أو جانبه الصواب أو لم يكن مدركا لأبعاد أشياء كثيرة، لذا فإن حديثه ينصب دائما على الآخرين ويصورهم على أنهم لا يفهمون.
على أية حال، تعد دراسة التاريخ الشفاهى ذات أهمية كبيرة لأنه أحد المصادر الأرشيفية الهامة لأنه جزء من المنظومة العامة للحياة اليومية ،وخاصة فى ظل التقدم العلمى فى مجال التسجيلات والأحاديث المصورة والسمعية التى تدون لنا كل شىء بطبيعته وكل ذلك يسهم فى كتابة التاريخ.
والآن علينا متابعة يوميات لاجئ سورى من خلال منهج التاريخ الشفاهى:
أنا إسمى" محمد أكرم الحُمصى" وعمرى سبعتاشر سنة جيت من سورى لِهُن كلاجئ. قبل الحرب كان فيه عيشة حلوة، و كان فيه شغل للشباب، و دراسة، و طبابة و فيه كل شى بس ما كان فيه ما كان الواحد بيقدر أن يعبر عن رآيه. يعنى بظل الأزمة إللى صارت بسوريا لا عدا فيه آمان و لا عدا فيه شى مليح و صار فيه غلأ أسعار ومثل ما شفتو لا داعى لأن حد يحكى يعنى كل يوم بيروح قتلى و جرحى و ضرب و قصف وإشتباكات يعنى عِيشة ما لها آمنة، و نحن كنا ساكنين بحى ماله آمن فا إحنا إضطرينا نطلع من الحى من قـوة الإشتباكات و الضرب و القتل متجهين إلى لبنان........ هلاَ العيشة هُن حلوة!
المحاور: احلى من سوريا؟
لا يعنى ما حدا بينبسط براط بلده. يعنى ممكن يكون مبسوط و مرتاح نفسياً لكن باله ببلده. أنا بلبنان كنت مسؤل عن أهلى فإجبارى الواحد بدُه يشتغل و بدُه يطَلِع مَصارى حتى يصرف على أهله. بلبنان إشتغلت بمطعم؛ و دخلت يعنى كطباخ صغير، بلبداية كان الراتب مِليح بيكفى بعدين صارت مشاكل على أد ما كترو السوريين، صارو بيشغلوا الشباب السورى بخمس دولار وبيقلع ذاك اللى كان يعطيه راتب يعنى راح إستغلال معاشات الواحد بيقول اعطنى دولار واحد فى اليوم و شغلنى، أنا سكَنت فى غرفة صغيرة فيها حمام صغير، وفي إليها مَجلىَ، يعنى أنا كنت آعد فيها أنا و أمى و أخى وبابا و بابا بلبنان ما لقى شغل.
فى البداية احنا جالنا إتصال من الأمم المتحدة و خيرونا إن إنتو رغبانيين بالسفر ولاَ لأ فأُمى قالت أُكيه بنسافر، أنا كنت بالشغل وعندما عُدت كانت ماما بتحكى لى إننا نطلع لألمانيا أنا ما صدقت. يعنى أنا كان ببالى إنى ما معى آكل و أشرب كِيف بدى أطلع على ألمانيا و ما حدا بيطلعنى على حسابه. المحاور: هل فكرت إنك عُمرك فى حياتك لن ترى سوريا مرة أُخرى؟ ما فكرت، تفكيرى جاء إنى بدى يوم أرجع لسوريا!
المحاور: وقت هيش؟
ما باعرف لكن إن شاء الله جاى يوم برجع أنا و أهلى على سوريا، ما باعرف أهلى بيرجعوا سوريا، ما باعرف ولكن جاى يوم إن شاء الله جاى يوم برجع. ما بتظل عيلة بسوريا ما راح لها جرحى او قتلى. أنا لى تسع أصحاب خسرتهم بسوريا، قتلوا بسوريا؛ تلاتة منهم ما كنت انزل على السوبر ماركت دون أن آخذ واحد منهم، أما هيك ما انزل. حالياً أُختى بسوريا ما لها بيت تجلس بلشارع. أنا حاولت كتير أن أعمل لم شمل و أجيبه، ما طلع بيدى روحت كتير على دايرة الأجانب قدمت لها، وما وافقوا! أتمنى أن أسمع عنها شيئ مليح، ما باسمع إلا إنها مريضة،أنا هن بالى بأُختى، أنا بدى مطلب واحد بس ،بدى أختى! الآن لا عاد فيه عذاب أنا حاطت بباللى المستقبل أن ادرُس.