القدوة عظة صامتة
الفضيلة, فمن واجبك أن تعمل أيضا علي توصيل الآخرين إليها. أنت مسئول إذن أن تعمل عملا من أجل خير الناس, في نطاق الدائرة التي تحيا فيها. فإن كنت قد ذقت حلاوة الحياة في الخير.
إن كنت يا أخي قد أمكنك أن تصل إلي حياة فما أجمل أن تدعو الناس إلي هذه المذاقة. أنت لاتستطيع أن تتخلي عن مسئوليتك الروحية تجاه الآخرين, إن كنت تحبهم بالحقيقة.. عليك إذن مسئولية روحية تجاه غيرك في حدود إمكانياتك قد لاتكون من رجال الدين, ولا من قادة الفكر, ولكنك علي الرغم من ذلك تستطيع أن تجذب الناس إلي الحياة الروحية بقدوتك الصالحة أمامهم. إن القدوة هي واجب علي الكل وهي ممكنة للكل, ونافعة أكثر من الوعظ والتعليم. إن الوعظ يقدم تعليما نظريا, أما القدوة فهي تقدم المثال العملي.. والذي لايستطيع أن يعظ يمكنه أن يكون عظة. يمكنه أن يكون رسالة عملية معروفة ومقروءة من جميع الناس كل من يراه ينتفع بمنظره دون أن يتكلم.وينتفع أيضا بأسلوبه في الكلام وفي التصرف دون أن يعظ والمعروف أن الناس يستفيدون من حياة الآخرين أكثر مما يستفيدون من أقوالهم ومن ناحية أخري لايمكنهم أن يستفيدوا من عظات أحد, أن لم تكن تصرفاته روحية تسند عظاته وتتفق معه. والقدوة تنفع أيضا بالنسبة إلي الذين لايمكنك وعظهم فأنت قد تعظ أو قد تعلم من هو أصغر منك سنا, أو أقل منك مركزا أو علما ولكنك قد تحتشم من أن تعظ من هو أكبر أو أعلي منك. فهذا تنفعه قدوتك.
كذلك هناك أشخاص لايحتملون الوعظ ولايقبلونه! تمنعهم كبرياؤهم أو يمنعم اعتدادهم بأنفسهم من قبول كلمة توجيه أو نصح أو كلمة تعليم أو وعظ. وبالأكثر أيضا لا يحتملون كلمة نقد. وإن قلت لأحد منهم كلمة منفعة, قد ينظر إليك في استنكار وسخرية ويقول لك:) أنت هاتوعظني؟!( كل هذا النوع من الناس قد تنفعهم قدوتك ومثالك الطيب الذي يكلمهم قي صمت.
وبحياة القدوة يمكنك أن تصل إلي منفعة الآخرين بتقديم المثال الروحي العملي لهم.. وبسلوكك الحسن تجذب آخرين إلي محبة الله وتنفيذ وصاياه. وتكون عظـة لا واعظا. إن السيد المسيح لما غسل أرجل تلاميذه كان مثالا عمليا لهم وللعالم في التواضع والمحبة وأنت يا أخي العزيز من المفروض أن تكون حياتك وسط الناس قدوة لهم ومثالا ونموذجا موضوعا أمامهم, يرون فيه الطريق العملي لنقاوة الحياة وحياتك العملية في محبة الآخرين وفي بذلك لأجلهم, وفي تعاونك معهم وفي خدمتهم, إنما هي درس عملي تقدمه, لأن المحبة لاتكون بالكلام وباللسان, وإنما بالعمل والحق. كذلك إن عشت في سلام مع الكل وبطبيعة هادئة وديعة تحترص من أن تغضب أحدا إنما تكون بلسما في السلام وفي الهدوء دون أن تلقي تعليما في هذا الأمر.
إن أم موسي النبي التي لم تكتف بإرضاعه لبنها بالجسد, بل أرضعته أيضا الإيمان القوي الذي ثبت فيه حينما عاش في قصر فرعون وسط كل الآلهة القديمة, ولم يتأثر بها بل صار فيما بعد قائدا للإيمان.. هذه الأم أعطت للعالم درسا في واجب الأمومة وكيف تهتم بإيمان أبنائها.
** إننا لانأخذ قدوة فقط من البشر الصالحين إنما يقول سليمان الحكيم: تعلم من النملة أيها الكسلان صدقوني إنني لم أر في حياتي كلها نملة تقف بلا حركة, فهي دائمة العمل في نشاط عجيب هو درس لنا وقدوة. كذلك نأخذ درسا من حبة القمح التي نلقيها في الأرض فتظل تعمل حتي تقدم لنا ثمرا وفيرا: أولا نباتا, ثم سنبلا ثم قمحا ملآن في السنبل كل هذا الثمر من حبة واحدة.. ونفس الوضع بالنسبة إلي كل شجرة مثمرة, كم تعطي في كل موسم؟ إنها أيضا درس. بل نأخذ قدوة أيضا من الأرض التي تدور ولاتتوقف منذ آلاف السنين, منذ خلقها, وهي تدور باستمرار حول محورها وتنتج في كل دورة ليلا ونهارا.. ملايين السنين وهي لاتتوقف.
تري لو سئمت الأرض من دورانها, وتكاسلت واتكأت قليلا علي محورها لتستريح! أما كان العالم يرتبك؟! ولكن الأرض في حركتها الدائمة تعمل العمل الذي أوكله الله إليها, وتعطينا قدوة ودرسا لاننساه. كذلك الشمس هي الأخري عظة صامتة إذ تشرق علي الصالحين والطالحين وتعطي بنورها للمستحق وغير المستحق. ونورها يضئ لنا دون أن نطلب, فالشمس لا تنتظرك حتي تطلب, منها ضوءا, وكذلك القمر, بل كلاهما ينيران لك ويضيئان الطريق دون أن تطلب, إنه درس من القدوة. والشمس في قدوتها تدخل بيت الملك, وتدخل بيت الخادم, والمسكين. الكل يحتاجون إليها, والكل يتمتعون بها وهي لاتفرق بين عظيم وحقير, أو بين غني وفقير, ونورها يطهر كل مكان ولايتنجس به. هكذا أنتم يا إخوتي في معاملتكم للناس وفي قدوة الشمس لكم التي تشرف علي كل أحد بدون تمييز. أنتم جميعا ضرورة لازمة لنفع العالم. لستم لأنفسكم فقط, وإنما لخير البشرية كلها بالقدوة.
** والإنسان الصالح لايقدم قدوة أثناء حياته فقط, بل تظل قدوته قائمة ونافعة حتي بعد وفاته. هو نور يضيء عبر الأجيال, ولاتموت سيرته بموته بل تبقي قدوة للناس بل إنه إن مات يتكلم بعد بهذه القدوة.. وفي هذا المجال لست أذكر فقط بعض سير القديسين المعروفين. إنما أذكر من جهة القدوة قصة المهاتما غاندي الزعيم الهندي العظيم, الذي قدم قدوة عجيبة في الجهاد البعيد تماما عن العنف. كان غاندي البراهمي هو المثل الروحي الحي في أيامه كان إذا صام يهز البرلمان الإنجليزي. وكان في تحمله للألم والاضطهاد بدون مقاومة أو انتقام, ينال إعجاب العالم كله ويستنزل السخط علي الحكام القساة في أيامه. كونوا يا إخوتي قدوة وبهذا تنفعون غيركم دون أن تتحدثوا
نقلاً عن الاهرام
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :