" إن علاقة السعودية بالولايات المتحدة الأمريكية ليست زواجًا كاثوليكيًا بل زواج إسلامي يسمح بتعدد الزوجات وتبقى الولايات المتحدة واحدة من زوجات السعودية، فالسعودية لا تسعى للطلاق من أمريكا و لكن تبحث عن زوجات أخريات"
عبارة شهيرة أُطلقت على لسان وزير الخارجية السعودية "سعود الفيصل" عام 2005 واصفا العلاقات الأمريكية السعودية، بعدما جنحت بلاده شرقا في اتجاه الصين من أجل إبرام الاتفافيات النفطية مع شريك آخر بخلاف الولايات المتحدة.
وردت هذه العبارة موثقة في كتاب The king’s messenger ( رسول الملك ) للباحث في شؤون الشرق الأوسط "ديفيد أوتاواي"، ووردت أكثر إسهابًا في كتاب On Saudi Arabia (عن السعودية) للصحفية بجريدة وول ستريت .. "كارين اليوت هاوس"، والتي وثقت في كتابها أن وزير الخارجية السعودي أضاف أن أمريكا ستظل زوجة السعودية الأولى، أي أن الحليف الأساسي للسعودية في المنطقة - رغما عن أي تحالفات أخرى- هي أمريكا لما تلقاه السعودية من دعم عسكري وغطاء أمني من الولايات المتحدة.
وإن عدنا للبحث في التاريخ الحديث للتحالفات الاستراتيجية، سنجد أن خير من عبر عن فلسفة العلاقات الأمريكية السعودية لعقود لاحقة.. كان الرئيس الأمريكي روزفلت في فبراير 1943 حين صرح بأن العدوان على السعودية يُعد عدوانًا على الولايات المتحدة، مدركًا أهمية المخزون الاستراتيجي للنفط السعودي.
سياسة تنظيف أقدام الحليف
بدأت العلاقات السعودية الأمريكية رسميًا عام 1931، ومرت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بحالات من الفتور والقوة، غلب عليها طابع تغليب المصالح المشتركة على الخلافات العقائدية والخلافات على قيم الحداثة من أجل التعاون بين البلدين دبلوماسيًا وعسكريًا. واتضح هذا جليًا حين شجبت وزارة الخارجية السعودية الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وفي ذات الوقت سمحت للولايات المتحدة باستخدام قواعدها العسكرية، وهو ما يمكن تصنيفه حسب المثل الأمريكي Washing each other’s feet أو أن يغسل كل طرف قدم حليفه، تعبيرا عن وضع المصالح المشتركة كأولوية للطرفين.
النداء الأمريكي
حالما وردت أنباء عن تشكيل السعودية للتحالف الإسلامي العسكري، قفزت كل الاستنتاجات إلى تصريح وزير الخارجية الأمريكية جون كيري من العاصمة الصربية بلجراد في مطلع ديسمبر بشأن بناء تحالف بري عربي يزحف باتجاه سوريا، وهو في الحقيقة تجديد لنداء قديم يعود لسبتمبر حين اقترح المدير السابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية " ديفيد بتريوس" ، أن تدعم أمريكا ما أسماه القوات المعتدلة لجبهة النصرة في سوريا!! ويبدو أن أمريكا لديها إشكالية في تعريف القوى المعتدلة moderate ؛ لأن جبهة النصرة هو فرع تنظيم القاعدة في بلاد الشام!! فهل تريد أمريكا محاربة داعش الإرهابية عن طريق الاستعانة بالقاعدة ذات التوجهات الإرهابية المعتدلة!!!
كل هذه التصريحات ليست محض المصادفة، قد سبق تصريحي سبتمبر وديسمبر اجتماع في يوليو بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع وزير الدفاع الأمريكي "أشتون كارتر "؛ للتباحث في التعاون العسكري بين البلدين.
علينا وضع كل هذه التواريخ في الاعتبار لإدراك التنسيق المحكم لتحريك قوات برية، تعاون القصف الجوي على تحقيق أهدافه ضد تنظيم الدولة الإسلامية، دون أن تتحمل الولايات المتحدة تكلفة الرأي العام الباهظ للدفع بقوات أمريكية برية في العمليات العسكرية كما فعلت في أفغانستان والعراق.
واكتمالا للمشهد، حالما صرحت الخارجية السعودية عن تكوين التحالف الإسلامي السني لمحاربة الإرهاب في المنطقة، رحب وزير الدفاع الأمريكي بالخبر قبل أن تعلق الخارجية الأمريكية نفسها.
كيف تحارب السعودية الإرهاب الفكري؟
إن أكبر التساؤلات التي ستطرح نفسها بعد زعم السعودية توجيه هذا التحالف لمواجهة الإرهاب الفكري هو.. ما المقصود بالإرهاب الفكري تحديدًا لدى السعودية التي تصدر أحكام الإعدام والجلد ضد المدونين والشعراء وتعتبرهم مروجين للتطرف؟ ما المقصود بالإرهاب الفكري لدى السعودية التي أصدرت حكمًا بالإعدام ضد الشاعر أشرف فياض مؤخرًا؟ وما علاقة دعم أمريكا للسعودية في التحالف العسكري السني الناشئ وبين غض طرف الولايات المتحدة عن هذه الانتهاكات، لدرجة وصلت إلى دعمها للسعودية في رئاسة لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة؟!
تحالف طائفي
يقتضي التحالف العسكري لمحاربة الإرهاب.. عدم إقصاء الدول على أساس مذهبي، فبالرغم أن الغموض يكتنف التحالف بالنسبة للقوى المشاركة عسكريًا، إلا أنه تم إقصاء العراق وسوريا وإيران بالفعل، في دلالة واضحة أن التحالف سني المذهب، مما قد يشعل فتيل أزمة طائفية في المنطقة، ويصبح هدفه الأساسي مواجهة بين التحالف السني والمد الشيعي وهي مواجهة لها عدة أبعاد على سبيل المثال لا الحصر.
أولا: قد تستخدم السعودية هذا التحالف العسكري كدعم إضافي لحرب السنة ضد الحوثيين في اليمن وهم مدعمون من إيران (عملية عاصفة الحزم).
ثانيًا: محاولة الزج بهذا التحالف البري إلى سوريا ومن ثم تتطور الأمور إلى مواجهة بين التحالف السني وبين الجيش البعثي الموالي للأسد والمدعم من حزب الله وإيران.
ثالثا: ولأن كل فعل له رد فعل ولأن كل فريق مذهبي سيستخدم ما يتوفر له ضد الآخر، فلن تتوانى إيران حينها عن دعم الأغلبية الشيعية ضد الأقلية الحاكمة السنية في البحرين، وهو ما قد يقتضي تدخلا عسكريًا سنيًا لدعم حكومة المنامة كما فعلت السعودية في مارس 2011.
رابعًا: قد ُيستخدم التحالف السني البري في مواجهة "حركة الخلاص في الجزيرة العربية" المطالبة بحقوق الشيعة في السعودية، ويقدر تعدادهم بـ 15 بالمئة من السكان، خاصة وأن المناوشات بين الحركة وهيئة الأمر بالمعروف في السعودية تصاعدت أكثر من مرة.
كل ما سبق يصب بالتأكيد في صالح الولايات المتحدة التي تجد في إيران -الداعمة للمد الشيعي- مفاوضًا عتيدًا عنيدًا بشأن الملف النووي، وهكذا قد تتحول المنطقة إلى كرة لهب طائفية..والسؤال ما هو موقف مصر من الإعراب ؟
مصر في مفترق الطرق ...جيش مصر ليس إسلاميًا
"مصر تدافع عن الاسلام" هذا ما قاله الرئيس السيسي في صيف 2014 في خضم الأحداث الإرهابية التي ألمت بمصر.. دفاع مصر عن الإسلام عبارة كثيرًا ما ترددها الدولة في مواجهة الإرهاب، ويبدو أن على القيادة السياسية ضبط مفاهيمها وألفاظها في الفترة القادمة.
مهمة مصر ليست الدفاع عن الإسلام ولا المسيحية ولا البوذية، فالدول وجيوشها لا يدافعان عن العقائد بل تدافع الدولة عن مفهوم الوطن وحدوده وأمنه وليس عقيدة دينية بعينها، فالجيش يحارب على الأرض ولا يقود حربًا سماوية، والجيش المصري ليس جيشا دينيًا، وليس من المفترض أن يخوض حربًا إسلامية سنية حتى وإن لاقت الدعوات بالتحالف العسكري السني الترحيب داخل أروقة الأزهر كما صرح شيخ الأزهر أحمد الطيب في لقائه الأخير مع السفير السعودي بالقاهرة أحمد القطان.
مصر تواجه الإرهاب المنظم في أعتى صوره حتى وإن تم حصره في البؤر الإرهابية في سيناء، وكبح جماحه داخل المدن بشكل كبير، إلا أنه يظل خطرا داهما على الوطن والاقتصاد والحدود المصرية الجنوبية والغربية.
مصر لا تملك رفاهية خوض الحرب ضد الإرهاب دون تحالفات داعمة في المنطقة؛ ولهذا اقترحت مصر تشكيل القوى العربية المشتركة، والتي تتكون من 40 ألف جندي من قوات مدربة على التدخل السريع والتصدي للميليشيات، إلا أن الخلافات المصرية السعودية بهذا الشأن كانت وراء تأجيل توقيع برتكول القوى العربية المشتركة، لأن السعودية لا تتفق رؤيتها مع الرؤية المصرية في استخدام هذه القوة من أجل إنجاز المهام العسكرية ضد داعش – ذات التوجهات السنية - في ليبيا، والتي وجهت مصر ضربات جوية ضدها بعد ذبح 21 مواطنا مصريا مسيحيا في فبراير الماضي. فتحفظ السعودية يعزز صورة التحالف الطائفي السني الذي تريد أن تقوده السعودية، خاصة وأنها لم تحدد طبيعة القوى الإرهابية التي سيحاربها التحالف العسكري والاستخباراتي.
الخاتمة : مصر ليست زوجة للسعودية و لا ملك يمين
النعرات السياسية لن تفيد الموقف الحالي وظهر مصر مكشوفا للارهاب، فبعد التأكيد أن مصر لن تخوض حربا سنية لا بد أن نُدرك أن ثمن الإحجام التام عن المشاركة قد يكون باهظًا، فالعلاقات بين الدول تقوم على المصالح الإقليمية والدولية المتبادلة، ولكن هذا لا يعني أن تقبل مصر بدور واحدة من زوجات السعودية- كما وصف وزير الخارجية السعودي الحليف الأمريكي – وبالتأكيد مصر ليست ملك يمين لمملكة آل سعود، وعليه فإنه في حال المشاركة في أي تحالفات مستقبلية، لا بد أن يكون على طريق الشراكة في القرار لا التبعية وهو ما يجعلنا ندرك عدة أمور:
أولا: ضرورة ألا تنفرد السعودية بقرار من ينضم ومن يرحل عن التحالف وألا تنفرد بتصنيف الجماعات الارهابية، فدعوات التحالف ليست قرارات ملزمة على الأعضاء من آل سعود وإلا تحولت لحرب مرتزقة.
ثانيا: المصالح المشتركة بين مصر والسعودية لا يعني التستر والصمت على المد الوهابي السلفي ويحق لمصر مناهضة الغزو الثقافي من الجزيرة العربية دون تدخل أو رقابة من السعودية ، فمصر قد تكون عضوا في تحالف استراتيجي يضم عدة دول أخرى من أجل المصالح الأمنية المشتركة، وليست تابعًا مطيعًا للرياض.
ثالثا: خطورة مقايضة الجندي المصري بالاستثمارات التي ضختها السعودية في مصر، فالاستثمارات هدفها ربحي وليس من أجل شراء دم مصري، وعلى مصر التأكيد أن العمليات ستكون للمصلحة الأمنية المشتركة.
رابعا: أن تضع مصر أولوية القضاء على جذور الإرهاب وداعش في سيناء أولا، فكيف تشارك مصر بقوات برية في سوريا مثلا وهي لازالت تواجه الإرهاب على الأراضي السيناوية؟ ولذا فإنّ التعاون ليس قاصرًا على إنزال قوات برية، فالتعاون له أشكال مختلفة ومن أهمها التعاون الاستخباراتي الذي يمكن أن تقدمه مصر.
مصر تدافع عن حدودها وتقاوم التوغل الإرهابي على أراضيها وعلى حدودهاـ فمهمة القوات المسلحة هي حماية الوطن وليس خوض حرب للدفاع عن الإسلام السني.
عفوًا..جيش مصر ليس اسلاميًا
نقلا عن دوت مصر