لم أكن يوما مناصرا للفوضى أو التحريض على العنف.. أحترم المعارضة وأحتقر الغوغائين وأدعياء البطولات والتعريض بالجيش والشرطة.. لذلك لم أتعاطف مع إسراء الطويل التي يقولون عنها إنها مصورة صحفية بعد أن واجهت تهما بتكدير السلم العام والتحريض على العنف وقتل ضباط الجيش والشرطة والانضمام لجماعة إرهابية.
أثناء محاكمتها اشتعل الفيس بوك غضبا عليها وتعاطفا معها في آن واحد.. قالوا إنها شيطان رجيم وزعم آخرون أنها ملاك رحيم.. رددوا لا تأخذكم بها شفقة أو رحمة.. وقابلهم تيار آخر ينادي بالرأفة بأوضاعها الصحية المتأخرة وبكائها المستمر والمرض الخبيث الذي ينهش جسدها النحيل.
وانقسم جمهور السوشيال ميديا إلى فريقين.. الأول مؤيدو ثورة يناير وهؤلاء يدافعون عنها بشراسة باعتبار إسراء تجسيدا ليناير.. ومن ثم يبررون سيئاتها وخسائرها ويمجدونها باعتبارها أول ثورة حقيقية في مصر ضد الفرعون الحاكم.. الفريق الثاني مناصرو 30 يونيو يهاجمون كل من يحرض على العنف ويرونه عميلا وخائنا ويجب حرقه حيا لذا لا بد من إعدام إسراء.. وطبعا كلاهما لا يرى إلا سوءات الآخرين!
من ثم فالذين طالبوا برأسها كان لهم منطقهم ومثلهم من نادى بالعفو عنها لظروفها الصحية .. وبما أنني لست من هؤلاء أو أولئك فقد ناديت بالإفراج عنها انطلاقا من سابقة إنسانية.. فقد عفا الرئيس الأسبق مبارك عن د. أيمن نور أشد وأعنف معارضيه والذي هاجمه في شرفه وأسرته بسبب ظروفه الصحية.. وفور الإفراج عنه فوجئنا بأنه سافر إلى بروكسل ووقف أمام عدسات الصحف الأجنبية في كامل صحته مبتسما وملوحا بعلامة النصر.
إذن الإفراج الصحي حدث من قبل، والمقصود منه ألا يتحمل النظام مقتل معارض في وقت تسن فيه دول كثيرة السكاكين لذبحنا بحجة انتهاكات حقوق الإنسان.. والأهم في حالة إسراء هو ما شرحته في مقال سابق بأن الإفراج الصحي لا يمنع استكمال إجراءات المحاكمة وربما تدان في النهاية وتسجن مرة أخرى.
والحقيقة أن النظام الحاكم في مصر يستجيب بشكل ملحوظ لتحسين أوضاع حقوق الإنسان.. أوضاع السجون تتحسن.. د. الكتاتني القيادي الإخواني نقل للمستشفى بعد تدهور حالته.. وبدأ السماح بإدخال أغذية وأدوية وملابس إلى المعتقلين – في بعض السجون وليس كلها – وخففت قيود الزيارة.
الحقيقة أن هذا التحسن يرجع إلى تعليمات مشددة أعطاها الرئيس السيسي لقيادات الداخلية في لقائه بهم بأكاديمية الشرطة وعنفهم فيه بشدة على أحوال السجون والمعتقلين.. وطبعا نحن في مصر لا نتحرك إلا بتعليمات الرئيس.
الإفراج عن إسراء الطويل له جانب مضيء آخر وهو أن جمعيات حقوق الإنسان المصرية تواصل العمل بشجاعة لكشف التجاوزات، ولم تعد تخشى الوعيد ولا التهديد بأنها تتلقى أموالا ومنحا أجنبية لزعزعة الاستقرار.
فلو كان هذا صحيحا لأقدمت الحكومة علي إغلاقها .. الإفراج الصحي عن إسراء أظهر أن النظام – عكس ما يروج له الإعلاميون – يهتم بحقوق الإنسان ويسعى لتحسين سجله فيها.. الدولة أصبحت تلاحظ رد فعل الرأي العام وتسعي لتجنب غضبه أيا كان في ظل الظروف القهرية الحالية.. هناك 18 ضابطا وأمين شرطة تم الحكم عليهم أو حبسهم علي ذمة التحقيقات في قضايا التعذيب.
أيضا نقل مدير الأمن الوطني ونائبه الأمر الذي يؤكد أن الدولة بدأت تنظر بعين الشك إلى التقارير التي يرفعها هذا الجهاز السيادي.. كما بدأت تلاحظ أنه يمد بعض الإعلاميين "الأمنجية" بمعلومات تثير لغطا وحنقا في الشارع المصري، وهو ما أسفر عن اعتذار الإعلامي المثير للجدل للمخرج الذي قام بفضحه على شاشة الفضائية التي يعمل بها.
ويبقى إلا نخلط آراءنا السياسية بأحكام القضاء.. احترامها واجب سواء كانت ضد قناعاتنا أو متفقة معها.. وبالمناسبة لا بد من منع بعض القضاة عن منصات العدالة بعد أن كشفوا بأنفسهم خبيئة ذواتهم وأصبح ردهم واجبا إذا أردنا أن نهدئ التوتر والاحتقان في الفترة القادمة.. من ثم لا بد للمجلس الأعلى للقضاء أن يصدر تعميما للقضاة بعدم الإدلاء بتصريحات صحفية أو سياسية طالما أن رقاب الناس بين يديه.. الأحكام القضائية عنوان الحقيقة أما الحقيقة فعلمها عند رب العالمين.
نقلا عن دوت مصر