الاثنين ٢١ ديسمبر ٢٠١٥ -
٣٨:
٠١ م +02:00 EET
أحمد عبد التواب
أحمد عبد التواب
لا يتجاوز الخطاب الدبلوماسى والدعائى البريطانى فى أحوال كثيرة سوى الاسترضاء الإنشائى لمن يَتوجَّه لهم الخطاب. وهذا مثل حىّ منذ أيام قليلة، صاغته العقلية البريطانية الخبيرة بأمور وثقافة وناس هذا الإقليم، بعد أن قدّموا له بوقت طويل، وبعد أن زعموا أنهم فى حاجة إلى دراسة علاقة جماعة الإخوان بممارسة العنف والإرهاب وأنهم شكلوا لجنة خبراء فى السياسة والتاريخ ومجالات أخرى للقيام بهذة المهمة، وأن ديفيد كاميرون رئيس الوزراء شخصياً هو الذى كلّف هذه اللجنة بمهمتها.
وكأن بريطانيا فى حاجة إلى مزيد من المعلومات عن كل ما يتعلق بالإخوان، منذ مرحلة الاستعمار وقد ولدت الإخوان على أياديهم، ثم فى مرحلة ما بعد الاستعمار وحتى الآن، حيث تطورت العلاقة وترسخت الثقة بينهما إلى مستويات عليا عبر مراحل مختلفة وتجارب متعددة! والغريب أن المعلومات التى نُشرَت عن التقرير فى الصحف المتاحة، لم تتطرق كثيراً إلى ممارسات الإخوان هذه الأيام، وإنما ركّزت على تاريخهم، منذ النشأة على يد حسن البنا، حيث «توصل» التقرير بعد بحث وتدقيق إلى أن البنا قَبِلَ استخدام العنف لأغراض سياسية، وأن الجماعة نفَّذت فى حياته إعتداءات، بما فيها اغتيالات سياسية ومحاولات اغتيال ضد أهداف من رموز الدولة المصرية وضد مصالح بريطانية ويهودية.
ثم قفز التقرير إلى سيد قطب الذى تبنى عقيدة التكفير القائم على وصم مسلمين آخرين بالكفر والردة، ووصم دولاً حالية بأنها غير إسلامية، وأنه تبنى العنف سعياً لتأسيس مجتمع إسلامى ودولة إسلامية..إلخ إلخ وكما ترى، فهذه معلومات قديمة متوافرة بكثرة على الألسنة وفى آلاف الكتب المتداولة منذ عشرات السنين! وبعد كل هذا جاء تعليق ديفيد كاميرون الذى صاغه له مطبخ الدبلوماسية الخبير، حيث قال إن التحقيقات التى تجريها بلاده حول التطرف أظهرت علاقات غامضة للإخوان مع جماعات العنف والإرهاب! وأضاف خلاصة هادئة يقولها من يده فى الماء الفاتر: إن أى علاقة مع الإخوان أو التأثر بهم مؤشر على التطرف! هل كانت بريطانيا العظمى فى حاجة إلى تقرير جديد تقوم به لجنة من خبراء تحت رئاسة دبلوماسى بريطانى عتيد درس ثقافة المنطقة وخدم فى بلادها لسنوات طويلة؟ ثم يتوصل كل هؤلاء بكل خبراتهم وعلمهم وما وفرته لهم الدولة البريطانية، إلى هذه الحقائق التى هى فى باب العلم العام؟ فهل نشرت صحف أخرى تفاصيل أخرى من التقرير؟ أم أن التقرير لم يتناول تجليات هذه الخلاصة فى أيامنا هذه؟ هل رصد التقرير عنف الإخوان هذه الأيام ضد أجهزة الدولة ومرافقها، بل وضد عموم الناس فى الطرق العامة، واعتراف بعض قياداتهم أنهم يعاقبون الشعب على اختياره لعزلهم وعلى الاصطفاف وراء قيادات القوات المسلحة التى نفذّت الإرادة الشعبية؟ هل تناول التقرير جرائم العنف المنظم على يد ميليشيات الإخوان تحت حكم ممثلهم فى القصر الرئاسى، وهى جرائم متعددة يصعب حصرها، على الأقل مثل تعمد قتل الصحفيين والمصورين الذين يسجلون جرائمهم، ومثل تعذيب المواطنين بعد تكبيلهم فى بوابة القصر الرئاسى..إلخ إلخ؟ ثم طيرت وكالات الأنباء أن الإخوان علموا بمضمون، أو ربما بنص، هذا التقرير قبل الإعلان عنه، وأنهم فشلوا فى منع إعلانه! فى هذا السياق يمكن فهم المعركة الصغيرة، التى تنطوى على معانٍ كثيرة، التى اتخذ فيها مكتب الإخوان فى لندن قراراً بغير صفة، وفق لوائح الإخوان، بعزل الناطق الرسمى للجماعة الذى كان أعلن فى نداء إلى قواعد الجماعة عن وجوب القصاص فى ذكرى ثورة يناير التى يزعمون أنها ثورتهم، وهو ما خشى منه القيادات فى لندن، وهم الأقرب لاحتمالات ما سوف يترتب على مضمون التقرير.
بل إن عدداً من رموز الجماعة من مرضى هاجس الاضطهاد، راحوا يتباكون على الانقلابات التى تعرضت لها الجماعة، بدءاً من الرفض الشعبى ضدهم والإصرار على عزلهم، وهو ما يسمونه حتى الآن بالانقلاب العسكرى، إلى انقلاب لندن الأخير ضدهم، ثم إلى انقلاب مكتب لندن على الشرعية بعزل المتحدث الرسمى، وهى الشرعية التى تمثلها لهم اللجنة الإدارية العليا فى الداخل التى تدير العمل وتتخذ القرارات منذ إلقاء القبض على قياداتهم وعرضهم على القضاء. السؤال: ما هى دوافع بريطانيا إلى تشكيل هذه اللجنة وتكليفها بهذه المهمة وإعلان هذه النتائج للرأى العام، فى وقت تمارس فيه سياستها الثابتة باحتضان الإخوان على أراضيها على قاعدة التعاون المشترك معهم، الذى يحقق مصالح بريطانيا والجماعة، وتتيح لهم أن يمارسوا كل ما يريدون ضد النظام الحاكم فى مصر الذى ارتضاه الشعب المصرى؟ الجواب: هو تصور العقلية البريطانية أنه يمكنها دائماً أن تقبض على المجد من طرفيه، أولاً بإبداء مرونة وهمية فى مواقفها الراسخة، مع استمرار الدفء فى علاقتها مع الجماعة، وفى نفس الوقت خداع الطرف المتضرر من الجماعة عندما تكون هناك مصلحة طارئة مع المتضررين. وقد وفرت وكالات الأنباء المعلومات التى تفسر أوهام أن هناك موقفاً بريطانياً مستجداً ضد الإخوان، بنشر تفاصيل أهم شرط وضعته دولة الإمارات بوجوب أن تبدى بريطانيا موقفاَ ضد جماعة الإخوان التى يشارك بعض قيادتها فى لندن فى عمليات إرهابية ضد عدد من البلاد العربية، وقد أثبتت الإمارات جديتها فى الأخذ بشروطها، بوقف صفقة سلاح مع بريطانيا تتجاوز قيمتها 10 مليارات دولار، بعد أن لم تر استجابة بريطانية لطلبها. وهو ما تخشى بريطانيا أن يتكرر فى صفقات أخرى مدرجة أو مأمولة مع الإمارات وبعض دول الخليج. هذا هو التفسير المُرَجَّح لتشكيل بريطانيا لهذه اللجنة وللتوصل إلى هذه النتائج، التى يتصور البريطانيون أنها سوف تُرضى أصحاب قرار عقد الصفقات. ولكن، من يمكنه أن يُصدِّق أن تنقلب بريطانيا بالفعل على الإخوان الذين يحققون لها بعض مصالحها الكبرى فى الإقليم وعبر العالم منذ عقود، ولا تزال هذه المصالح فى حاجة إلى وجود الإخوان تحت عين وسيطرة خبراء بريطانيا؟ .
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع