بقلم يوسف سيدهم
قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها-(566)
ملامح الكتل البرلمانية تتشكل بأمل أن يبدأ مجلس النواب عمله بتوازن قوي ناضج بين الأغلبية والمعارضة كما يجري الحال في جميع الديمقراطيات الراسخة. الأضواء مسلطة علي محاولات تشكيل كتلة الأغلبية وفي المقابل أيضا مسلطة علي الرافضين الانضمام إلي تلك الكتلة دون أن يعلنوا صراحة عن عزمهم تشكيل كتلة المعارضة,الأمر الذي يعكس ترددا وعدم حسم من جانب البعض وغياب الأجندة السياسية من جانب البعض الآخر.
فهناك حزب المصريين الأحرار الذي يقف في صدارة الأحزاب من حيث جملة المقاعد التي حصل عليها في الانتخابات(65مقعدا) وقد أصدر بيانا واضحا عن موقفه السياسي من محاولات تشكيل جبهةدعم الدولة المصرية رافضا الاصطفاف ضمن حشد برلماني يطرح مجرد شعارات دون وضوح البرنامج السياسي ومطالبا كل من يعمل من أجل توحيد الكتل المبعثرة بتقديم برنامجه السياسي الذي سيناضل من أجل تحقيقه تحت القبة حتي إذا ماتوافق مع برنامج المصريين الأحرار كان ذلك معيارا حقيقيا للائتلاف البرلماني.
والأمل أن يتحقق ذلك وتصطف الكتل السياسية تحت القبة, كلا منها ترفع شعارات وتوجهات وبرامج سياسية واضحة تميز بينها وتعمل من أجل تحقيقها لعلنا ننتقل من مظاهرات وصخب وضجيج الأسماء الذي سيطر علي الانتخابات إلي إفراز تيارات سياسية واضحة تعيد رسم الخريطة الحزبية والسياسية بكيانات قوية-يمين ووسط ويسار-لأن هذا هو السبيل السليم للتقسيم الحزبي والبرلماني.
أما عن أداء النواب تحت القبة فأتطلع إلي أن يسود العمل البرلماني النضج والتعقل والبعد عن المهاترات,لأن المسئولية جسيمة والمهام الملقاة علي عاتق هذا البرلمان تاريخية…وفي هذا الصدد دعوني أسطر الخواطر الآتية:
00هناك من النواب المفوهين الذين يجيدون طلب الكلمة لإطلاق الآراء النارية والتصريحات العنترية والتشدق بالمواقف الإصلاحية التي لاتخرج عن حدود الميكروفون الذي يتحدثون فيه والكاميرا التي تبث جلسات البرلمان علي شاشات التليفزيون…وهذا النوع من النواب لايتجاوز ذلكالأداء العلني ويبقي مزهوا بصولاته الكلامية التي أطلقها,لكن جهده هذا لايتجاوز مضابط محاضر جلسات المجلس ولا تتبلور عنه سياسات أو تغييرات أو تشريعات ودائما يتذرع بالعجز مكتفيا بأنه عبر عن آرائه الثورية لكن الأمور سارت علي النحو الذي تراه الأغلبية!!!
00علي الجانب الآخر هناك نمط آخر من النواب يعرف كيف يدار العمل السياسي وكيف يتم التخطيط له فيسعي أولا إلي الانتماء إلي كتلة برلمانية واضحة يتوافق مع رؤاها وبرنامجها السياسي,ويعرف أن الجهد الشاق المطلوب يكمن في كيفية تسويق أفكاره لتتبناها معه تلك الكتلة علاوة علي محاولاته الدؤوبة للتواصل مع الكتل البرلمانية الأخري بغية حشدها هي الأخري لتأييد هذه الأفكار والسياسات…هذا النمط من النواب يكون المحرك الحقيقي للعمل البرلماني وينجح في إدراك الأغلبية من خلال آلية التصويت تحت القبة وبالتالي يكون مؤثرا في حركة التغيير والتشريع والرقابة.
00كلنا نعرف أن مصر خرجت من ثورة30يونية يحدوها أمل خلقمصر الجديدة الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة,وبالتالي من المهم أن ندرك أن قواعد العمل البرلماني والسياسي تغيرت وعمادها الأساسي وحدة المصريين وترابطهم ونبذهم جميع أشكال الفرز سواء كان طائفيا أو إثنيا أو عمريا…إلي آخر ذلك من أشكال الفرز التي طالما أنهكت هذا البلد وعوقت انطلاقه ولذلك لم يعد مقبولا أن ننظر إلي نجاح عدد ملفت من السيدات في دخول البرلمان علي أنهن سيتحملن وحدهن عبء الدفاع عن قضايا المرأة والمطالبة بحقوقها المهدرة…كذلك انتهي عهد الاحتفاء بدخول عدة غير مسبوق من الأقباط للبرلمان إيذانا بتكوين كتلة قبطية تتصدي للمطالبة بحقوق المواطنة غير المنقوصة للأقباط أو بتفعيل مادة الدستور التي تطالب أول برلمان منتخب بعد إقرار الدستور بإصدار التشريعات الميسرة لبناء الكنائس وتدعيمها…أيضا لن يقف الشباب الذي دخل البرلمان أو ذوو الاحتياجات الخاصة أو حتي المصريين في الخارج من المهاجرين وحدهم كل حسب انتمائه كجزيرة معزولة يصرخ وحده سعيا لكسب حقوق الفئة التي ينتمي إليها.
00تغيرت أوراق اللعبة -أو هكذا أراهن علي مصرنا الجديدة-ولن يستقيم الأمر ببقاء النظرة القديمة للتشريح الفئوي لممثلي الأمة,فلم يرسلهم الشعب إلي البرلمان ليخوضوا حروبا, كلا حسب انتمائه في مواجهة الآخرين…إن الحصيلة الجميلة المتنوعة من البرلمانيين تحت القبة هي رمز لمصر الجديدة التي تحرص علي تمكين كل فئاتها من الفرصة والعمل, لكن يظل المعيار الحضاري الذي أتطلع إليه هو انتفاض الأغلبية ذودا عن حقوق الأقلية في كل مجال:الرجل مؤازرا المرأة,والمسلم حريصا علي القبطي,والغني منتشلا الفقير,والكبير محتضنا الشباب,والجميع ساعين لإدماج ذوي الاحتياجات الخاصة ولاستثمار قيمة وعلم ورصيد المصريين في الخارج كقيمة عظيمة مضافة لثروة مصر البشرية.
000هل نري مصر الجديدة تسير علي هذا الدرب؟
نقلا عن وطنى