الأقباط متحدون - تونس: سندريلا العرب فى الثورة والسلام
أخر تحديث ٠٨:٥٧ | السبت ١٩ ديسمبر ٢٠١٥ | ٩ كيهك١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٨١ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

تونس: سندريلا العرب فى الثورة والسلام

سعد الدين ابراهيم
سعد الدين ابراهيم

ملأت تونس والتونيسيون أسماع العالم طوال الأسبوع الثانى من شهر أكتوبر 2015، حيث حصلت أربع منظمات المجتمع المدنى التونسية على جائزة نوبل للسلام، وذلك لدعم تلك المنظمات والوساطة وإقناع القوى الحزبية التنافسية فى تونس، أن تقبل حلولاً وسطاً فى تشكيل حكومة وحدة وطنية، تواصل استكمال مسيرة التحول الديمقراطى السلمى فى ذلك البلد العربى، الذى لا يتجاوز سُكانه عشرة ملايين، وتنأى به عن الصراعات الدموية العنيفة، التى شهدتها بُلدان عربية أخرى فى أعقاب ثورات الربيع العربى، والمصير الأليم الذى شهدناه فى ليبيا والبحرين واليمن وسوريا.

وفضلاً، عن أن ذلك الحدث يُبرز حيوية وأهمية منظمات المجتمع المدنى فى التبشير بالديمقراطية وبحراسة مسارها للتحول المجتمعى نحو مزيد من مُشاركة أبناء الشعب فى تقرير مصيرهم، وفى صياغة الشكل النهائى لنظام الحُكم، فإن منح جائزة نوبل لشعب بأكمله هو سابقة فى تاريخ تلك الجائزة العالمية فى تاريخها الذى تجاوز مائة عام.

وواقع الأمر أن تونس، ذلك البلد العربى الأفريقى الصغير، توحى للكثيرين بأنها مثل شخصية سندريلا، فى القصة الشعبية التى يعرفها أو يدرسها معظم أطفال العالم. وفحوى القصة أن سندريلا كانت أختاً يتيمة، فقدت أمها فى طفولتها المُبكرة، وتزوج أبوها وأنجب بناتاً أخريات من زوجته الجديدة، التى عاملت سندريلا مُعاملة خشنة وفضّلت وميّزت بناتها على سندريلا، وعاملت زوجة الأب وبناتها سندريلا كخادمة. ثم حانت مُناسبة قرر فيها أحد الأمراء، لم يكن متزوجاً، أن يبحث عن عروس. فنظم لتلك المُناسبة حفلاً راقصاً كبيراً، دُعيت له كل الفتيات غير المتزوجات، وفرضت زوجة الأب وبناتها على سندريلا أن تبق فى المنزل للتنظيف وغسيل الأوانى فى المطبخ، بينما ذهبن هن إلى حفل الأمير. وظلت سندريلا فى المنزل حزينة، وفجأة ظهر لها ملاك الرحمة، الذى مسح دموعها، وأعطاها ملابس جديدة، وحزاءً أنيقاً وأخذها فى عربة مُزركشة إلى الحفل الراقص، ولكنه اشترط عليها أن تُغادر الحفل فى منتصف الليل تماماً، وتعود إلى المنزل، قبل أن تعود زوجة الأب وأخواتها (نصف الشقيقات). واندمجت سندريلا فى الحفل، خاصة أن الأمير اصطفاها بأطول عدد من الرقصات، وعندما دقت الساعة الثانية عشرة، هرولت سندريلا، للعراء كما وعدت ملاك الرحمة. ولكن فى هرولتها فلتت من أحد قدميها فردة الحذاء البلورية.

وبحث الأمير، دون جدوى، عن الفتاة الأنيقة التى راقصها حتى منتصف الليل. وحزن حُزناً شديداً لاختفائها المُفاجئ، حتى أخبره أحد أمناء القصر أن فردة من حذائها البلورى سقطت منها، ويمكنهم فى اليوم التالى أن يبحثوا عن الفتاة ذات القدم التى تُناسب مقاس الحذاء البلورى. وبالفعل أعلن مُنادى القصر، فى كل أرجاء المدينة أن الأمير سيبحث عن الفتاة صاحبة الحذاء، لأنها ستكون عروسه. وتهيأت كل فتيات المدينة لزيارة الأمير المُفاجأة ومعه فردة الحذاء البلورى.

وطلبت زوجة الأب من سندريلا ألا تخرج من المطبخ. ولكن ملاك الرحمة همس فى إذن الأمير أن يدخل إلى المطبخ ومعه فردة الحذاء البلورية، وفعلاً، تجول الأمير فى المنزل إلى أن وجد المطبخ، حيث وجد سندريلا مشغولة بغسيل الأطباق، فطلب منها أن تُقيس فردة الحذاء، التى كانت على مقاسها تماماً، فسعد الأمير وطلب القران بها. وكانت تلك نهاية سعيدة للفتاة المغمورة، التى لم تتطلع إلى هذه النتيجة، ولكن حظها السعيد كان فى الانتظار.

وهذا شأن الشقيقة تونس. فهى ليست أكبر البُلدان العربية، ولا أقواها. وليست بالأهمية الاستراتيجية التى لجيرانها شرقاً (مصر)، وغرباً (الجزائر)، ولكن شيئين مُهمين صاحبا تونس منذ استقلالها فى خمسينيات القرن العشرين، أولهما المستوى التعليمى الرفيع، الذى كان الهم الأول لأول رؤسائها، وهو الحبيب بورقيبة. وثانيهما الابتعاد الصارم للجيش التونسى عن السياسة.

ومع ذلك فقد فاجأ الشعب التونسى فى ديسمبر 2010 العالم بثورة سلمية، اقتلعت حاكمها المستبد، زين العابدين بن على، الذى غادر البلاد فى هدوء، إلى ليبيا، ثم إلى المملكة العربية السعودية، حيث طلب اللجوء السياسى، وحصل عليه.

ثم أدارت النخبة السياسية التونسية المرحلة الانتقالية للتحول الديمقراطى بقدر من السلاسة والسلمية، وهو ما لم يحدث له مثيل فى أى من بُلدان الربيع العربى الخمس الأخرى (ليبيا ـ مصرـ البحرين ـ اليمن ـ سوريا).

فهنيئاً لتونس بثورتها الرائدة، وبسلاسة تحولها الديمقراطى، وبجائزة نوبل للسلام. وليحفظ الله تونس، سندريلا الثورة الديمقراطية فى الوطن العربى.

وعلى الله قصد السبيل
نقلا عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع