عساسي عبدالحميد- المغرب
يمر اليوم شهر على مغادرة حاملة الطائرات "شارل ديغول" ميناء تولون على ايقاع النشيد الفرنسي " لامارسييز " و رفرفة " التريكولور" لتعبر قناة السويس و باب المندب ومضيق هرمز ولتحل أخيرا بالخليج الفارسي ؟؟..(....)
مخطئ من يظن بأن مجزرة ليلة الجمعة الحزينة 13/11/2015 بباريس و التي و أودت بحياة 130 شخصا و أكثر من 300 مصاب هي من دفعت "شارل ديغول" لتمخر عباب البحر وتعبر مضايق ومعابر وفجاج البحار لتنتقم لضحايا الجمعة الباريسية الحزينة (....)
أربع بحار قطعتها قطعة جهنم هذه شارل ديغول، وهي البحر المتوسط ،البحر الأحمر، بحر العرب و بحر فارس ....لم تنطلق من ميناء تولون الفرنسي لتحمل زهورا و لعبا و شوكلاته لأطفال شعوب ما وراء ضفاف المتوسط أو مساعدات إنسانية لجوعى ومرضى ومخصوصين ، بل انطلقت و هي تحمل على ظهرها الموت الرهيب وقنابل و صواريخ سيطلقها ربابنة فرنسا من قمرات طائراتهم "رافال " على أهداف قيل لهم أنها لتنظيم داعش الذي أعلن عن مسؤوليته في تفجيرات باريس ...
نعم هذا ما سيفعله هؤلاء الطيارون الفرنسيون الشباب بعد أن ودعوا صديقاتهم وعشيقاتهم على مائدة عشاء مطعم باريسي أو ملهى ليلي على ضفاف نهر السين أو على سرير مرتب تحت ضوء خافت، على إيقاع دمعات الوداع الساخنة تذرفها العشيقة أو الرفيقة وهي تمني النفس بعودة فارسها ربان طائرة "الرافال" إلى حضنها الدافئ بعد أداء الواجب الوطني ما وراء البحار (....)
والحقيقة أن الدافع و المهيج لتحرك حاملة الطائرات الفرنسية ليست دماء الجمعة الحزينة ونية الانتقام من الارهابيين القتلة، بل هي حافة الافلاس الرهيبة التي تقف اليوم فرنسا على أخاديدها، فهي من جعلت فرنسا الديجولية تكشر عن أنيابها و تخرج أظافرها ، نعم ،سيناريو اليونان المفلسة يهدد و بقوة الدولة الفرنسية ، فرنسا اليوم كالعديد من الامبراطوريات المتغولة في حاجة ماسة لثروات الشعوب المخزونة ولهذا لن تتوانى في ارتكاب المجازر وهرق برك من الدم ان دعت الضرورة لذلك .....
و مجزرة الجمعة الباريسية الحزينة كانت بالتأكيد من صنع المخابرات الفرنسية بضغط وتهديد لوبي السلاح وباقي اللوبيات المؤثرة في المشهد السياسي الفرنسي وهي لوبيات النفط والعقار والدواء والغذاء ......، هاته المافيات هي من تمول حملات الرئيس الذي ترتضيه واجهة لفرنسا و تمهد له الطريق شريطة أن لا يزيغ عن جادة الصواب وأن يبدي الاهتمام الكافي بمصالحها و صفقاتها، و هي التي تتحكم في تشكيلة مؤسسات الدولة بما فيها الحكومة والبرلمان (...)
صحيح أن الانفجاريين مسلمون مواظبون على الصلاة والصيام وتلاوة القرآن و الاقتداء بالسلف الصالح ،و قاموا بارتكاب جرائمهم انطلاقا من دوافع عقائدية، لكن من يمسك بجهاز التحكم عن بعد هم رجال الاستخبارات الفرنسية باسناد الشركات أو اللوبيات المتغولة، هؤلاء هم من كان وراء مذبحة باريس ونجحوا فعلا في قتل و إعطاب العدد المطلوب، وكان الرقم المدرج أن لا ينزل على مائة مذبوح و أن يفوق الجرحى والمعطوبين حاجز ال300 ،حتى تعطى الإشارة لشارل دوغول لكي تمخر عباب البحر و تقطع البحار والخلجان نحو المياه الدافئة قرب مدعشات نفطستان (....)
في الخمسينيات و الستينيات من القرن الفارط منحت فرنسا استقلالات شكلية لبلدان افريقية وكانت دولة جيبوتي آخر جيب يتم فيه انزال العلم الفرنسي التريكولور سنة 1975 لتنضم هذه الدويلة المطلة على باب المندب من الجانب الإفريقي إلى قائمة الدول المستقلة، و قد رأت فرنسا أنه يحسن بها تدبير امبراطوريتها الكولونيالية في غياب مقيم عام و علم فرنسي و يكفي أن تنتقي باريس نخبا مفرنسة من طينة و عجينة البلد لتعيينهم على رأس هذه البلدان و نشرهم في مختلف المؤسسات، و الأهم من هذا أن تتموقع الشركات الفرنسية بمختلف أحجامها بتلك البلدان لتدبير الثروة و تحقيق الأرباح و دفع الضريبة للخزينة الفرنسية ... (....)
دولة النيجر ، مستعمرة فرنسية تقع و سط افريقيا و هي من بلدان الساحل والصحراء ، تنتج خمس أورانيوم العالم، و فرنسا عبر شركتها " أريـفـا " تعتمد على اورانيوم النيجر لإنتاج ثلاثة أرباع من طاقتها الكهربائية في حين لا يتوفر الكهرباء لأكثر من نصف ساكنة النيجر الذي ينتج خمس هذه المادة ، فمترو باريس مثلا يشتغل بفضل أوروانيوم النيجر وبه تشعل أضواء برج ايفيل المبهرة (....)
وحتى حاملة الطائرات شارل ديغول التي قطعت البحور و الخلجان لتصل قبالة ميناء علي و جزر طنب الكبرى والصغرى و أبي موسى الايرانية و صخرة البحرين فانها تتحرك بالطاقة النووية المستخرجة من اورانيوم دولة النيجر الغنية بثروتها و الفقيرة بشعبها(....)
دولة التشاد، بدورها تتوفر على النفط الذي تكتم عنه الفرنسيس يوم منحهم للتشاديين استقلالا شكليا سنة 1960 تحت علم و عملة، و بقي بحر النفط التشادي ذو الجودة العالية سرا من أسرار الدولة الفرنسية التي ستبعث بمعاولها و حفاراتها عندما تكون محتاجة اليه ولو بعد عقود أو أجيال (....)
هنا ، لا مكان للأخلاق، إنها قضية حياة أو موت، ومن سنن الطبيعة أن البقاء للأقوى ولا مكان للضعيف في هذا الكون ، أعتى الإمبراطوريات قامت على جماجم و دماء واستعباد البشر، فحفر قناة السويس مثلا والذي تم تفويض مشروعه لشركة فرنسية و الذي دام عشر سنوات 1859-1869- كلف حياة أكثر من 150 ألف مصري ماتوا جوعا وعطشا ومرضا وإذلالا و تعذيبا ..
و لهذا كان من الضروري بمكان أن تذبح فرنسا 130 انسانا بريئا و أن تعطب 300 آخر وكان لزاما أيضا أن تدخل الفجيعة في قلب العديد من الأسر التي تواجد أبنائها و قادهم حظهم العثر نحو أعتاب تلك الليلة الملعونة أي يوم 13/11/2015 (....)
فرنسا هي من اغتالت العديد من قادة وزعماء القارة الإفريقية، فرنسا كانت طرفا فاعلا في اغتيال الزعيم اليساري المغربي المهدي بن بركة و أذابت جثته في محلول حمض الأسيد سنة 1965 لأنها رأت فيه خطرا على مصالحها بالمغرب وبلدان العالم الثالث، فرنسا هي من اغتالت الرئيس الهواري بومدين بسم الثاليوم سنة 1978 لأنه قام بتأميم البترول الجزائري، هي من اغتالت رئيس بوركينا فاسو "توماس سانكارا" سنة 1987 لأنه كان يحرض قادة وزعماء افريقيا على عصيان فرنسا و عدم الاكتراث بها والتخلص من التبعية الاقتصادية لباريس، هي من اغتالت "جمال عبدالناصر" ودست له السم الزعاف عبر أشعة مركزة في مؤتمر اللاءات الثلاثة بالخرطوم سنة 1967 يحتمل أنها كانت بحوزة صحفي فرنسي ليفارق الحياة بعد ثلاث سنوات وعمره 52 سنة ، لأنه كان يقول للجزائريين و غيرهم أن استقلالهم منقوصا غير كامل ، و يحثهم على التخلص من الشركات الفرنسية و وتعويضها بالسوفيتية (....)
وهكذا كل من مس بأمن فرنسا القومي ومصالحها الاقتصادية في مستعمراتها القديمة التي منحتها استقلالا شكليا ومكنت شركاتها من التموقع و التجدر كان مصيره الذبح .... خرجت عساكر فرنسا و رحل المقيم العام و انزل العلم الفرنسي لكن عوض هذا تم غرس داخل الأجهزة السيادية لمستعمرات افريقيا من يسهر على مصالحها و قامت باريس بتفعيل و تشغيل ماكنة أذرعها الأربعة وهي 1- الوكالة الجامعية للفرنكفونية... 2- قناة تي في 5 الفضائية... 3-جامعة ليبولد سنغور ...4-الجمعية الدولية لرؤساء البلديات الناطقة بالفرنسية، وهي الأذرع التي يعمل بها الفرنسيس طيلة عقود لنشر لغتهم و ثقافتهم باعتبار اللغة و الثقافة الطريق الأنجع للحفاظ على تبعية اقتصادية بلدان إفريقيا لباريس والوسيلة الأنسب لتأهيل نخب مفرنسة من وسط شعوب هذه البلدان لتولي مناصب القرار و تدبير الشأن العام لمستعمرات فرنسا القديمة بما يخدم الأمن القومي الفرنسي ... إذا، كان من المصلحة الوطنية إراقة بعض من الدم و بعض من الدموع وأن يصلب الوطن بعضا من أبنائه و يتعمد بدمائهم من أجل فرنسا، وهذا ما حدث في تلك الجمعة الحزينة الكئيبة الرهيبة. (....) ..
قامت الحكومة الفرنسية في صيف هذا العام بعرض ثلاث مطارات دولية للبيع وهي مطار "نيس" و "ليون" و"تولوز"، وكلها مصنفة في خانة العالمية ...والمطار ولو ببساطة مدرجه وملحقاته يبقى من رموز الدولة السيادية تماما كالعلم والعملة والبنك المركزي و المتحف الوطني .....و قد أقدمت باريس على بيع مطاراتها في محاولة لاقناع الاتحاد الأوروبي بمشروع موازنتها بسم سنة 2015 والمصادقة عليه ..و لتمرير المشروع عملت الحكومة الفرنسية على اتخاذ رزمة إجراءات تقشفية أغضبت المركزيات النقابية التي حرضت العمال ضد الحكومة، فقد بلغ قيمة ما خفضته الحكومة من نفقات الى 27 مليار دولار ...منها نفقات الدولة و الميزانية المخصصة للمناطق ومصاريف الضمان الصحي و سياسات الأسرة (....)
ناقوس الخطر المجلجل جلجل بعنف عندما تجاوز الدين العام الفرنسي خط التريليون ليربو على عتبة 2.023 تريليون أورو....بيع فرنسا لمطاراتها المصنفة يظهر مدى مستوى الأزمة الاقتصادية التي بتت تهدد أم فرنسا الاجتماعي وهذا ما جعل قادتها ينتابهم السعار ويمسكون بمناظيرهم اتجاه الضفة الأخرى ومثل الضبعة أنثى الضبع عندما يجف ضرعها فتعضها جرائها لتضطر عبور النهر بحثا عن الأيائل والجواميس و الخنازير البرية ....فأجيال من الفرنسيين اعتادت على مستوى معيشي جيد و هذا ما سيدفعها للاحتجاج (....)
في القمة الخليجية التشاورية التي انعقدت بالرياض في شهر ماي من هذه السنة كان الرئيس الفرنسي "هولاند " ضيف القمة الشرفية وكانت مناسبة جيد لتحفيز السعودية وامارات الخليج على اقتناء السلاح الفرنسي ، كلمة ضيف الشرف فرانسوا هولاند عند الجلسة الافتتاحية كانت كلها اشادة و تنويه بالسعودية و دعمها لعواصف هدمها و ردمها سواء باليمن أو العراق أو سوريا كما كما كما كما كمــــــــا أشار" فرانسوا هولاند" إلى المخاطر التي تترتب عن أطماع دول تتدخل في شؤون الآخرين ، ضيف الشرف لم يسمي الدولة أو الجهة التي تهدد الآخرين لكنها اشارة واضحة لايران، كما أعرب ضيف الشرف عن استعداد فرنسا الدائم لوقوفها إلى جانب دول الخليج بكافة الوسائل بما فيها الجانب العسكري إن تطلب ذلك الأمر، و فرنسا دائما تلتزم بوقوفها الى جانب أصدقائها مهما كلفها الثمن... نعم هذا ما كان لوبي السلاح يريده من فرانسوا هولاند في مهمته الخليجية لكي تقتني دول الخليج السلاح الفرنسي (....)
الحصول على المال وبأية طريقة هذا هو ما أعمى بصيرة قادة فرنسا وجعلهم يخبطون خبط عشواء ، فقد قام الرئيس الفرنسي في شهر يوليو بتوجيه دعوة رسمية للرئيس الإيراني "علي روحاني " لزيارة فرنسا طمعا في الحصول على عقود لشركات فرنسية في ايران بعد اتفاق 5+1 التاريخي في فيينا الذي فتح الباب أمام ايران كامبراطورية مرعبة قادمة وكدولة مركز لا غنى عنها لكل العالم في شريط يمتد من من افغانستان حتى المغرب ..(....)
دعوة الرئيس هولاند لنظيره الإيراني روحاني كانت متزامنة مع الاجازة الصيفية التي كان يقضيها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بشاطئ الريفيرا التابع لمدينة كان جنوب فرنسا صحبة وفد مرافق قدم من شعاب مكة محملا بحقائب و شيكات وبطائق فيزا لصرف المليارت فيما لذ وطاب، دعوة هولاند للرئيس الايراني و الملك سلمان يمضي اجازته الاستنكاحية بفرنسا هو ما آثار غضب الملك السعودي فغادر فرنسا على الفور متجها نحو المغرب و بالضبط لمدينة طنجة حيث استقبله رئيس الحكومة المغربية وانحنى له و قبل يده في منظر بشع مذل ليقضي ما تبقى من اجازته هناك (....)
أن يحل ملك السعودية لوحده ليقضي إجازته بفرنسا خير من مائة ألف سائح ، فقدومه لوحده سيخلق رواجا بكل محيط منتجع المدينة التي سيحل بها ،والاجازة التي كان يقضيها ملك السعودية بفرنسا و التي أثارت غضبا و احتجاجات و توقيع عرائض من طرف فعاليات المجتمع المدني الفرنسي لأن السلطات الفرنسية أغلقت شاطئا بكامله ومنعت الفرنسيين من الاصطياف و الاستمتاع ببحر وطنهم لدرجة أن الاحتجاجات اتخذت طابع التعري عندما أقدمت خمسة فتيات فرنسيات على التعري قبالة قصر الملك السعودي ...
هذه الاجازة كان من المقرر أن يقضيها بالمغرب ، الا أن فرنسا اشترت حقوق الاستنكاح من المغرب مقابل منح هذا الأخير هامشا للتحرك ببلدان الساحل والغرب الإفريقي التي تعدها فرنسا في عداد نفوذها (....)
في الفترة الممتدة من السبعينيات إلى تسعينيات القرن الماضي عرفت فرنسا فترة رخاء و استطاع المواطن الفرنسي التوفير من مدخوله، فنادل المقهى والعامل بمحطة البنزين مثلا كان بوسعه السفر خارج فرنسا و التفسح في أرض الله الواسعة والعودة لمعارفه بهدايا وصور تذكارية من قلب أدغال ومحميات أفريقيا و أسواق ومعابد الهند والفيتنام وشواطئ جزر المحيطات القصية في طاهيتي و السيشيل و كاليدونيا وموريشيوس ....
وهذه الأموال هي في الأصل تعود لشعوب مستعمرات فرنسا ما وراء البحار ..أما اليوم فالوضع المعيشي في فرنسا في تردي و هذه هي من طبيعة النظام الليبرالي الرأسمالي الذي يمر عبر هذه الحلقات ((ازدهار، فرواج، فأزمة فحروب ،وفرنسا ستدخل غمار الحروب أملا في اعادة الازدهار والرواج (....)
خلص صناع القرار بقصر الاليزيه أن الاقتصاد الفرنسي سينهار و المستوى المعيشي لدى المواطن سيتهاوى ما لم يتم اتخاذ قرار شجاع بالبحث عن موارد ما وراء البحار سواء كانت من التركة الكولونيالية الفرنكفونية أو غيرها وتمكين المستثمرين الفرنسيين من استغلالها و تدبيرها بطريقة تجلب الأموال للخزينة الفرنسية المهددة بالإفلاس، ولهذا تحركت و انطلقت عابرة البحار شارل ديغول نحو الخليج الملعون على ايقاع "لامارسييز" و رفرفة "التريكولور" وتلويح مناديل عشيقات ورفيقات قراصنة "الرافال" ، فالقضية بالنسبة لفرنسا قضية حياة أو موت ما لم تكن من ضمن قائمة الإمبراطوريات السبعة أو الثمانية التي ستحكم و ستتحكم في العالم، ومفتاح هذا الحكم هو هذا الشريط الملعون الممتد من كابول شرقا حتى طنجة ومملكة غانا القديمة مرورا بالقرن الإفريقي وبلدان الساحل (....)
Assassi_64@hotmail.com