ما يحدث في الفضائيات خلال الفترة الأخيرة يندرج تحت ما يسمي بالعيب، ولا يليق بالإعلام المصري الذي علم العالم العربي معني احترام المشاهد والارتقاء بالذوق العام أن يقدم ما نشاهده الآن حتي لو كان في فضائيات خاصة، لأن العالم من حولنا لا يقول إعلامًا خاصًا أو تابعًا للدولة، لكنه يقول الإعلام المصري، خاصة أن العالم من شرقه إلي غربه الآن يعمل بمبدأ الحسنة تخص والسيئة تعم، بمعني أن أي أمر سلبي يتم تعميمه تحت مسمي «هذا ما يحدث في مصر»، معارك وتراشق بالألفاظ يصل إلي حد الشتائم والمعايرة، بمزيد من نشر الفضائح، وكأنها مشاجرة في حارة شعبية، وإن كانت حتي الحارة لها شيخ وناس أكابر يرفضون مثل تلك الأفعال، ويضيعون كل شخص في إطاره الصحيح حتي يحافظوا علي سمعة الحارة، تخيلوا هذا يحدث في الحارة، لكن في إعلام بلادنا لا أحد يخشي علي سمعة هذا الوطن الذي له الفضل الأول والأخير فيما وصل إليه الجميع.
لن نتحدث عن قضية بعينها، لأن أزمة الإعلام المصري في السنوات الأخيرة لا يمكن اختزالها في المشاجرة التي حدثت بين أحمد موسي وخالد صلاح بسبب أزمة صورة خالد يوسف، لكن الأزمة نراها يومياً منذ 25 يناير 2011، حيث ظهرت مجموعة من الفضائيات ومجموعة مذيعي «التوك شو» وللأسف في مصر ليس لدينا توك شو بمعناه الحقيقي، لكننا من الممكن أن نطلق عليه المسمي الحقيقي الذي يليق به وهو «شتيمة شو» وتضمنت الشتائم بين أنماط مختلفة بداية من الأعراض إلي الفساد بكل مشتقاته إلي الخيانة والعمالة والسرقة، وكلها أمور لا تليق بالإعلام المصري ولا يليق بمصر الدولة الضاربة في جذور التاريخ، وتوقعنا أن تهدأ الأمور بعد ثورة الـ 30 من يونية، وتتوجه كل هذه البرامج نحو بناء الدولة ونبذ الخلافات ومحاربة الإرهاب، صحيح هناك برامج فعلت هذا، لكن في الوقت نفسه تسمع وتشاهد خبراً يفرحك بعده تجد خناقة ومشاجرة.
وللأسف لو حدة الخلافات تراجعت بين الضيوف تجدها ترتفع بين مقدمي البرامج أنفسهم، شاهدنا في الفترة الأخيرة مشاكل بين خالد صلاح وعمرو أديب، ثم هدأت الأمور بالتصالح، وقبلها مشاجرة بين يوسف الحسيني وأحمد موسي، ثم تصالح ثم خلاف أخير عقب عرض موسي مشاهد خالد يوسف، وفي نفس الليلة خلاف آخر بين خالد صلاح وأحمد موسي، والأزمة ليست في هذه البرامج السياسية فقط، لكنك لو تابعت عزيزي القارئ البرامج الرياضية سوف تجد نفس الأمر يحدث بين أحمد شوبير ومدحت شلبي تارة، ومرة بين خالد الغندور وشوبير، فهذا يريد أن يقول إنه الأب الروحي للأهلاوية، والثاني يريد أن يقول إنه حائط الصد ضد كل من يقترب من الزمالك.
والمتابعون لتلك المشاهد من خبراء الإعلام حذروا مراراً وتكراراً من ويلات الفوضي الإعلامية التي نشاهدها بشكل يومي، وبعضهم ذهب إلي ما هو أكثر من ذلك بقولهم بأن 99٪ ممن يظهرون علي الشاشة لا يصلحون للظهور علي الشاشة، ولكن دخل رجال الأعمال عالم الفضائيات جعل كل واحد منهم يحاول أن يستقطب الصحفي أو الإعلامي الذي يكون بمثابة حائط الصد ضد أي هجمات يتعرض لها، ولذلك أصبح في كل فضائية خاصة يوجد حاكم بأمره بداخلها، هو الوحيد صاحب الصوت العالي فيها لأنه من مدعوم من صاحب رأس المال، والأزمة التي نعاني منها منذ 25 يناير 2011 أن كل من امتهن الإعلام تصور أن الصوت العالي فقط هو الذي يجعله الإعلامي رقم واحد، لذلك أصبح الصراخ هو الوسيلة الوحيدة للوصول للناس.
المهزلة الإعلامية التي تمثل قمة الفوضي أعادت مصر إلي قرون مضت، فهذه ليست مصر التي قدمت للعالم العربي سلوي حجازي وليلي رستم وأماني ناشد وهمت مصطفي والأخوات الأتربي سهير وسامية، ونجوي إبراهيم وفريال صالح وسمير صبري وسناء منصور وسوزان حسن وفاطمة الكسباني وأحمد سمير ومحمود سلطان وزينب سويدان وسهير شلبي وأحلام شلبي ودرية شرف الدين وملك إسماعيل وسامية صادق وعبدالرحمن علي وفايزة واصف وفريدة الزمر وفايز الزمر وهند أبوالسعود وأحمد فراج وسعد لبيب.
وفي الإذاعة بابا شارو وأبلة فضيلة وفهمي عمر وآمال فهمي وطاهر أبوزيد وصفية المهندس وعلي خليل وكامل البيطار وأحمد سعيد وأحمد سالم ونادية توفيق ونادية صالح وجمالات الزيادي وفؤاد المهندس وعمر بطيشة وإيناس جوهر ونجوي أبوالنجا وصديقة حياتي ومحيي محمود وأحمد عبدالفتاح وآيات الحمصاني.
كل هذه الأسماء وغيرها صنعوا مجد ماسبيرو والإعلام المصري وأصبح لهم مستمعين وتلاميذ في كل أنحاء الوطن العربي، الآن أصبحنا أضحوكة العالم العربي ومصدر للسخرية بسبب التناول اللاإعلامي الذي يحدث وتغليب وجهة نظر مقدم البرنامج علي الخبراء في شتي المجالات، مصر التي كان يضرب بها المثل في الريادة والقدوة، أصبح يضرب بها المثل في الانهيار الإعلامي.
وإذا كان بعض الإعلاميين من المتواجدين علي الساحة يحاولون تحييد الدولة بكسب تعاطفها، فالدولة يجب أن تتدخل لحماية الوطن أولاً من تلك المهاترات، وثانياً حماية الشعب نفسه وإعادة الهيبة الغائبة، ما يحدث من تطاول وتبادل للشتائم والاعتداء علي كرامة المواطن علي الهواء مباشرة في ظل صمت الدولة، جعل هناك حالة من السخط، خاصة أن بعض الإعلاميين يحاولون دائماً التلميح بأنهم مسنودين.. وتلك هي الأزمة الحقيقية.. فما نشاهده لا يندرج بأي حال تحت بند حرية الإعلام.