عامان ونصف تقريبا يفصلان جماعة الإخوان المسلمين عن الخروج من حكم مصر ودخولهم في صراع مع الشعب المصري كله، ومع النظام السياسي الذي أفرزته تطورات حكمهم الكارثي، الجماعة التي لم تستطع تجاوز صدمة الخروج السريع من الحكم، أزالت التطورات داخلها محتدمة منذ تلك اللحظة، فبدءًا من اختيارها الدخول في صدام مفتوح مع الدولة المصرية بتنظيم أكبر اعتصام بشري في تاريخ مصر في أحد أهم ميادين مصر، في ميدان رابعة العدوية بالقرب من مثلث أماكن عسكرية هامة منها وزارة الدفاع والحرس الجمهوري وغيرها من مقرات أسلحة الجيش، فضلا عن اعتصام آخر في ميدان النهضة حيث تصورت الجماعة أنها قادرة على تعبئة الشعب كله ورائها، لكنها لم تنجح سوى في جمع كل أطياف الإسلام الحركي سلفيين وجهاديين وإخوان، حيث كشف خطاب مسرح رابعة هشاشة القشرة المدنية التي اختفت خلفها الجماعة.
وترددت شعارات ما يسمى بالثورة الإسلامية والمعركة الفاصلة بين الحق والباطل وتهديد الأغرار من الجماعة الإسلامية للشعب المصري على لسان أحدهم بأن سنسحقهم، فضلا عن دعاء أحد دعاتهم على الشعب كله ووسمه بالكفر والفسوق، انطلقت حملة الكراهية والتحريض على العنف وتوعد الدولة بالسيارات المفخخة والقنابل، وهو ما ظهر بعد ساعات من بيان 3 يوليو حيث اجتمعت مجموعات السلفية الجهادية وتعاهدت على القتال ضد الشعب والجيش والشرطة، ما ظهر في عمليات انطلقت فى سيناء والوادي والدلتا أعلنت جماعة أنصار بيت المقدس مسؤوليتها عنها، فى نطاق عملياتى واسع لا يتفق مع امكاناتها المالية والبشرية التي تعاظمت كثيرا بعد خروج الإخوان من الحكم.
ودارت عجلة العنف والعنف المضاد بين الجماعة والدولة، حيث ظهرت تشكيلات تدعى على استحياء تبعيتها للجماعة رافعة راية الثأر لشهداء رابعة وغيرها من المشاهد، ومع تنامي نزعة العنف وازدهار مشاهده بدأت تبرز نزعة العنف المؤجل داخل الجماعة، لتعلن عن مجموعات ضنك وولع وكتائب المقاومة الشعبية وكتائب حلوان والعقاب الثوري، ثم في الأخير بيانات عن الهيئة الشرعية لجماعة الإخوان وهي مفردة غريبة على الأدبيات المعروفة عن الجماعة، تبدو أقرب إلى أدبيات مجموعات العنف المسلح كداعش والقاعدة، حيث تحدث البيان وفصل مراحل خطة الإخوان فيما أسموه إسقاط الانقلاب. تحدث البيان عن ثلاث مراحل سموا الأولى النكايات على قدر الكفايات مرورا بتوازن الرعب وصولا إلى النزال والحسم.
كل هذه التطورات كانت تؤكد أننا بصدد تغيير فى توجهات وبينة الجماعة، وبروز واضح وسافر للعنف المستتر طويلا تحت أصباغ التقية السياسية التى نجحت فى إخفاء حضور العنف فى بنية الجماعة، وهو ما تأكد بإعلان الجماعة عبر متحدث سمى محمد منتصر أن الجماعة خيارها الاستراتيجى هو الثورة وهو المعنى الكودي للعنف المسلح، في رد على دعاوى السلمية المبدعة لمجموعة القيادة القديمة التي يمثلها محمد بديع ومحمود عزت ومحمود حسين، الذي أكد منتصر أنه لم يعد الأمين العام للجماعة، وأنه تم تعيين أمين عام جديد هو د محمد كمال، فضلا عن محاولة فك ارتباط المصريين بالخارج بالتنظيم الدولى واشهار مكتب جديد هو مكتب الإخوان المصريين بالخارج، لحرمان المجموعة القديمة من منابر الجماعة الإعلامية واشتراكات وأموال اخوان الخارج، وهو ما قبل به حسين مكرها قبل أن تتطور الأمور مؤخرا بالقبض على أعضاء لجنة إدارة الأزمة المحسوبة على القيادة الجديدة المسماة بمكتب فبراير 2014 فى اشارة الى تاريخ تشكيله.
ومن ثم وجد محمود حسين أن الفرصة باتت مهيئة لوقف انجراف الإخوان أكثر تجاه العنف خصوصا مع إعداد مجموعة محمد كمال لعمليات نوعية جديدة تتواكب مع الذكرى الخامسة لثورة يناير، الأمر الذي اعتبرته المجموعة القديمة ينذر بالقضاء التام على الجماعة وحصار حركتها فى العالم كله، لذا أصدر المكتب القديم قرارا بوقف محمد منتصر وتجميد عضويته والتحقيق معه في نشر أخبار كاذبة طوال عام بعد خروج محمود حسين على الجزيرة، ليؤكد أنه لازال الأمين العام وأن الهيكل القديم للجماعة لازال هو الهيكل الشرعى وهو ما نفته قيادات فبراير متهمة الرجل بالكذب.
ربما تبدو تلك التطورات هي الأخطر في تاريخ الجماعة ، لكن الأخطر أنها تنسف كل ثوابت الجماعة والصورة الذهنية التي حاول التنظيم تكريسها في وعي أفراده، أن الجماعة ربانية لاتعرف ما تعرفه الأحزاب السياسية من صراعات ، وهاهى القواعد من الإخوان تتابع على مدار الساعة التلاسن والشتائم التى تتبادلها قيادات الجماعة ورموزها، في تأكيد على أن تجربة الحكم فعلت الكثير، لكن أهم ما فعلته أنها أذابت أصباغ الجماعة التي أخفت بها وجهها طويلا، وتبدو نهاية الجماعة تنظيميا أمرا واقعا وهو ما يفتح الباب لتلاشي مقولاتها وانكشاف مشروعها بشكل لم تعرفه عبر تاريخها.
نقلا عن دوت مصر