الاستقرار والأمن قبل الديمقراطية
بقلم :أشرف عبد القادر
لماذا كل هذا الحقد على مصر؟ لماذا يشن المتأسلمون حملة شعواء ضد ترشيح جمال مبارك للرئاسة؟ لماذا تحارب جريدة "القدس العربي"-التي أصبحت بوقاً للمتأسلمين،بعد أن كانت منبراً حراً للمثقفين العرب الذين كنت أحدهم قبل طردي منها- و رئيس تحريرها الأستاذ عبد الباري عطوان مصر ورئيسها ونجله جمال مبارك؟ عبد الباري عطوان الذي لم يقل كلمة واحدة عن توريث بشار الأسد الحكم دون انتخابات تعددية،يفتح جريدته للنباح على ما يسميه بـ"توريث" الحكم. أولاً الرئيس مبارك سيترشح، وثانياً جمال مبارك،بعد عمر طويل لأبيه ،سيترشح مثله مثل أي مواطن مصري يحق له الترشيح حسب الدستور . كما قال د.سعد الدين إبراهيم :"وماله ما يترشح جمال مبارك ،أليس هو مواطن مصري؟ أم أن عيبه أن أبوه مبارك؟ من حق جمال أن يترشح، ومن حق الشعب أن ينتخبه أو لا ينتخبه" .[انظر مقالي "عن صفقة د.سعد الدين إبراهيم وجمال مبارك" المنشور في الحوار المتمدن بتاريخ 5/9/2010"].
لماذا لم تحدث نفس الضجة يا أستاذ عطوان عندما غير المرحوم حافظ الأسد الدستور ليتولى ابنه بشار الحكم؟لست ضد توريثه، معاذ الله،وقد نجح في ضبط الاستقرار في سورية وبعد مغازلة المتأسلمين تأكد اليوم أنه"ليس في القنافد أملس"كما قال هيجل فشرع يدافع عن علمانية الدولة السورية كما قال هو نفسه.
فالعلمانية هي مستقبل شعوب الأمة الإسلامية. ولماذا لم تقم مثل هذه البروبجندا ضد توريث سيف الإسلام القذافي ؟ ولماذا لم تقم نفس الحرب المسعورة ضد العقيد أحمد علي عبد الله صالح ونحن نعرف أن الرئيس على عبد الله صالح يعده لخلافته؟ .
يا أخي عبد الباري لماذا تكيل بمكيالين؟ أنا لست ضد توريث سيف الإسلام السلطة،وأتمنى على الله سبحانه أن ينجح في ضبط الاستقرار بعد والده.الاستقرار والتنمية هما المطلوبان اليوم سواء في الشرق الأوسط أو في العالم. فهل التوريث ،عند عبد الباري عطوان،والمتأسلم راشد الغنوشي في جريدته، فضيلة في سوريا وليبيا واليمن ورزيلة في مصر؟!.
مازلنا بعيدين عن الديمقراطية،وما أصدق د. بطرس غالي حينما قال"بيننا وبين الديمقراطية قرن من الزمان"،وأنا أكثر تفاؤلاً من د. بطرس غالى وأقول فقط ثلاثة عقود. لماذا؟.
لأن الديمقراطية لا تتوافق مع الفقر والجهل، فلابد أولاً من القضاء على الفقر بمشاريع تنموية لتحسين مستوى دخل الفرد،لأن أكثر من نصف سكان مصر يعيشون تحت خط الفقر،ولن يتم ذلك إلا بجذب الراسميل العالمية للإستثمار في مصر،و لن يتحقق هذا إلا في بلد آمن ومستقر،فالأمن والاستقرار مطلب أساسي قبل الديمقراطية. ولابد كذلك من القضاء على الجهل،بتغيير مناهج التعليم والإعلام وخطب الجمعة، التي أصبحت غير معاصرة لعصرها،وينبوعاً لثقافة الكراهية للأقباط والمرأة.
قبل الديمقراطية لابد من مساواة المرأة بالرجل في الحقوق الواجبات،والاعتراف لها بأن تترشح لجميع المناصب بما فيها الرئاسة،وأن يكون لها حصة منصوص عليها بالقانون وهي" النصف" في كل المجالات باعتبارها نصف المجتمع،حتى لا يعيش نصف المجتمع مشلولاً و عالة على نصفه الآخر.
قبل الديمقراطية لابد من مساواة غير المسلم بالمسلم في الحقوق الواجبات والاعتراف له بحقه في الترشح لجميع المناصب بما فيها رئاسة الدولة،وأن يترشح الشيعي في البلدان السنية لجميع المناصب بما فيها الرئاسة،وكذلك السني في البلاد الشيعة بما فيها منصب الرئاسة.
قبل الديمقراطية يجب فصل الدين عن الدولة وإرساء مبادئ العلمانية والمواطنة كما في تركيا المسلمة، لأنه لا توجد ديمقراطية بدون علمانية، والقضاء على أي تمييز بين أبناء الوطن الواحد، حيث يجب أن يكون"الدين لله ،والوطن للجميع" كما قال ابن مصر البار والأزهري المستنير وقائد ثورة 1919 سعد زغلول،وكذلك إلغاء خانة الديانة من بطاقة الهوية،وتنقية مواد الدستور من أي إشارة للدين.المرجعية العليا اليوم لم تعد الشريعة المتقادمة،بل حقوق الإنسان والمواطن،التي هي المرجعية العالمية العليا للتشريع في جميع البلدان المتحضرة.دين حقوق الإنسان هي اليوم الدين العقلاني لعصرنا ومن يكفر به يكفر بحقوق الله وبحقوق الإنسان.
الديمقراطية لا تأتي بين عشية وضحاها. ديمقراطية الغرب كانت مساراً تطورياً،فانجلترا بدأت مسيرة الديمقراطية في القرن الثامن عشر،وبعد أكثر من قرن أعطت للعمال والشعب حق الانتخاب،وقبل ذلك-أي لمدة أكثر من قرن- كان من له حق الانتخاب 2 في المائة فقط من شعبها،أي الأغنياء فقط،أو ما يطلق عليهم دافعي الضرائب.
فأي انتخابات ستجري الآن- ليس في مصر فقط،بل في أي بلد عربي- ستأتي بالمتأسلمين للسلطة ،وستكون انتخابات لمرة واحدة فقط،وبعدها العصا لمن عصى،وسيعلن محمد بديع نفسه أميراَ للمؤمنين،وراشد الغنوشي مستشاره الخاص،كما كان مع الترابي في سودان "بيوت الأشباح"التي "يغتصب شباب جبهة الإنقاذ الإسلامية النساء والرجال"كما قال وزير في حكومة الترابي آنذاك تظاهر بالذهاب للعمرة وطلب اللجؤ في السعودية.وستتحول مصر إلى إمارة إسلامية،ولن ترون إلا اللون الأسود،حيث النقاب والحجاب،وستكثر اللحي،وستحرم الموسيقى،والنحت،والرسم،والشيشة على النساء،كما تفعل اليوم "حماس"في سجن غزة الكبير،وستنصب المشانق لمفكري الإسلام المتنورين أمثال صديقي وأستاذي المستشار محمد سعيد العشماوي،ومربي الأجيال الأستاذ جمال البنا،ود.حسن حنفي ،ود.سيد القمني...إلخ،وسيحول بديع والغنوشي مصر المحروسة إلى إيران أخرى،ترجم فيها النساء بالآلاف،كما في إيران الملالي،أعداء المرأة والحياة.وكما في إيران سيحرم تدريس العلوم الحديثة، وتدريس أجيال الغد بدلاً منها"نواقض الوضوء،وفقه الحيض والنفاث،وكيفية غسل الميت"،وسيعلن "الجهاد"على العالم أجمع.وستصبح مصر صومال جديدة لا تسمع فيها إلا طلقات الرصاص وأنين ضحايا الجلادين المتأسلمين،كما في السودان بالأمس وفي إيران اليوم.
على النخبة المصرية بدلاً من أن تنبح على "توريث" جمال مبارك،كما قال المفكر طارق حجي أن تسعى لإصلاح التعليم،وخاصة الديني ،لأنه المفرخة التي تفرخ لنا الإرهاب،الذي يعلم أطفالنا منذ نعومة أظفارهم كراهية المرأة،والآخر المغاير[اليهودي والمسيحي] والحياة وغرائزها.المطروح على جدول أعمال الدول العربية اليوم هو إصلاح الإسلام عبر دراسته وتدريسه بعلوم الأديان،كما طالب بذلك أستاذ الأجيال العفيف الأخضر،وقد علمت أن رئيس الحكومة الجزائرية أحمد أويحي قال بعد أن قرأ حديث العفيف عن "إصلاح الإسلام عبر دراسته وتدريسه بعلوم الأديان":"إذا لم يتم إصلاح الإسلام بهذا البرنامج الدقيق فلن يقع إصلاحه أبداً".
فأنا أرحب بـ"التوريث" ليس فقط في مصر بل في كل الدول العربية،وليت شقيق الرئيس عبد العزيز بو تفليقة لم يمت حتى يرث حكم الجزائر من أخيه ،و أتمني على الملك عبد الله،ملك السعودية ،أن يورث الحكم لابنه، لأن الاستقرار ضروري للتنمية المستدامة ونحن بحاجة ماسة إليه الآن قبل الديمقراطية.
تحية خاصة لعادل إمام
تحية خاصة للفنان الكبير عادل إمام الذي قال فيه المعلق اللامع مختار الغزيوي في جريدة "الأحداث المغربية" انه"الزعيم حقاً" حيث صرح أن مصائب مصر آتية من التعليم الديني،وخاصة كراهية الأقباط.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :