لم يكن العرب قبل الإسلام فى جاهلية مطلقة كما يروجون، بل كانت لهم فضائل كما كانت لهم عورات ورذائل، انتقلت كلها معهم من فترة ما قبل الإسلام إلى ما بعده، واستمرت حتى تاريخنا المعاصر. ولم يكن حلف الفضول إلا فضيلة سنتها العرب قبل الإسلام واستمرت معه، ولم يكن الغزو والسبى والانقضاض على حق الغير إلا نقيصة سنتها العرب قبل الإسلام واستمرت معه أيضاً، كشكل لا يمكن الاستغناء عنه لضرورته الاقتصادية. لكن أن تتحول الفضيلة العربية القديمة إلى نقيصة فى عصرنا الحالى فهذا أمر جاهلى لا محالة.
تعالوا نتعرف على الحلفين لنرى من منهما على فضيلة ومن الآخر على نقيصة. الأول حلف الفضول قبل الإسلام (أطلقوا عليه حلف الفضول فى الجاهلية) يقال عن سبب نشأته إن رجلاً من اليمن قدم إلى مكة ببضاعة، فاشتراها منه أحد الوجهاء فيها ويدعى العاص بن وائل، وامتنع عن سداد الثمن لصاحبها، على أنه فى داره وبين أهله وعصبته التى تحميه.اشتكى الرجل اليمنى، العاص بن وائل لأشراف مكة فرفض الكثير منهم نصرته، بل أمعنوا فى إهانة الرجل اليمنى قرباً لصاحب الوجاهة فى قومه (العاص)، فصعد اليمنى جبل قبيس بمكة واستجار بأهل مكة وفضلائها لنصرته، وأفلح الرجل فى استمالة أصحاب المروءة فى صفه وأجبروا «العاص» على ردّ مظلمة الرجل، وقرروا عقد اجتماع طارئ فى مقر إقامة عبدالله بن جدعان بين القبائل (فتعاقدوا وتعاهدوا على ألا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس، إلا أقاموا معه، وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته) قالت العرب عن تسميته بحلف الفضول: لأنهم تحالفوا على أن يردوا الفضول إلى أهلها.. وقالت أيضاً لأن الثلاثة الذين وقعوا على الوثيقة اسم كل واحد منهم «فضل» وهم: الفضل بن فضالة، والفضل بن وداعة، والفضل بن الحارث، فالفضول جمع الفضل.
الحلف الثانى: حلف السنة ولا أعرف له اسماً حتى الآن غير هذا، وليس هناك صفة تجمع كل هؤلاء سواها، وهو حلف يتم تشكيله الآن بين الدول الإسلامية السنية لمحاربة الإرهاب الذى أعلنت السعودية عن تكوينه. وأعلنوا صراحة عن محاربة الجماعات الإرهابية بما فيها «داعش». ولعدم تحويل هذا التحالف إلى قتال بين الشيعة والسنة، فإن هذا التحالف الذى شكلوه يجمع دولاً سنية فقط، ولهذا لم يشرك التحالف العراق وإيران، والدول المشتركة فى هذا التحالف تضم أربعاً وثلاثين دولة تشترك فيما بينها فى سنية مذهبها، ويشترك الكثير منها فى فقرها وحاجتها وضعفها!! وأتساءل: وماذا عن الفصائل الإرهابية الأخرى التى تمولها دول خليجية، كجبهة النصرة فى سوريا التى تحارب بشار الأسد العلوى الشيعى؟ وماذا عن القاعدة السنية التى تحارب الحوثيين الشيعة فى اليمن؟ وماذا عن داعش ليبيا الذى تموله دولة تركيا ودويلة قطر ويمثل خطراً حقيقياً على مصر، والدول الثلاث يجمعهم تحالف واحد لمحاربة داعش؟! ولا أعرف لهذه المعادلة وهذا اللغز من حل!! كان أولى على دول التحالف أن يتفقوا أولاً على تعريف الإرهاب لمحاربته.. ولن يعرفوا الإرهاب!! لأن تعريف الإرهاب يعنى محاربة دول عربية لجماعات إرهابية تمولها بالمال والسلاح. وكان أولى بهم أيضاً قبل تشكيل هذا التحالف أن تقسم الدول الإسلامية على الكتاب الذى يجمعها أولاً، أن تمتنع عن تمويل الجماعات الإرهابية بالمال والسلاح.. ولن يقسموا.!! هذا التحالف المزعوم موجه لصراع سنى شيعى لا يمكن السيطرة عليه. كيف يمكن محاربة الدواعش فى العراق فى خندق واحد مع كتائب الشيعة، وكيف نحارب الحوثيين الشيعة فى اليمن بالقاعدة السنة والتى نحاربها فى الشمال؟ وكيف ندعم دواعش ليبيا ونحاربها بجانب الجيش المصرى؟ كيف يمكن هذا دون صدام سنى شيعى لا محالة.
فى حلف الفضول قبل الإسلام وفى الجاهلية، كما يروجون، كان قائماً على رد المظلمة لأصحابها من وجهاء وشرفاء القوم للبسطاء والغرباء وهذه فضيلة الجاهلية. فهل حلفنا يرد المظالم إلى أهلها؟ حلفنا هذا قائم لتحويل الخلاف المذهبى بين الشيعة والسنة إلى حرب وقتال بين المذهبين، وإشعال حرب كانت جذوتها تحت الرماد منذ أكثر من عشرة قرون. فهل حلف الفضول فى الجاهلية أثار نعراتها؟ هذا هو الفرق بين فضيلة عهد ونقيصة عهد، وهو الفرق بين رد مظلمة الضعفاء من الأقوياء، وبين نفاق الأقوياء على حساب الضعفاء.. اللهم سترك.
نقلا عن الوطن