الأقباط متحدون - أردوغان وحماقته الثانية فى العراق
أخر تحديث ١٨:٢٦ | الخميس ١٧ ديسمبر ٢٠١٥ | ٧ كيهك١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٧٩ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

أردوغان وحماقته الثانية فى العراق

مكرم محمد أحمد
مكرم محمد أحمد

ارتكب السلطان التركى رجب طيب أردوغان حماقة ثانية استهدفت العراق هذه المرة بإرساله قوة عسكرية تساندها الأسلحة الثقيلة، رابطت فى معسكر بعشيقة قريباً من مدينة الموصل التى لا تزال تحتلها داعش، قبل أن يتمكن من إزالة آثار إسقاط الطائرة الروسية سوخوى أو ينجح فى تهدئة عاصفة الغضب الروسية التى أنزلت به عقاباً قاسياً، قلص حجم تجارة تركيا مع روسيا الذى تجاوز 30 مليار دولار فى العام، وحرم تركيا من عائدات سياحة أكثر من 3 ملايين روسى كانوا يزورون تركيا، ودفع الرئيس بوتين لأن يعيد النظر فى مشروع مد أنبوب تصدير الغاز الروسى إلى أوروبا عبر الأراضى التركية، فضلاً عن الاحترازات العسكرية التى مكّنت روسيا من نشر صواريخ إس 400 على مسافة أميال محدودة من الحدود التركية، وتسليح الطائرات الروسية التى تعمل فى المجال الجوى السورى بصواريخ ذكية تمكنها من الدفاع عن نفسها!

ولا يبدو واضحاً لماذا ارتكب أردوغان هذه الحماقة الجديدة قبل أن يتمكن من تصفية خلافه مع موسكو التى تصر على استمرار عقابه، لكن يبدو أن الحافز الأساسى على ارتكاب هذه الحماقة الجديدة رغبة أردوغان فى تعويض الإهانة التى لحقت به من جرّاء حادث إسقاط الطائرة الروسية، والهرب إلى الأمام بتعزيز وجوده العسكرى قريباً من مدينة الموصل ثانى مدن العراق، ليجد نفسه فى مواجهة جديدة مع حكومة بغداد، وخلاف عميق يكاد يصل إلى حد الصدام مع إيران التى تعتبر الخطوة التركية عدواناً على مجالها الحيوى فى العراق.

ولأن العراق فى ظروفه الراهنة التى تجعله مشغولاً بالحرب على داعش لا يملك الرد العسكرى على عمل أردوغان الاستفزازى الذى يهدر سيادة العراق ويتعارض مع أحكام القانون الدولى، لجأ رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى إلى الأمم المتحدة، يطلب عقد جلسة خاصة لمجلس الأمن للنظر فى العدوان التركى، واستصدار قرار تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة بسحب القوات التركية فوراً، بينما يشتعل غضب العراقيين الذين يرون فى اجتراء القوات التركية على غزو بلادهم إشارة جديدة إلى أن مخطط تقسيم العراق إلى دويلات ثلاث لا يزال يعمل! ويتسع لأطماع تركيا القديمة فى اقتطاع مدينتى كركوك والموصل الغنيتين بالبترول والسيطرة عليهما، بدعوى أنهما كانتا تحت السيادة التركية قبل أن يتنازل عنهما مصطفى كمال أتاتورك إلى العراق، وتعلن قوات الحشد الشعبى التى تضم كل ميليشيات الشيعة فى العراق (400 ألف مقاتل) اعتبار القوات التركية قوات غزو وعدوان يتحتم العمل على طردها، بعد أن أعلن آية الله السيستانى، المرجعية الأعلى لشيعة العراق، غضبه من العدوان التركى، مطالباً حكومة بغداد فى خطاب علنى تُلى فى النجف الأشرف بتحمل مسئولية حماية سيادة العراق وعدم السماح لأى طرف بالعدوان عليها. رفضت حكومة العراق ادعاءات أنقرة بأن الهدف من وجود القوة التركية فى معسكر بعقيشة قريباً من الموصل هو تدريب قوات البشمرجة التابعة لكردستان العراق على القتال تمهيداً لمعركة تحرير مدينة الموصل، فى إطار رفضها المعلن لوجود أى قوات برية أجنبية على أراضى العراق تحت دعاوى الحرب على داعش بما فى ذلك القوات الأمريكية، لاعتقادها أن الجيش العراقى المنخرط الآن فى معركة تحرير مدينة الرمادى ويكاد يسطر عليها بعد أن حرر معظم أحيائها هو المنوط به مهمة تحرير الأرض العراقية، ويدخل ضمن خططه تحرير مدينة الموصل بعد معركة الرمادى.

وما من شك أن هاجس تقسيم العراق الذى يسيطر على الرأى العام العراقى كما يسيطر على حكومة بغداد هو السبب الأول لرفض العراق وجود أى قوات برية على أراضيه دون موافقته وضد إرادته السياسية. وإذا كان الروس قد كشفوا بالوثائق فى ظل غضبتهم الشديدة على تركيا، وقدموا الأدلة الدامغة بالصوت والصورة على علاقات التواطؤ بين داعش والرئيس التركى رجب طيب أردوغان، سواء فى عمليات تمرير الأسلحة والمقاتلين الأجانب عبر الحدود التركية إلى سوريا، أو فى تسويق بترول داعش المسروق من حقول النفط العراقية والسورية عبر الأراضى التركية، ومن خلال وسطاء أتراك على رأسهم بلال ابن الرئيس التركى أردوغان وصهره الذى عُين أخيراً وزيراً للبترول، فإن العراقيين من تجربتهم الطويلة مع الأمريكيين يعرفون يقيناً أن الغزو الأمريكى للعراق لم يكن دافعه الحقيقى الحرب على الإرهاب، لأن العراق لم يتواطأ فى كل تاريخه مع أى من منظمات الإرهاب، ويعرفون يقيناً أن تدمير الدولة العراقية وتفكيك الجيش العراقى الذى أنجزه بريمر أول حاكم أمريكى مدنى للعراق تم لحساب إسرائيل كى تصبح القوة المهيمنة على الشرق الأوسط، ويعرفون يقيناً أن داعش صناعة أمريكية، ويملكون العديد من الأدلة على صدق هذا الاتهام!

وربما لا ينسى العراقيون إثباتاً لعلاقة التآمر الوطيدة بين أردوغان وداعش ما حدث بعد أيام محدودة من استيلاء داعش على مدينة الموصل، عندما اعتبرت داعش كل الأجانب فى المدينة رهائن يستحقون عقابها، باستثناء أعضاء القنصلية التركية فى الموصل الذين أفرجت عنهم داعش فوراً، وأحاطتهم بالرعاية والاحترام إلى أن وصلوا إلى أنقرة. وما يزيد من شكوك العراقيين فى الدور المزدوج الذى يلعبه أردوغان قبوله الآن إغلاق حدود بلاده فى وجه المهاجرين السوريين الذين يدقون أبواب أوروبا فراراً من جحيم الحرب الأهلية، لقاء ثلاثة مليارات يورو منحة أو رشوة من دول الاتحاد الأوروبى، بينما كان أردوغان يفتح الحدود التركية على مصاريعها للمتطوعين من أصول إسلامية المقبلين من كل فج أوروبى، يعبرون الحدود التركية فى أمان إلى سوريا كى يحاربوا إلى جوار داعش! ومع الأسف يقامر أردوغان الآن على عدائه للمصريين والسوريين والعراقيين الذى يشكلون غالبية الشعب العربى، فضلاً عن عدائه لكل مثقف ومواطن عربى يرى فى جماعة الإخوان المسلمين خطراً على أمن بلاده وهويتها، مكتفياً بعلاقاته مع السعودية لموقفهما المشترك من بشار الأسد، وعلاقاته المتجددة مع إسرائيل بعد المصالحة التى جرت أخيراً ورفعت مستوى التمثيل الدبلوماسى بين البلدين. وأظن أنه يعرف جيداً الأسباب التى أدت إلى تبدُّل صورته فى الرأى العام العربى بعد أن كاد يصبح بطلاً قومياً فى مؤتمر دافوس لرفضه الحوار مع شيمون بيريز، ليصبح الآن مداناً بتدمير الدولة السورية والتحالف مع جماعة الإخوان المسلمين ضد مصالح الشعب المصرى وأمنه، والتواطؤ فى مشروع تقسيم دولة العراق، وغلق حدود بلاده فى وجه المهاجرين السورين الفارين من جحيم الحرب الأهلية فى عمل مأجور نظير إتاوة أوروبية متناسياً كل القيم الإنسانية! لكن يبدو أيضاً أن أردوغان أدمن إخفاء شخصيته الحقيقية خلف غطرسته الكاذبة التى تكشّف زيفها الآن وهو يستعطف الروس بعد حادث إسقاط الطائرة سوخوى فى عمل أحمق، كبّد تركيا خسائر ضخمة يتجاوز حجمها 6 مليارات دولار حتى الآن!

لقد كان الكثيرون يأملون فى أن يتعلم أردوغان من تجربته القاسية فى الانتخابات البرلمانية الأولى، ويصحح أخطاءه فى الداخل والخارج، عندما فشل حزبه فى الحصول على الأغلبية بسبب مواقفه، لكن الواضح أن نجاح أردوغان فى الحصول على الأغلبية فى الانتخابات المبكرة التى جرت أخيراً، زاده عجرفة وصلفاً وإصراراً على أخطائه القديمة رغم أن تركيا دفعت ثمناً باهظاً لنجاحه الأخير، أدى إلى استقطاب حاد قسم البلاد إلى نصفين، نصف يوالى أردوغان حرصاً على الاستقرار والاستمرار، والنصف الآخر يكرهه حتى العظم ويخشى من أن يقود البلاد إلى ديكتاتورية جديدة، تتجسد فى عدائه الواضح لحرية التعبير وحملته الشعواء على حرية الصحافة واعتقاله لعشرات الصحفيين، كما تتجسد فى إصراره على أن يكون وحده صاحب القرار الأول والأخير، لا يستمع إلى مشورة أحد بمن فى ذلك رئيس وزرائه! وبعد أن كانت تركيا وصلت إلى صفر مشاكل مع كل جيرانها، أصبحت الآن فى حالة عداء شديد مع كافة الجيران، سوريا والعراق وقبرص واليونان، وقبل هؤلاء جميعاً روسيا التى ترفض تخفيف الضغوط عنه، وتستمر فى حصاره كى تقلص آثاره الشريرة على الجبهة السورية، كما يسود التوتر الشديد علاقاته الإقليمية بكل من مصر وإيران، وحتى داخل معسكر أصدقائه فى حلف الناتو يتوجس البعض خوفاً من حماقات الرئيس التركى، ويرفض بإصرار مشروعه لإنشاء منطقة عازلة شمال سوريا، هدفها الحقيقى تدمير الدولة السورية وإفشال جيشها الوطنى.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع