الأقباط متحدون | " صار عمري ثلاث سنين"
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٦:٤١ | الاربعاء ١٦ ديسمبر ٢٠١٥ | ٦ كيهك١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٧٨ السنة التاسعة
الأرشيف
شريط الأخبار

" صار عمري ثلاث سنين"

الاربعاء ١٦ ديسمبر ٢٠١٥ - ٠٧: ١١ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

 بقلم : زهير دعيم
" ما أغلى من الولد الّا ولد الولد" .. مثل قاله الجدود وقرأته وأنا في ريعان الشّباب وكنتُ ما زلتُ  حينها أبًا  " طازجًا "، فضحكتُ من باب السُّخرية، وقلتُ:  إنّه مجردُ مثل وضريبة كلاميّة لا اكثر ، فنحن الشرقيين نغالي ونبالغُ فالأبنُ أغلى بما لا يُقاس .

نعم،  إنّه  مَثَل ليس اكثر ،هشّ المعنى ، فارغ المضمون  ، لذا رحْتُ ازرعُه بالشّكّ وأرويه بالرَّيْبة ، فاصفرَّ ولم يثمرْ  وظلّ  نسيًا منسيًا قابعًا في سرداب ذاكرتي الى أن جاء ذاك اليوم ،اليوم الشتائيّ الجميل ، وجاءَ معه زُهير يرفلُ بالبراءة ؛ جاء قبل ثلاث من السّنين  يتلفّع بالمرح ، ويزقزق على شرفتي طول النهار، زقزقة  عذبة  ونغماتٍ جذلى تأخذني الى دنيا الأحلام ومرابع الآمال. 

جاء فزرعَ ربوعنا سنابلَ خيرٍ ولوّنَ نفوسنا  بقوس قزح مثقل بالبسمات، فكلّ حركة منه قصّة جميلة ، وكلّ بسمة قصيدة غزَل ، وكلّ " زناخة"  سيمفونيّة غَنَج ، حتّى البكاء الذي كنت أمقته أضحيت أحبّه منه ومن خلاله.

أحببتُ عنادَهُ وعفويته وعفرتته ، فقلَبَ البيت رأسًا على عقِب ، وكسّر وهشّم وأنا اضحكُ في حين تروح جدّته تلومُه وتلومني وتتهمنني " بتدليعه" .
رافقته خطوةً خُطوة، ينمو على مهل ويكبر  خليّة خليّة ، يتعرّف على الدُّنيا من حوله ، يتحسّس كلَّ شيء، يناغي ويحبو ويمشي تارة ويقع أخرى  فيبكي، فيقع قلبي معه .

غافلني مرة وأنا ارتشف قهوتي الصباحيّة  فلمس بأنامله الطريّة الناعمة  ركوة القهوة السّاخنة ، فلسعته،  فانهمرت الدّموع من عينيه وظلّ يكفكف الدمع الى ان نام والحزن  يعتصر قلبي ، ومنذ ذاك الوقت  والركوة الساخنة تتمتع بالحريّة  والطمأنينة على صينيّتي.
وكثيرًا ما أرفعه بيديّ وأقذف به الى فوق ،  الى الفضاء ، فيروح يضحك في خوف وسرعان ما يحطُّ على يديّ وكتفي معانقًا : كَمان ... كَمان  وهو يقصد افعلها ثانيةً.

راوية جميلة خيوطها مرح وحبكتها محبّة وزمانها في كلّ وقت ، كتبها  محبّ الأطفال يسوع   فوق دفتر ايامي، كتبها روايةً يعجز أن يأتي بمثلها شكسبير او يجاريها دستويفسكي .

ويعود المثل إيّاه يطفو من جديد فوق ذاكرتي " ما أغلى............... "

فأضحكُ وأستميح اجدادي ألف عذر ، فقد ظلمتهم متّهمًا إياهم بالرُّجوعيّة والشَّطط،  وجلَدتهم بسوطي الوقح ..

كان حريٌّ بي أن اتريّث ، أن انتظر لأجرّب ، فالتجربة أفضل برهان

وقد جرّبت ؛ جرّبْتُ مرةً أخرى حين حطّت قبل سنة ونصف  قدما حفيدي الثّاني" آدم" الجميل ذي الشَّعر الأشقر والبسمة الوضيئة عتبة الحياة ، وعتبة بيتنا ، وتأكّد لي ان أمثالنا العاميّة لم تأتِ من فراغ ، بل من تجربة وحسٍّ مرهف.

أذوب حبًّا بكلمة : سيدو ... سيدو
وأقهقه عاليًا حين يُذنب حفيدي  فيصرخ ابوه في وجهه فيركض ليحتميّ خلفي.. سيدو سيدو مقتنعًا أنّني القادر على كلّ شيء ، حامي الحمى ، مُحرّك الكون بإصبعه ، فيرمق أباه بنظرة لا تخلو من شماتة ،فأهبّ لنجدته زاجرًا  ذاك " الغاضب"  "المعتدي" رغم علمي انّني أفعل الخطأ أو بعضه.

حُلمٌ جميل ، مُعطّرُ الثنايا والحنايا ، أتمنّاه أن يدوم ، وأتمنّاه لكلّ انسان ، فإنّه الجائزة الكبرى العابقة بأريج السعادة وهدأة البال ؛ الهدية القادمة من بعيد ، من لَدُن السّماء.

سيدو ... سيدي ... الكلمة الأجمل والأحلى بعد الله.

زهير وآدم كم أنا محظوظ بكما!




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :