الأقباط متحدون - أهم أفكار 2015: «سجناء الجغرافيا» (1)
أخر تحديث ١٩:١٤ | الاربعاء ١٦ ديسمبر ٢٠١٥ | ٦ كيهك١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٧٨ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

أهم أفكار 2015: «سجناء الجغرافيا» (1)

سمير مرقص
سمير مرقص

(1)
متعة حقيقية أن يتابع المرء إصدارات دور النشر الأوروبية. بداية من الأغلفة المتميزة، إلى العناوين التى تشدك لاكتشاف ما وراءها، مرورا بمنهجية الكتاب وفصوله. فلم يزل الإصدار الورقى له قيمته رغم التطور المطرد بالإعلام الرقمى. والأهم هو الجدة والجدية فى القضايا التى يتم تناولها والتى تنم عن حيوية فكرية لمجتمعات حية. حيث لا توجد ـ قط ـ «إجابات نهائية وإنما هناك تساؤلات دائمة»...

(2)
وفى آخر رحلة لى الشهر الماضى، وكما هى العادة، ذهبت لمتابعة أحدث الإصدارات فى عدد من مكتبات عاصمة الضباب لندن. ووجدت إلى أى مدى يبدع العقل الإنسانى فى العالم المتقدم. فكل موضوع قابل للمراجعة وإعادة التفكير فى ضوء تأصيل معتبر. قضايا: اللامساواة والعدالة الاجتماعية لاتزال تحظى باهتمام كبير. والتنمية المستدامة وتنمية المجتمعات الفقيرة تحتل اهتماما كبيرا ومراجعات فى غاية الأهمية. كذلك وبمناسبة مرور مائة سنة على الحرب العالمية الأولى، من جهة، و70 سنة على نهاية الحرب العالمية الثانية، من جهة أخرى، هناك عديد من المجلدات التى تتناول تاريخ القارة الأوروبية والعلاقة البينية بين دولها، والعلاقة بينها وبين غيرها، ونقد الاستراتيجيات الكونية فى الماضى والحاضر والمستقبل،... إلخ. لذا حظى 2015 بتداول الكثير من الأفكار المهمة التى يجدر بنا الاطلاع عليها.

(3)
من هذه الأفكار، ما جاء بكتاب «سجناء الجغرافيا: 10 خرائط تجيب عن كل ما تريد أن تعرفه عن السياسات الكونية» الراهنة؛ لتيم مارشال أحد المراجع المهمة فى مجال العلاقات الدولية. يكشف مارشال عن أسرار الجغرافيا السياسية التى تحرك السياسات الخارجية للعديد من الدول. أو ما يطلق عليه «حديث الخرائط». ذلك لأنه بغير فهم الجغرافيا لا يمكن إدراك الصورة الكاملة ومن ثم تفسير تحركات الكثير من الدول وخيارات ساستها. وينطلق مارشال من فكرة أن جغرافيات الدول ـ تاريخيا ـ هى التى حددت مسالكها لكثير من أجزاء العالم. ولايزال هذا الأمر حاكما ثم لم تزل الدول وساستها «أسرى/ سجناء الجغرافيا». ويعود مارشال فى بحثه للتاريخ مقارنا بما يحدث فى وقتنا الراهن، تارة. ويتوقف، تارة أخرى، عند بعض المواضع الهامة من: أنهار، وجبال، وبحار،...إلخ، ليلقى الضوء على أهميتها فى تحديد الجغرافيات الجديدة والنزوح السكانى إليها ومنها عقب الحروب وأسباب تلك التحركات. ونظرا لاتساع الموضوع فلقد اختار الباحث أن يركز بحثه على القوة الكونية الراهنة وعلى المناطق الحيوية فى العالم. وليس على كل دولة على حدة.. لذا قسم كتابه الذى يقترب من 300 صفحة، إلى 10 فصول مقاربا القوى والمناطق التالية على الترتيب: روسيا، الصين، الولايات المتحدة الأمريكية، أوروبا الغربية، القارة الأفريقية، الشرق الأوسط، الهند وباكستان، كوريا واليابان، وأمريكا اللاتينية، ومنطقة القطب الشمالى.

(4)
فى هذا السياق، يشرح المؤلف تصورات روسيا لنفسها على مدى المائة عام القادمة من تحركات، وامتدادات، وتحالفات، ومد خطوط نفط وغاز، وإعادة رسم للحدود. ما يفسر التشدد «البوتينى» تجاه أوكرانيا والقرم،... إلخ. كذلك رؤية الصين الحاسمة تجاه حدودها ونظرتها لبحر الصين الجنوبى وأنه مثل أهمية الكاريبى لأمريكا مطلع القرن العشرين. وتخطيطها العسكرى والتقنى والسياسى لتكون «القوة العظمى لمحيطين: الهادى والهندى». وما يستلزم ذلك من استثمارات فى موانئ: بورما، وبنجلاديش، وباكستان، وسريلانكا. وبالطبع تحتاج هذه الاستثمارات إلى قدرات صناعية وتقنية متقدمة. ما يعنى ضرورة توفر موارد طبيعية متنوعة. وعليه تتحرك الصين فى اتجاه أفريقيا لضمان استمرار ضخ الموارد الطبيعية المطلوبة. وفى المقابل تبنى الصين السكك الحديدية فى أنجولا، والموانئ فى كينيا، والسدود فى إثيوبيا، وتحصل على النفط من السودان،... إلخ. أما عن أمريكا فإنه رغم الكثير من المعضلات الداخلية الأمريكية فإن الرب ـ بحسب ـ بسمارك، لم يزل يعطى عناية خاصة بها. فالولايات المتحدة الأمريكية فى مرحلة إعادة حسابات استراتيجية هادئة مع جميع الفرقاء. ومصدر الهدوء، أنها باتت مكتفية ذاتيا فى مجال الطاقة. ما يتيح لها أن يكون لديها فائض مالى تخصصه للبحث والتطوير والاختراع فى شتى المجالات وبخاصة المجال العسكرى، ما يتيح للولايات المتحدة الامريكية أن يستمر تفوقها وأن تحدد مساراتها الجغرافية بكل مرونة.

(5)
أما عن منطقتى الشرق الأوسط وأفريقيا. فلقد تناولهما المؤلف من منطلق أنهما منطقتان «مفعول بهما». فاللاعبون من خارج المنطقتين، لتغيير خرائطها كُثرٌ. فعلى الرغم من رياح التغيير التى عبرت بهما إلا أن الواقع مرير للدرجة التى يقر فيها الباحث بأن «سايكس ـ بيكو» تاريخيا قد انتهت. وأننا بصدد خرائط جديدة. وعلى الرغم من أن ما هو ظاهر الآن هو أن الحدود الجديدة ترسم بالدم إلا أن المؤلف لا يفقد الأمل بالناس على الأرض. فربما إذا استنفرت الإرادات الوطنية، قد يكون لها نصيب فى رسم خرائطها المحلية. فتأتى لتُعبر عن أحلامهم، ورغباتهم، وأمانيهم، واحتياجاتهم، بما يتناسب مع واقعهم....

(6)
«سجناء/ أسرى الجغرافيا» كتاب متميز يحمل الكثير من الأفكار، والمعلومات، والتصورات، الثمينة، والمعتبرة. كما يعكس سخونة التفاعلات الكونية ومدى تعقيدها وتداخلها... أظنه جديرا بأن نلقى الضوء عليه.. ونواصل...
نقلا عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع