نبيل المقدس
يمر يوميا في حوالي الساعة 12 ظهرا علي مكان عملي , شاب يحييني بإستمرار ذاهبا إلي مكان عمله حيث يعمل في المعمار كنَقّاش عند اللزوم لدي زبائن في منطقة حدائق القبة . وكان يعجبني فيه تحمسه كشاب لثورة 30 – 6 .. و كان اكثر الشباب تحمسا لنظام السيسي , وأكثر الشباب كرها للجماعات الإرهابية , وكان من ضمن الشباب الذين قادوا وشجعوا جماعات كثيرة من سكان المنطقة لإنتخابات الرئاسة والدستور .. وكان دائما بشوش الوجه , و مملوء بألامل , و مقتنعا بسياسة الدولة التي تتركز في تصرفات وسلوك وخطط الرئيس السيسي .. وكان عندما يمر عليّ وانسي وضع علم مصر علي واجهة المحل كان ينبهني دائما لرفعه , لدرجة أنه يدخل أحيانا المحل بنفسه ليأخذه ويرفعه بجانب يافطة المحل .. ويضحك قائلاً لي : "أوعي يابشمهندس فِكرك يتغير " .. أرد عليه وأقول له فَشَـرْ وحياتك ... وكان سلامه دائما لي " تحيا مصر " ثم يأخذ بعضه .. ويمر عليّ مرة اخري في أوائل الليل بعد ما ينهي عمله اليومي .
المشكلة في هذا الشاب انه عامل "أرزقي" .. يعني اسبوع شغل , وممكن أسبوعين بدون شغل .. وجدته في الشهر الأخير او أكثر واقف علي الرصيف بيدخن سيجارة .. فتكلمت معه لكي أسال عن غيابه فترة طويلة عن المرور بالمحل .. فوجئت أنه ليس الشاب الذي عودني أن أراه يوميا تقريبا .. قلت مالك يا إبني ؟؟ وجدته يسب ويلعن في هذا العهد , وقال لي مافيش شغل يابشمهندس .. قلت له : أنا الذي أعرفه أن الشغل كثير نوعا وخصوصا تخصصك كنَقْاش مطلوب .. وفعلا فقد تقابلت مع غيرك وعلمت بهذا . فعرضت عليه ان يحاول ويجرب ويقدم في شركات المقاولات الموجودة في المناطق التي حَظَتْ بمشاريع كبيرة .. فهي في اشد الحاجة اليكم , من المؤسف قال لي : أنا لا يمكن أقدم في شركة مقاولات .. انا أسطي قد الدنيا .. قلت له أكيد هناك عندما تُظهر لهم مهاراتك في العمل سيعطوك لقب أسطي .. رد عليّ : بصراحة مشاريعهم في مناطق بعيدة وخارج القاهرة يا باشمهندس .. أصرف مواصلات رايح جاي بنصف المرتب !! .. قلت له الذي اعرفه لديهم أوتوبيسات .. وفيه بعض المشاريع أقامت مساكن خاصة كاملة بالأمكانيات والحاجيات الشخصية للفرد بالقرب من المشروع .. قال لي : كل شركة عايزة شهادة خبرة او شهادة تدريب , و"عليهم كمان (شهادة الفيش والتشبيه ) وانا ماحبش استخرجها ليكون فيه حاجة كده ولا كده " ... طبعا تبريرات فارغة غير مقنعة لشاب يحاول الهروب من الواقع .
هذه عينة بسيطة من شباب اليوم .. يقول لي هذا الشاب بالرغم ان تعليمه ثانوية صنائع .. احنا اتعشمنا في القناة السويس الجديدة .. تسمح تقول لي يا بشمهندس , فلوس قناة السويس بتروح فين بعد ما زادت عدد السفن العملاقة المرور فيها .. ؟؟ من هنا وصلت إلي السبب الذي يجعل بعض شباب 30 – 6 يبتعد عن الخط . فنحن فعلا افرطنا عن طريق الميديا والتصاريح ان مشاكل مصر سوف يتم حلها بمجرد الإنتهاء من تنفيذ القناة الجديدة .. تصور الشباب أنهم سوف يذهبون إلي بورسعيد أو السويس يتلقون الأموال التي سوف تُلقي عليهم بعد كل سفينة تمر من بورسعيد إلي السويس أو العكس . " طبعا هذا تشبيه شخصي يعبر عن مدي الإفراط في النتائج الإيجابية والسريعة بشق قناة السويس الجديدة ..!! " طبعا من الصعب أن اقنع شاب وصل عمره 40 عاما أن هناك التزامات علي الدولة غير مصاريف المشاريع الجديدة .. !!
وجدني اظهرت شيئا من الإمتعاص وعدم الرضا عنه .. فحاول يرضيني بكلام أخر .. لكنه فعل كالدبة التي حاولت إبعاد الذبابة عن انف صاحبها النائم تحت الشجرة فألقت حجرا علي وجهه .. هكذا كانت كلماته إذ قال لي : شوف يابشمهندس لو إشتغلت في شركة " هبقي مضطر أصحي بدري .. زي ما أنت عارف أنا أنزل الشغل في الساعة اللي أنا عايزها .. ولو زهقت من الشغل أترك عِدتي وآجي علي البيت " .. يعني مافيش حد يقول لي اتأخرت ليه ؟؟ أو مزوغ ليه ؟؟ . مش معقول يا بابشمهندس بعد العمر ده كله أبقي مربوط بعمل . قلت له : إجعل أخاك الصغير يقدم في إحدي الشركات ويمكن ربنا يكرمه بشغله .. رد عليّ : أخويا مايقدرش يسيب القهوة زي ما انت شايف .. هو عاوز شغلة علي مكتب يشتغل في الحسابات وجانبه الشيشة .. أصله خريج كلية تجارة وعايز يشتغل في تخصصه . قلت له ما يروح يقدم في الشركات والحكومة كانت عارضة 30000 وظيفة مافيش حد اتقدم .. خليه يجرب .. فرد عليّ , أخويا روحه وحياته في الشيشة يا بشمهندس ..!!
أخذت نفسي داخل المحل وأفكر في هذا النِقاش مع هذا الشاب النَقّاش .. وهو عينة من عينات كثيرة من الشباب اليوم .. الكثير منهم يشتكون من عدم وجود أعمال .. لكن لو حاولوا البحث بخروجهم من صندوق سكنهم سوف يجدون أعمال .. !
و هناك مثال أخر لشاب خرج من صندوق موطنه بأسيوط .. حاصل علي دبلوم نجارة .. جاء إلي القاهرة وعمل في مسح الأحذية .. هو ايضا يمر علي المحل في اليوم أربع خمس مرات .. سألته : لماذا تركت بلدك أسيوط وأرضك وأتيت إلي القاهرة ؟؟ لماذا لم تتقدم في إحدي الشركات لتجد عملا وخصوصا كما عرفتني إنك نجار مسلح .. قال لي : أنا كده مرتاح , أحمل صندوق عدتي وأمر علي القهاوي والمحلات يوميا .. اطلع في اليوم بـ 80 جنيه في اليوم .. من غير تعب ولا مجهود .. قلت له هذا عظيم لكن مصر لم تعلمك لكي تعمل ماسح أحذية .. قال لي وبنفس فكر النَقْاش .. أنا كده يا حاج أحب العمل الذي يجعلني غير مقيدا .
نحن نريد ثورة علي هؤلاء الشباب .. وهذه مسئولية وزارة الشباب وجميع مؤسسات الدولة المعنية . وانا أري ان هناك طربقة واحدة لحل هذه المشكلة .. تقوم الحكومة إجباريا بتجميع هؤلاء الشباب وتصنيفهم نسبة لتخصصاتهم ومستوي تعليمهم وسنة تخرجهم .. وإعطاء لكل واحد منهم رقم تعيين .. ويتم توزيعهم علي الشركات التي تحتاج إلي عاملين أو موظفين .. فيتم تجنيد مَنْ جاء دوره إلي هذه الأعمال الشاغرة ... وخصوصا ان الشباب يتهم الحكومة أن الأعمال الشاغرة لأفراد تبعهم أي "بالوساطة " ..!
اناشد الرئيس .. علينا ان ننقذ مص هؤلاء الشباب والتسريع في تشغيلهم إجباري .. تجنبا ليصيروا قنابل موقوتة .. تنفجر فجأة كاسحة كل الأعمال التي تم تنفيذها أو التي تحت التنفيذ ... علي الحكومة ان تحتضن هؤلاء الشباب العنيد لكي لا يتحول إلي فرق داعشية .. ويبقي عوضنــــــــا علي مصــــــــــر ..!!