شيخ التربويين
بقلم/ماجد كامل
خرجت علينا الصحف المصرية يوم 10 ديسمبر 2014 بخبر حزين هو وفاة شيخ التربويين الاستاذ الدكتور حامد عمار ( 1921- 2014 ) وهو الرجل الذي اثري المكتبة التربوية بالعديد والعديد من الدراسات التربوية الرائدة . ولقد ولد راحلنا العظيم في 25 فبراير 1921 بقرية سلوا ؛وهي تقع في منتصف المسافة بين بندر اسوان وبندر أدفو ؛ التحق بكتاب القرية وهو في سن السادسة من العمر ؛ وتمكن في خلال ثمانية عشر شهرا أن يتعلم مباديء القراءة والكتابة ؛ثم التحق بالمدرسة الالزامية في ادفو عام 1926 ؛ثم انتقل الي مدرسة اسوان الابتدائية في العام الدراسي 1928- 1929 ؛وتدرج في مراحل التعليم المختلفة حتي حصل علي شهادة البكالوريا عام 1937 ؛ وكان ترتيبيه السادس علي القطر المصري كله ؛ وكانت تشاركه في نفس الترتيب الاستاذة الدكتورة سيدة إسماعيل كاشف (أستاذة التاريخ الاسلامي المعروفة في كلية البنات جامعة شمس فيما بعد ) ومن عجائب الصدف ان الدكتورة سيدة اسماعيل زاملته أيضا في كلية الآداب قسم التاريخ وفي تقدير الامتياز ايضا .ثم التحق بكلية الآداب قسم التاريخ ؛وهناك تتلمذ علي يد عدد كبير من عمالقة الفكر والثقافة في مصر ؛
نذكر منهم الدكتور ابراهيم بيومي مدكور في مادة مباديء الفلسفة ؛ وأبو العلا عفيفي في الفلسفة والمنطق ؛وسليمان حزين في الجغرافيا ومحمد مصطفي زيادة في التاريخ العربي العام ؛وعبد المنعم أبو بكر في الحضارة الفرعونية ؛وشوقي ضيف في تاريخ الأدب العربي ؛كما تتلمذ علي يد نخبة من عمالقة تخصص مادة التاريخ العام نذكر منهم عبد الحميد العبادي ؛ محمد شفيق غربال ؛ عزيز سوريال عطية ؛ محمد مصطفي زيادة ؛سامي جبرة ؛باهور لبيب ..... الخ .وبعد أن حصل علي الليسانس الممتازة في التاريخ عام 1941 التحق بالمعهد العالي للتربية ؛وفيه تتلمذ علي يد إسماعيل القباني عميد المعهد ؛وعبد العزيز القوصي وكيل المعهد ؛والأساتذة فؤاد جلال وصالح عبد العزيز ومحمد سعيد قدري ونجيب غالي ؛ويذكر الدكتور حامد عمار في سيرته الذاتية انه استفاد جدا من دراسته في هذا المعهد ؛فلقد انكشفت امامه ساحات متجددة للمعرفة والتنظير والتطبيق في التعامل مع البشر .وكانت برامج إعداد المعلم تشمل التربية النظرية وعلم النفس التعليمي والاحصاء التربوي ومناهج البحث وطرق التدريس والصحة المدرسية والتربية العملية الي جانب مجالان من مجالات النشاط لا بد من ممارستهما وهما النشاط الرياضي ؛ونشاط الهوايات التي يختار الطالب منها هواية كالتصوير الفوتغرافي أو الرسم او الاشغال اليدوية .
وبعد التخرج عمل مدرسا للمواد الاجتماعية في مدرسة قنا الابتدائية ؛ثم نقل بعدها الي المدرسة النموذجية الثانوية في حدائق القبة ؛وفي نفس الفترة سجل لدرجة الماجستير في التاريخ تحت إشراف د محمد مصطفي زيادة ؛وكان موضوع الرسالة (علاقات مصر المملوكية بالدول الافريقية )وبالفعل حصل علي درجة الماجستير عام 1945 . وبعدها تغير مسار حياته تماما ؛إذ جاءته بعثة للسفر الي لندن للحصول علي درجة الدكتوراة ؛وبناء علي نصيحة من أستاذه إسماعيل القباني ؛ أقنعه بتغيير تخصصه من التاريخ الي أصول التربية ؛لانه لا يوجد متخصصون في هذا الفرع من العلم من جهة ؛ولأن المستقبل للتربية والتعليم في تحديث مصر من جهة ثانية . .وبالفعل سافر الي لندن ؛وهناك تتلمذ علي يد عالم الاجتماع الشهير "كارل مانهايم " وتطلبت طبيعة دراسته للماجستير أن يطلع علي كتابين هامين كان لهما دورا كبيرا في تشكيل مسار حياته الفكرية فيما بعد أما الكتابين فهما (المجتمع المفتوح وأعداءه ) للفيلسوف الشهير كارل بوبر ؛ والكتاب الثاني هو (الخوف من الحرية ) لعالم النفس الشهير إيريك فروم . ثم سجل رسالته للحصول علي درجة الماجستير وموضوعها (بحث في عدم تكافؤ الفرص التعليمية في مصر )وبالفعل تمكن من إنجاز رسالته للماجستير في عامين ؛ ولكن فاجأه قرار محزن بضرورة العودة الي مصر فورا ؛ففكر في إرسال طلب التماس الي الدكتور طه حسين ؛وكان هو وزير المعارف وقتها ؛
يلتمس فيها السماح له بالحصول علي درجة الدكتوراة ؛ فجاءته التأشيرة البليغة الموجزة من د.طه حسين (فلترد الحقوق إلي اصحابها ) وبالفعل سجل للحصول علي درجة الدكتوراة ؛وكان موضوعها "التنشئة الاجتماعية في قرية سلوا ) وجاء الي مصر لجمع المادة الميدانية ؛ثم عاد الي لندن وناقش الرسالة حتي حصل علي درجة الدكتوراة ؛وكان ذلك في شهر يولية 1952 .ثم عاد الي مصر وعمل مدرسا لأصول التربية حتي جاءته فرصة ذهبية للعمل مديرا للمركز الدولي للتربية الأساسية في سرس الليان التابع لليونسكو ؛ورسالة هذا المركز هي التدريب العملي للقيادات الريفية من العاملين في مجال الاصلاح والتنمية الريفية مع التركيز علي التدريب العملي لهم ؛ولقد تحول هذا المركز عام 1970 الي المركز الدولي لمكافحة الأمية وتعليم الكبار ؛ولقد افاد في عمله في مركز سرس الليان أن يوفر مكتبة غنية بمراجعها العربية والانجليزية ؛وكان أمينها د محمود الشنيطي رائد علم المكتبات في مصر ؛ولقد نشر المركز ثلاثة من كتب د حامد عمار هي :- العمل الميداني في الريف ؛وفي بناء البشر ؛وفي اقتصاديات التعليم .
ولقد استفاد من عمله في مجال تعليم الكبار ؛ ان يطل علي تجربة العالم البراازيلي الكبير باولو فريري (1921- 1997 ) وهو الرجل الذي نجح في القضاء علي الأمية في بلاده ؛ولقد ترجم له الدكتور حامد عمار العديد من كتبه لعل أبرزها هو كتاب "التعليم من أجل الوعي الناقد " ولقد وصفه انه اهم مفكر تربوي في العالم الثالث.
ولقد اثري الدكتور حامد عمار المكتبة التربوية بالعديد والعديد من كتبه القيمة نذكر منها سلسلة بعنوان "درسات في التربية والثقافة صدرت منها ما يزيد عن ثمانية كتب ؛نذكر منها "نحو تجديد تربوي ثقافي " و"مواجهة العولمة في التعليم والثقافة " و"عولمة الاصلاح التربوي ". وغيرها الكثير والكثير .
ومن القضايا الهامة التي اهتم بها مفكرنا الراحل العظيم ؛قضية "انماط التفكير المعطلة للإبداع في ثقافتنا " ولقد ذكر بعض منها في النقاط التالية :-
1- التعليم من خلال الأسطورة أو الخرافات أو الأوهام التي لا قبل لمواجهتها أـو التصدي لها .
2- التفكير من خلال الفهلوة التي تري أن يمكن اختراق الواقع ؛دون الأخذ بالأسباب .
3- التفكير من خلال الخوارق التي لا تخضع لمنطق العقلانية ؛وقدرات البشر .
4- التفكير من خلال السلطة ؛سواء سلطة الأب ؛أو رئيس المؤسسة .
5- التفكير من خلال المنفعة الخاصة أو الفئوية .
6- التفكير من خلال الاسقاط علي الخارج والعوامل الخارجية .
7- التفكير من خلال الرومانسية وأمجاد الماضي وأفعل التفضيل .
8- التفكير من خلال عدم المواجهة الصريحة .
9- اتفكير من خلال الادعاء وتضخيم الذات .
10 التفكير من خلال الزمن الذي سوف يحل المشكلات مع مرور الأيام .
11-التفكير من خلال الاستسلام للواقع والخوف من اختراقة وتجاوزه .
رحم الله عالمنا الكبير الدكتورحامد عمار ؛وعوضنا فيه خيرا .