مجدي جورج
طبعا اليمين المتطرف الفرنسي فكرا وشكلا مرفوض لآرائه العنصرية ، ولكن رغم ذلك فان الفرق بين اليمين المتطرف الفرنسي وبين اليمين المتطرف المصري فرق كبير .
فحزب الجبهة الوطنية الذي أسسه جان ماري لوبين الاب وترأسه الان نجلته مارين لوبين يمثل أقصي اليمين الفرنسي وتتركز مبادئه الاساسية في ان فرنسا للفرنسيين وهو ضد العولمة وضد الهيمنة الامريكية وضد ذوبان فرنسا في محيطها الاوربي ويري ايضا ان انسحاب فرنسا من الاتحاد الاوربي وغلق الحدود والعودة للعملة الفرنسية القديمة هو الافضل لفرنسا . واليمين المتطرف الفرنسي لا يفرق بين المواطنين الفرنسيين مهما اختلفت دياناتهم وايدلوجياتهم ، ولكنه يري ان معظم مشاكل فرنسا سببها المهاجرين الذين تتزايد أعدادهم عاما بعد عام ونطرا لان غالبية المهاجرين مسلمين فان معظم الناس تري انه معادي المسلمين مع ان غالبيته في الحقيقة معادية لكل الأجانب .
بينما يميننا المصري المتمثل في الفاشية الدينية والاخوان ومن لف لفهم والذي بدا بحسن البنّا يري ان مصر لا يجب ان تكون للمصريين فهي لا تمثل الا ولاية من الدولة الاسلامية الكبري التي كان يجاهد الاخوان لإقامتها فهم لا يعترفون بالحدود بين مصر وباقي دول الجوار ، ويري ان مصر يمكن ان يحكمها إندونيسي مسلم ولا يمكن ان يحكمها قبطي مصري ، لان الاخوان ( اليمين المتطرف المصري) يَرَوْن في الاقباط وهم مصريين ابا عن جد انهم مواطنين درجة ثانية يجب ابعادهم عن كل المراكز الحساسة وياحبذا لو تركوا البلاد افضل كما قال احد مشايخهم بعد غزوة الصناديق إياها .
اليمين الفرنسي المتطرف ليس من أدبياته ولم يثبت عليه يوما استخدامه او حتي تهديده باستخدام السلاح للدفاع عن حقه بينما يميننا المصري كل أدبياته وكل ممارساته وخصوصا الان تحض علي استخدام السلاح .
عندما أسفرت نتائج الجولة الاولي من انتخابات المناطق في فرنسا عن تقدم اليمين المتطرف وحصوله علي اكثر من ٣٠٪ من الأصوات متقدما عن حزب الجمهوريين اليميني المعتدل برئاسة ساركوزي والذي حصل علي ٢٧٪ تقريبا وعن الحزب الاشتراكي برئاسة هولاند والذي حصل علي ١٩٪ تقريبا ، وهنا وليس هنا فقط بل قبل ذلك بكثير وفي موقفين سابقين :-
موقف اول : قبل هذه الانتخابات مباشرة حيث قالها مانويل فالس رئيس الوزراء انه لايمكن السماح لحزب الجبهة الوطنية ان يفوز باي منطقة من المناطق في فرنسا وقد كرر هذا الامر بعد الجولة الاولي وهو ما حدث فعلا فقد تحالف الجميع لاسقاط حزب الجبهة الوطنية ولم يستطع هذا الحزب الفوز باي منطقة رغم تقدمه في ست مناطق في الجولة الاولي .
الموقف الثاني كان عام ٢٠٠٢ عندما وصل جان ماري لوبين الاب للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية مع جاك شيراك ممثل اليمين المعتدل وليونيل جوسبان الاشتراكي الذي حل ثالثا يومها انسحب جوسبان من الجولة الثانية ودعي محازييه للتصويت لصالح شيراك وفعلا فاز شيراك بأكثر من ٨٠٪ في سابقة تاريخية لم تحدث من قبل علي جان ماري لوبين .
في المرتين وقف الجميع ضد اليمين المتطرف رغم ملايين الأصوات التي يمثلها والتي تعدت ٦ ملايين في جولة الانتخابات الاولي التي جرت الاسبوع الماضي .
لم يقف احدا معترضا علي تحذير رئيس الوزراء ووعيده بان حزب الجبهة الوطنية اليميني لابد الا يحصل علي اي رئاسة اي منطقة كما لم يعترض احد سابقا علي تحالف الجميع ضد جان ماري لوبين من إعلام وساسه ورجال اقتصاد وغيرها ، لم يقل احد ان هذا رأي جماهير يجب احترامه، ولا ان هذا أفراز الصناديق يجب ان نسمع لصوتها ، ولم يقل احدا فلنعطي لهذا اليمبن المتطرف فرصة ويجب ان نحكم علي أفعالهم لا اقوالهم .
لم يقل احد بهذا ابدا في فرنسا ولكن الجميع تباري وقال هذا الامر في مصر فعندما فاز ممثل اليمين المتطرف المصري محمد مرسي باقل من سته ملايين صوت في الجولة الاولي من انتخابات الرئاسه في مصر عام ٢٠١٢ ، هنا وهنا فقط وجدنا القوي الغربية تتباري في الطلب من المجلس العسكري بضرورة استكمال الجولة الثانية بكل شفافية ، وهنا وهنا فقط تبارت العديد من التيارات والأحزاب المصرية للوقوف مع هذا اليمين المتطرف رغم معرفتها التامة والغير نافية للجهالة بكل أدبياته بل وممارساته السابقة في حمل السلاح وتكفير الاخر ، بل دعت هذه الاحزاب والتيارات مناصريها للتصويت لمرشح هذا التيار الفاشي حتي فاز مرشح هذا التيار بالرئاسة بنسبة كانت محل شك ، وحتي عندما اعترض الشعب وخرج في مظاهرات عارمة ضد مرسي طلبت القوي الغربية بان يستكمل مرسي مدته قائلة ان هذا التيار لابد ان ياخذ فرصته كاملة في حكم مصر وكان بلادنا حقل تجارب ليجرب فيها هذا التيار برنامجه الإقصائي الفاشي . وعندما خرج الشعب مؤيدا من الشرطة والجيش في ٣٠ يونيو وابعد هذه العصابة عن حكم البلاد وقف الغرب كله ضد ثورة الملايين قائلا ان ماحدث هو انقلاب مع ان هذا الغرب لم ينبس ببنت شفه حول ما حدث في فرنسا ولم يخرج احدا معترضا علي احاديث مانويل فالس ، ولم يطلب هذا الغرب من الفرنسيين ان يستوعبوا الجبهة الوطنية لان لهم شعبية في الشارع الفرنسي ولكنهم طالبوا ولازالوا يطالبون من عبد الفتاح السيسي ومن المصريين ان يستوعبوا الاخوان رغم ان الاخوان أيديهم ملوثة بدماء المصريين .
اليمين المتطرف الفرنسي اقل عدوانية مهما كانت عنصريته بكثير جدا جدا عن اليمين المتطرف المصري ( الاخوان ) فلماذا يتباري الغرب في الدفاع عن الاخوان والمطالبة باندماجهم في الحياة السياسية في مصر ويتسامح بل ويرحب في نفس الوقت باستبعاد الجبهة الوطنية في فرنسا ؟
باحث اقتصاد دولي . فرنسا
Magdigeorge2005@hotmail.com