بقلم يوسف سيدهم
قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها-(565)
الآن مصر أصبح لديها برلمان واكتملت خريطة الطريق التي أفرزتها ثورة 30يونية2013,بدءا بالدستور الذي يعد الأفضل في تاريخ مصر الدستوري ومرورا برئيس الجمهورية الذي يحبه الشعب ويلتف حوله ويؤازره بقدر ملفت-يكاد يكون غير مسبوق-وانتهاء بالبرلمان الذي جاء معبرا عن إرادة المصريين في انتخابات شابتها النزاهة والشفافية بشكل هو أيضا غير مسبوق عبر الستين عاما الماضية.
وعندما أقول إن البرلمان جاء معبرا عن إرادة المصريين,دعوني أسلط الضوء علي أمر مهم ظل مسكوتا عنه من جانب الدولة وكان سبب حيرة وإحباط لدي الكافة,لكني أنظر إليه الآن نظرة مختلفة.إنه لغز تقاعس لجنة شئون الأحزاب عن إعمال الدستور وحظر نشاط الأحزاب الدينية ومنعها من خوض الانتخابات البرلمانية,وبما أن اللجنة لم تفعل ذلك-علما بأن محكمة القضاء الإداري قد أدانتها بموجب حكمها الصادر في12سبتمبر الماضي-فإنه يستقيم أن نقول:رب ضارة نافعة…لأني أتصور أن إقصاء الأحزاب الدينية عن خوض الانتخابات البرلمانية لو كان قد تم,لكان أدي إلي انتفاضة تلك الأحزاب وانغماسها في موجة هستيرية من الصراخ والاحتجاج في العالم كله-وطبعا المقصود بذلك العالم الغربي الذي مايزال متربصا بمصر!!-وادعائها بأن السلطة في مصر تآمرت عليها واستبعدتها من المنافسة خوفا منها ومن امتلاكها للغالبية الكاسحة من القوي التصويتية والتي كانت ستمكنها من الفوز بمقاعد البرلمان(!!!)…أما الآن وأعود أقول رب ضارة نافعة فما تخاذلت لجنة شئون الأحزاب عن إدراكه تم إدراكه من خلال صندوق الانتخاب,ومالم يتم إعماله بالدستور تم إعماله بإرادة المصريين,وباتت الأحزاب الدينية-وفي طليعتها حزب النور السلفي-تعرف حجمها الحقيقي الذي يعكسه الفتات الذي حصلت عليه من مقاعد البرلمان.
لكن دعوني أعود إلي البرلمان بتشكيله الذي أفضت إليه الانتخابات وماذا نتوقع من هذه النخبة من الأسماء التي تضم عددا من المستقلين يبلغ320نائبا بنسبة57% من النواب المنتخبين بالإضافة إلي248نائبا من الحزبيين بنسبة 43%؟…نعم ماذا نتوقع من هذا الحشد وكيف ستتشكل منه الأركان الرئيسية للبرلمان من أغلبية ومعارضة ليتوفر له التوازن السياسي الذي يمكنه من أداء مهامه الدستورية في التشريع والرقابة علي أكمل وجه؟
كلنا نعرف حدة الصراعات التي عايشناها قبل الانتخابات عبر محاولات البعض تشكيل تحالفات وتجميع شتات الأحزاب من التشرذم الذي ساد الخريطة السياسية,ولاننسي الواقع المقلق البائس الذي استمر حتي اللحظات الأخيرة قبل الانتخابات ما بين الاتفاق والاختلاف والمساومات داخل محاولات التحالف….ومر الأمربخيره وشره كما يقولون ونجح تحالففي حب مصر في الاستحواذ علي جميع مقاعد القوائم (120مقعدا) هذا بخلاف المقاعد التي استحوذت عليها الأحزاب والتي جاء في مقدمتها حزب المصريين الأحرار في أول انتخابات برلمانية يخوضها عقب تأسيسه-وتلك في حد ذاتها نتيجة تستحق الدراسة إذا قورنت بالحصيلة المتواضعة التي حصلت عليها أحزاب لها تاريخ مثل حزب الوفد-لكن التحالفات التي سبقت الانتخابات ليست بالضرورة هي التي تعكس تشكيل الأغلبية أو المعارضة تحت القبة,فكما صرح اللواء سامح سيف اليزل أحد أقطاب تحالففي حب مصر أن التحالف أدي دوره وانتهي بانتهاء الانتخابات وبدأت المشاورات بالفعل لتشكيل تحالف جديد يستحوذ علي الأغلبية البرلمانية وها هو يعلن عن تشكيل تحالف باسمدعم الدولة المصرية يضم نحو 400نائب من نواب المجلس….فهل يصمد هذا التحالف؟
ولعلنا في هذا الصدد نري نضجا واستشعارا بالمسئولية السياسية بين الأطراف المستهدفة لتكوين التحالف الجديد والأغلبية البرلمانية سواء من الأحزاب أو المستقلين….نضجا لايعيدنا إلي سيناريوهات المساومة والصراع التي عايشناها قبل الانتخابات,وسبق أن عبرت عن ذلك في27سبتمبر الماضي حين كتبت:….أتمني أن يسدل ستار المسرح الانتخابي عليمدرسة المشاغبين ويتحول إليالعيال كبرت-مع الاعتذار لكل من الممثلين والسياسيين-فإن مسئولية العمل البرلماني مخيفة وتمثيل الشعب في حكم البلاد ليس نزهة, وإعلاء المصلحة الوطنية علي المصلحة الشخصية أمانة يجب الوفاء بها,وكما تشدق أحد القادة الحزبيين قبل الانتخابات قائلا:إن كنا قد فشلنا في الائتلاف قبل الانتخابات فلنخض الانتخابات كلا بمفرده ليعرف حقيقة موقعه وثقله في الخريطة الحزبية,وعندما نلتقي تحت القبة سيكون أسهل علينا التحالف ونبذ المساومة والترفع عن المهاترات بعد أن يكون كل منا قد عرف وزنه وأدرك القطعة التي استحوذ عليها من الكعكة.
نحن الآن قد بلغنا هذه المرحلة الدقيقة والتي تتطلب من الجميع التحلي بالحكمة وبالمسئولية الوطنية لتتشكل قوي البرلمان بالتوازنات المطلوبة ويشرع في أداء دوره الذي تعول عليه مصر ويتطلع إليه المصريون في الانتقال بجدية إلي الدولة الديمقراطية الحديثة.
نقلا عن وطنى