أخبرتنا الصحف والقنوات التليفزيونية خلال الأيام الماضية بأننا بلغنا ٩٠ مليونا، منهم ١١ مليونا زيادة في السنوات الأربع الأخيرة فقط.
فعملنا نفسنا اتفاجئنا.
ثم طالعتنا نفس الصحف والقنوات بقرار وزير العدل باشتراط إيداع مبلغ ٥٠ ألف جنيه على هيئة شهادات استثمار باسم الزوجة المصرية إذا تزوجت بأجنبي يكبرها بأكثر من ٢٥ عام.
فعملنا نفسنا زعلنا.
ثم جاءت أخبار من عينة اغتصاب جد لحفيدته، أو اعتداء عاطل على أطفال وتصويرهم في ٣٦ شريطا جنسيا.
فعملنا نفسنا اتصدمنا.
الحقيقة الطبيعية أن الكائنات التي تخشى على نفسها من الزوال لضعف، أو تعرض لخطر الفناء، هي التي تنجب كثيرا. هذا توازن طبيعي يحدث في البيئة.
لكن هناك حقائق اجتماعية موازية. إذا اجتمع ١٠٠ شخص في مكان مقفر، وكادوا يموتون جوعا، فغالبا سيأكلون بعضهم بعضا. ليس لأنهم أشرار ولا آكلو لحوم بشر، بل لأن هذه هي “فرصة” البقاء الوحيدة.
“الفرصة”
الفرصة هي الكلمة السحرية في المجتمعات. لكي يعيش البشر فإنهم يبحثون عن الفرص التي تمكنهم من هذا. إن تضاءلت الفرص، وتضاؤلت قيمها، فأنا آسف جدا ستتضاءل “القيمة النسبية” للإنسان.
أعلم أن البشر يظنون من أنفسهم مركز الكون، لكن الحقائق الطبيعية تقول إنهم مجرد كائن حي يتميز بمهاراته العقلية التي تطورت عبر السنين. ولذلك فالقوانين الطبيعية التي تسري على غيره تسري عليه. إن كان الطوفان أكبر من قدرة بشر واستعدادهم و “فرصهم” التي صنعوها للنجاة فلن ينجوا. هكذا ببساطة، سيغرقون إلى جوار الفئران والصراصير والقطط وربما الأسود والنمور. بينما قد تنجو كائنات تمتلك حواس إنذار مبكر أنشط، أو كائنات أسرع، أو كائنات تطورت في اتجاه الطيران، إلخ.
ما يسري على البشر عامة يسري على البشر المصريين (أو غيرهم من الجنسيات)، لن تكرمك القوانين الاجتماعية لأنك مصرية. إن كان العدد كبيرا، وليست هناك فرص عمل ولا كسب، ستقل “قيمتك النسبية”. سيصير هناك احتمال أن تتزوجي صفقة - هذا لو كنت محظوظة. إن كان العدد كبيرا وليس هناك فرص تعليم جيد ستقل قيمتك المهنية المرتبطة بشهادتك التعليمية (شهادة الطب المصرية لا تجعل حاملتها طبيبة معترفا بها في العالم مثلا). إن كان العدد كبيرا وليس هناك فرصة لرعاية الطفل رعاية جيدة قد يتعرض لاعتداءات حتى من أقرب الناس إليه.
ولو اجتمع ١٠٠ فقير في مكان مجدب، فيه بالكاد ما يقيتهم، وليس هناك فرصة للمزيد، فسوف يكون من الغباء الشديد أن ينجبوا أطفالا. الإنجاب هنا دعوة حرب وصراع وشقاق. تنظيم النسل أولوية يجب أن تنال من الخطاب السياسي ما تستحق. قبل أن نصير بلا ثمن على الإطلاق. إن الكرامة تحتاج إلى ثمن. وأفضل لها أن تحتاج إلى ثمن. حتى يظل لها قيمة.
ملحوظة: إن كنت من أبناء الطبقة الوسطى اللي بترضع شعارات فخليها لك. الفقر يختلف عن حد المعيشة اللي الحكومة ظبطت طبقة الموظفين عليه. وانظري حولك.
نقلا عن دوت مصر