سمير حبشـــــى
عندما تختل الموازين ، و تنقلب القيم ، وتتنكس رايات العدل ، وتتغيّر المفاهيم ، وتكتسي النفوس بثوب الجَـور ، وتتّـزر الضمائر بإزار الظُّـلم ، وتُغلف القلوب بالرداء المخيف " أنصر أخاك ظالما كان أو مظلوما " فعندها يا أخى لا تَـسَـلْ عن العدل في الأقوال ، لأنه سيكون قد أغتيل أيضا في الأفعال .. فقطار الظلم الذى يسير بسرعة هائلة فى حياة أقباط مصر مع طلعة كل شمس ، وهم يسيرون حاملين صليب البقاء على أرض الواقع المؤلم ، دون أن يكون لهم الحق فى الحلم بالتساوى فى المواطنة كباقى البشر ، فالكيل بمكيالين من حكام المكان ، الذين لا يخافون من حاكم الزمان والمكان ، أصبح هو السمة التى تغطى وجه حياة الأقباط فى مصر .
يا إخوتى : فى الحقيقة إن ما أهاج هذه الأحاسيس الحزينة فى نفسى هذه الأيام لم يكن غير كلمات الرئيس السيسى ، الذى استهل بها كلمته خلال زيارته إلى مقر أكاديمية الشرطة ، والذى أكد فيها قائلا : أن بعض الممارسات الفردية الخاطئة لا يتعين تعميمها على جهاز الشرطة ككل ، لا سيما أن الحكومة تسعى بدأب لترسيخ دولة القانون ، الذي يمثل الإطار الحاكم للعلاقة بين رجال الشرطة والمواطنين ، لافتا إلى أن من أخطأ في أي مؤسسة من مؤسسات الدولة سيحاسب . وقد صرح بأنه سيصدر قرار للسيد اللواء مجدى عبد الغفار وزير الداخلية ، بإيقاف أى ضابط عن العمل واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لكل من يقوم بانتهاك حقوق المواطنين ، وإرسال تقرير عن نتائج التحقيقات إلى سيادته أولاً بأول .
وما أهاج حفيظتى وجعلنى أكتب هذه الكلمات ، هو التحول الغريب ، وهذه التصريحات التى هى فوق العادة ، والتى خرج بها عن صمته ، واللامبالاة أمام الأحداث الغير عادلة والظالمة التى يقوم بها بعض أفراد الشرطة مع أفراد الشعب .. ولكن ما الذى جعله ينحى هذا المنحى ، ويتحول إلى هذه اليقظة المفاجئة ، والظلم والجور على أقباط مصر من رجال السلطة منذ أن أصبح على سدة الرئاسة ، يراه الجميع ويسمع عنه البعيد والدانى .. ولقد تعجبت عندما عرفت أن الدافع وراء هذا كان حالة من الاستياء سادت الشارع الإسماعيلى ، بسبب أحداث واقعة الاعتداء على طبيب بيطرى ، من قبل مباحث قسم أول الإسماعيلية ، والتسبب فى وفاته ، الدكتور المتوفى أو ضحية الشرطة كما يطلقون علية الآن فى الإسماعيلية ، هو الدكتور عفيفى حسنى عفيفى الشهير بعاطف 47 سنة ، لديه بنتان متزوج من الصيدلانية ريم يوسف ، وهى صاحبة الصيدلية التى يديرها ، والتى وقعت بها الحادثة فى شارع الأهرام بمنطقة المحطة الجديدة التابعة لحى أول الإسماعيلية.
وهنا قفز أمام وجهى سؤال وعلامة إستفهام أكبر من برج القاهرة وهو : هل لو كان هذا الطبيب البيطرى اسمه حنا أو جرجس ، كان سيتحرك ضمير السيسى كما حدث هنا ؟؟؟ !!! .. بالطبع لا وألف لا ، لأنه قد مر أمام عينه وسمع بأذنه مئات الحالات التى كان فيها الظلم الأسود يقع على أقباط مصر ، ولم يقل كلمة واحدة أو يحرك ساكنا ، فالجلسات العرفية التى أصبحت تمثل الظلم الغير المحدود ، والغير قانونية والتى دائما ما تكون برعاية مسؤول حكومي ، وبشروط "داعشية" تُفرض على الأقباط ، ثم يتم القبض على الأقباط المعتدى عليهم ، ليتم المقايضة عليهم للإفراج عنهم ، مما تعد مخالفة صارخة للقانون وللدستور المصري .. كما حدث عند قرار منع بناء كنيسة قرية الجلاء بمركز سمالوط بمحافظة المنيا ، وتم تهديد الأقباط ، وتدمير بعض ممتلكاتهم ومنعهم من ترميمها أو توسيعها ، رغم القرارات والتصاريح القانونية.
وهل لم يسمع السيسى عن التواطؤ من رجال الأمن ، الظاهر للصغير والكبير ، ضد الأقباط فى حالات خطف ، وقتل وإرهاب وتدمير، وفرض إتاوات ، ودفع مبالغ طائلة كفدية للأقباط المخطوفين دون رادع أمني .. ومنذ يومين بعد منتصف الليل فى الأقصر، إقتحم أكثر من مئتى شرطى منزل عائلة مسيحية وهم نيام ، وانهالوا على الأطفال والسيدات بالضرب ، وقذفوا بعائل الأسرة من الدور الثانى ، ليتركوه يتدحرج فوق السلالم حتى وصل للأرض جثة مكسرة العظام ، وتركوه بين الحى والميت ، ثم اكتشفت الأسرة أنهم قاموا بسرقة الموبيلات الخاصة بهم ، وأيضا قاموا بسرقة ذهب ابنتهم الحديثة الزواج .. وتهمة هذه العائلة المسيحية أنهم إرهابيون وتبع داعش .
يا إخوتى : نعم شر البلية ما يضحك ، وهل نسينا التعتيم التام ، من السيسى والذى يعتبر تواطؤ بكل المقاييس ، فى موضوع ماسبيرو والذى حدث فى أكتوبرعام 2011، أحداث ماسبيرو هذه الشهيرة التي تم فيها الإعتداء على تظاهرة سلمية للأقباط في منطقة ماسبيرو ، من قبل قوات الأمن والجيش ، والتى أدت إلى مقتل 26 قتيلًا وإصابة حوالي 343 آخرين ، وكان تجمع الأقباط للإحتجاج على هدم بناية كنيسة لهم في أسوان ، وكان السيسى فى هذه الأيام رئيس المخابرات العسكرية ، أى يعرف من أعطى الأوامر بقتل الأقباط دهسا بالعربات المجنزرة ، ومن هم من كانوا وراء الجريمة .. وبصرف النظر عن الإعتداءات الجسدية ، يواجه الأقباط أشكالاً عديدة من التمييز اليومي ، إذ مُنِع الأقباط في العادة من تقلّد المناصب القيادية (بما في ذلك رئاسة الجامعات والمحافظين ) ، وكذلك المناصب التي تُعَدّ حسّاسة بالنسبة إلى الأمن القومي ، وحتى فى التعليم والتربية يُمنَع الأقباط من تدريس اللغة العربية. وفى الطب يُمنعون من بعض التخصصات مثل طب النساء ، وما من شكّ في أن الأشكال اليومية من التحيّز تُسهِم في إيجاد مناخ من انعدام الأمن ، فهل حاول السيسى إصلاح ذلك ، أم أصبح الكيل بمكيالين هو سياسة كل من يحكم مصر ؟؟ !! .
يا سادة سأكرر مرة أخرى ، إن الحاكم الحقيقى فى مصر ، ليس الرئيس ، أوالوزير ، أو المدير ، ولكن الحاكم الحقيقى والفعلى ، هما القرآن والشريعة ، والإثنان يُعلمان الكراهية ، والحقد والضغينة ، وقتل الآخر الغير مسلم ، ومرة أخرى أكرر ، أن فى داخل كل مصرى يؤمن بالإسلام ، يعيش تحت جلده شخص مسلم ، يؤمن بالكتابين " القرآن والشريعة " والسيسى أحد هؤلاء المسلمين .