بقلم : عبد المنعم سعيد | الأحد ٦ ديسمبر ٢٠١٥ -
٠٠:
٠٤ م +02:00 EET
عبد المنعم سعيد
كتاب أيان كريشو Ian Kershaw الأخير «العودة من الجحيم أو To Hell And Back» يتتبع تاريخ أوروبا من عام ١٩١٤ (نشوب الحرب العالمية الأولى) حتى الوقت الحالى. الكتاب فى جوهره محاولة للفهم التاريخى حول قارة بأكملها ذهبت إلى حربين عالميتين، وأعقبتهما بالحرب الباردة، وعاشت التجربة الفاشية حتى الثمالة بعنفها ووحشيتها وقتلاها وجرحاها ومدنها المدمرة، ثم خرجت منها بعد ذلك لكى نجدها على الصورة التى نعرفها الآن: تعانى من مشاكل نعم، ولكنها قوية وعفية فى نفس الوقت. المؤلف ليس جديدا على هذه المرحلة التاريخية، ولكنه اعتركها قبل ذلك فى أكثر من كتاب ذاع صيته، وأشهرها كتابه عن «هتلر». ولكن كتابة التاريخ ليست من قبيل الرواية أو القصة المثيرة، وإنما هى كشف المستور أمام وخلف المسيرة الإنسانية، وببساطة كان على كريشو الإجابة عن السؤال: كيف يمكن للإنسان، والدول، والأمم أن تذهب إلى الجحيم وتعود منه مرة أخرى؟
السؤال بالغ الأهمية بالنسبة لنا، وفى يوم من الأيام سوف يأتى على بلادنا من يتساءل عن الذى جرى لنا ليس فقط فى الحقبة الاستعمارية، أو حتى خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولكن الحصول على الاستقلال وماذا فعلنا به، وهل ساعتها سوف يقال إننا دخلنا إلى الجنة ثم خرجنا منها؟ العكس تماما هو ما يجرى فى الفصل الأخير من الحالة العربية، وبالتحديد منذ ساعة انفراج الستار عن الأحداث التى عُرفت بالربيع العربى، ومن وقتها فقد ذهبنا إلى الجحيم ولا نعرف متى سوف نعود منه. وطبقاً لإحصائيات منظمات مختلفة تابعة للأمم المتحدة، فمنذ نهاية عام ٢٠١٠ حتى نهاية عام ٢٠١٤ فإن دول الربيع فقدت ٤٣٠ ألف قتيل، منها ٢٠٠ ألف فى سوريا، و١٦٠ ألفا فى العراق، و٥٠ ألفا فى ليبيا، و١١ ألفا فى اليمن، و٤٥٠٠ فى مصر، و٢٨٠٠ فى البحرين، و٤٠٠ فى لبنان، و٢١٩ فى تونس. وبلغ عدد الجرحى مليونين و٣٥٧ ألفا، أغلبهم فى سوريا والعراق، أما اللاجئون والنازحون فقد بلغوا ١٤ مليونا و٣٠٠ ألف، نصفهم تقريبا فى سوريا. أضف إلى كل ذلك ضحايا عام ٢٠١٥، وسوف نصل فورا إلى صورة مروعة ودامية، وما عليك إلا أن تقلب فى الملف السورى أو العراقى، أو أن تنظر فيما يعرضه عليك «اليوتيوب» لكى تشاهد الرؤوس التى تدحرجت، والأجساد التى صلبت، والرصاصات التى ذهبت إلى ما بين العيون.
أيان كريشو يقول لنا إنه من الممكن أن تدخل الجحيم ثم تستطيع الخروج منه، وهى خلاصة قد تصدق أو لا تصدق علينا لأننا مازلنا، ربما، فى أول الرواية، وأن ما شاهدناه من فصول لا تزيد عن طرح الشخصيات، وتصور العقدة، أو العُقد التى ستتراكم حولها الأحداث. فلا يوجد ما يقطع أنه حتى بعد انهيار «داعش» ودولته فإن العهد بالجحيم سوف يصل إلى نهايته، بل إن المرجح أننا سوف نكون إزاء بداية فصل جديد كله نار ودخان، ورؤوس مقطوعة. ليس مهماً أن يختفى الخليفة البغدادى، أو يدخل إلى السجن محمد مرسى، أو يسقط أيمن الظواهرى بعد أن سقط من قبله أسامة بن لادن، وإنما المهم هو أن أحداً لم يبحث بعد ما الذى جرى وجعلنا فى عالم العرب نعيش هذه اللحظة المروعة التى من المرجح أن بدايتها ليست اليوم، أو بالأمس القريب ساعة جاء الربيع الذى لم تظهر له زهرة، وإنما كانت محفورة على أحجارنا كاللوح المسطور والقدر المحتوم والقضاء النافذ.
من الجائز أن مصر يمكنها أن تتمرد على هذا المصير إذا ما فعلت ما هو ضرورى ولا بديل عنه: أن تعرف فنون المراجعة كما عرفتها دول وأمم وقارات أخرى عرفت دخول جهنم والخروج منها، وأن تعرف أن التاريخ ليس فقط ما مضى، وإنما ما هو آت. حتى الآن فإننا لم نعرف لا هذا ولا ذاك، وما نعرفه عن الماضى لا يزيد عن مجموعات من الأغنيات نعزفها فى المناسبات الوطنية ونغنيها بحماس شديد، وعن المستقبل فإن لدينا حزمة كبيرة من الأحلام التى نخشى دوماً الاستيقاظ منها، فلا أحد لديه الشجاعة للتعامل مع حقائق صعبة. ومع ذلك فإن الفرصة لم تضع بعد، ولعلها كما تقول لنا التجربة الأوروبية لا تضيع أبدا، وإنما هى متجددة طالما أن هناك من هم على استعداد لأخذ أمورهم بالجدية الواجبة، وبمقدورهم عدم تكرار ما جرى مرة أخرى وقادهم إلى الجحيم. باختصار شديد هل يستطيع الجيل الجديد من المصريين أن يفعل ما لم تفعله الأجيال السابقة؟
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع