الأقباط متحدون - المنسى قنديل: الوضع فى مصر غير مستقر.. والأمن لن يحمى «النظام»
أخر تحديث ٠٠:١٥ | الأحد ٦ ديسمبر ٢٠١٥ | ٢٦ هاتور ١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٦٨ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

المنسى قنديل: الوضع فى مصر غير مستقر.. والأمن لن يحمى «النظام»

المنسى قنديل
المنسى قنديل

 وصف نفسه بأنه كاتب للأطفال، وعندما يستريح يكتب للكبار، ولا يخجل من الاعتراف بأنه كاتب صاحب نزوات، رغم أن جماهير الرواية يرونه أحد حراسها الأشداء، هو محمد المنسى قنديل، الذى أمتعنا بروايات تحمل ملامح الشخصية المصرية، وتأخذ مداد كلماتها من هذه الأرض، والتى كانت آخرها رواية «كتيبة سوداء»، التى دفعته كتابتها للسفر إلى المكسيك، لتخرج بواقعية نعهدها فى مؤلفاته، وفى حواره لـ«الوطن» تحدث «قنديل» عن رؤيته لدور وزارة الثقافة، رافضاً الانتقادات التى توجه لها، بأنها نادٍ مغلق على رواده، ويتعرض لمشروعه بعد حصوله على رئاسة تحرير مجلة «إبداع»، ويوضح سبب ابتعاده عن السينما، بوصفها سينما مريضة، لا تقدم سوى القصص المريضة، ولا يتوقف «قنديل» عند الفن والثقافة، بل يمتد إلى السياسة، مؤكداً أن سبب تدهور الأوضاع فى العالم العربى، هو تخلى مصر التى وصفها بـ«الشقيقة الكبرى»، عن دورها تجاه بقية الدول العربية، مؤكداً أنه أصيب بالاكتئاب بعد حكم البراءة الذى حصل عليه الرئيس الأسبق حسنى مبارك.

 
الروائى الكبير لـ«الوطن»: الغربة أسقطتنى من ذاكرة المصريين.. وشهرتى الحقيقية على مواقع التواصل
■ لماذا تم طرح «كتيبة سوداء» فى هذا التوقيت؟
 
- منذ فترة طويلة، وأنا أريد كتابة رواية بهذا الشكل، وكنت قد قرأت فى مجلة الاثنين، أن هناك بعثة عسكرية مصرية، سافرت إلى المكسيك، لإحياء ذكرى جنود مصريين حاربوا هناك، فعادت الفكرة إلىّ من جديد، وكان الأمر غريباً بالنسبة لى، أن يقرر مجموعة من المصريين ترك مصر، ويعبرون محيطاً بالغ الاتساع، ليشاركوا فى حرب لا تخصهم، فقررت أن أسافر بنفسى إلى المكسيك، لأرى الوقائع بنفسى، وأزور الأماكن التى حاربوا فيها، وخلال كتابة الرواية، عرفت أن التضحية بالجنود المصريين فى أماكن الحرب أمر عادى، وفى هذه الرواية يتخطى الأمر التصور، حيث تم إرسال الجنود إلى مكان ببلد بعيد هو المكسيك، وهو ما يثبت ما قلته سابقاً، أن المصريين دوماً كانوا مجرد أرقام، وتدور أحداثها عام 1863، عندما غزا إمبراطور فرنسا المكسيك، وطلب من الخديوى سعيد باشا، جنوداً من ذوى البشرة السمراء، ليحاربوا فى المكسيك، لأن مقاومتهم للحمى التى انتشرت هناك أكبر، وبالفعل تم إمداده بفرقة تتكون من 500 جندى، تدعى «الأورطة السودانية»، أفرادها من السودان وجنوب مصر، وهنا تبدأ المأساة الحقيقية لأشخاص يحاربون فى أرض مجهولة، لا يعرفون لغتها أو تضاريسها، بل لا يعرفون من سيحاربون، وما هى القضية التى سيحاربون من أجلها، فضلاً عن أن كل من حولهم معادٍ لهم، لذا فقد تم دفعهم إلى أتون الموت بكل بساطة، ومن هنا جاء اسم «كتيبة سوداء».
 
■ وهل يظهر تأثر الرواية بالمجتمع المصرى.. وهل تعتبرها رسالة ما تود إيصالها الآن؟
 
- الرواية جزء من تاريخنا، فنحن أرسلنا جنودنا ليحاربوا فى بلاد لا يعرفون عنها شيئاً، وأكثر من مرة، أرسلوا إلى اليمن ثم الكويت، وفى العصر القديم أرسلنا جنودنا إلى «المورة» فى حرب البلقان، وخلال الحرب العالمية الأولى، أُرسل فريق من الهجانة المصريين للمشاركة فى الحرب على حدود فرنسا، وبلجيكا، إذاً هى عملية تتكرر عبر التاريخ، وأنا فقط اهتممت بالإشارة إلى إحدى تلك الوقائع، وألقيت الضوء على جزء لا نعرفه فى المجتمع المصرى، وهو الجزء الجنوبى من مصر وما بعد الصعيد، أما الرسالة التى تهدف إليها الرواية، فهى أن ذلك جزء من اللعبة الاستعمارية التى سادت فى القرن الـ19، والرابط يظهر فى أن المأساة التى حدثت فى المكسيك، وقعت فى مصر بعد 10 سنوات، عام 1884 عندما احتل الإنجليز مصر بنفس الطريقة، وبنفس الأسباب وهى «الدين»، وكان دخولهم مصر عن طريق ميناء شهير هو الإسكندرية، فكان الشبه واضحاً بين الواقعتين.
 
كل مشاكل العالم العربى سببها مصر.. نحن تقوقعنا على أنفسنا.. والآن غير قادرين على كسر الشرنقة التى تحيط بنا.. وأفضل تجنب السياسة باستثناء «ثلاث حكايات عن الغضب».. و«كتيبة سوداء» تثبت أن المصريين مجرد أرقام
■ بعد توليك رئاسة تحرير مجلة «إبداع» أصبحت تنتمى إلى وزارة الثقافة.. فهل ترى أنها تقوم بدورها تجاه المجتمع؟
 
- لا أعتبر نفسى جزءاً من وزارة الثقافة، أنا أشرف على مطبوعة من مطبوعاتها، وأعتبر ذلك رداً للدين، فعندما كنت كاتباً صغيراً، استقبلنى الدكتور عبدالقادر القط، ويحى حقى، فى مجلة إبداع، واطلعا على إنتاجى القصصى وشجعانى، ومن يتولى منصب الوزير الآن، شخص جديد لم يمر عليه وقت طويل، وهو يعمل فى ظل ظروف اقتصادية صعبة، فلا توجد ميزانية كافية، وسابقاً كان هناك صندوق التنمية الثقافية، ولكن بسبب توقف الحركة السياحية لم يعد قادراً على التمويل، وحالياً الوزارة تعتمد على الميزانية المحددة لها، والتى تذهب معظمها لأجور الموظفين، والعلاوات، وبالرغم من كل هذه العقبات نجد أن الوزارة تحاول القيام بدورها، فتم افتتاح المسرح القومى، كما عاد مهرجان السينما لينافس بقوة، وهناك خطة لإحياء قصور الثقافة، ولكن لأن وزارة الثقافة تقاعست عن القيام بهذا الدور لسنوات، أو كما يقال «نامت على نفسها»، ففقدت البوصلة، ومن الصعب عودة كل هذه المنظومة مرة واحدة، فهى تحتاج إلى وقت كاف، وميزانيات كبيرة، ورواد من المثقفين.
 
■ وما رأيك فى الاتهامات التى توجه لمؤسسات وزارة الثقافة بأنها تحولت إلى نوادٍ مغلقة على موظفيها؟
 
- مرة أخرى أكرر.. أنا لست موظفاً فى وزارة الثقافة، وأنا أؤكد أن مجلة إبداع كجزء من وزارة الثقافة، ليست نادياً مغلقاً على العاملين بها، بل هى مفتوحة لكل التجارب الشبابية، وهذا هو هدفها.
 
■ وما الجديد الذى تقدمه من خلال رئاسة تحرير مجلة إبداع؟
 
- المجلة كلها كانت تحدياً بالنسبة لى، فشكل المجلة لم يتغير طوال 23 عاماً، وقمنا بتغيير الشكل والحجم والمواد الأدبية التى تحتويها، بالإضافة إلى محاولة الربط بين الثقافة العربية والأجنبية، كذلك سعيت لصنع مجلة طليعية تحتوى كتابات شابة، لأن هناك طاقات إبداعية كثيرة فى مصر، هى التى فجرت الثورة، وهم فى حاجة لمن يحتضنهم، كما أنهم أفضل من جيلنا، فعندهم الشجاعة والجرأة لاقتحام مجالات النشر، دون انتظار لأى هبة من المؤسسات الحكومية، لذا قمت بإعلان أن أبواب المجلة مفتوحة أمام كل الأقلام الشابة، حتى لا تكون وزارة الثقافة بعيدة عنهم، بل تشاركهم فى تحقيق نقلة فى الكتابة، وأعتقد أن ما فعلته أعاد للمجلة الأهمية التى فقدتها لأن المنافسة بينها وبين المجلات الأخرى كانت شديدة.
 
■ رغم الجوائز التى حصلت عليها فإنك لم تحصل على شهرة توازى أبناء جيلك.. فما تفسيرك لهذا؟
 
- السبب أننى عشت خارج مصر لفترة طويلة، وهو عقاب الغربة، فالسفر كثيراً يجعلك تلقائياً تسقط من الذاكرة المصرية، وعندما تجتمع لجان للمجلس الأعلى للثقافة، لاختيار المرشحين لجوائز الدولة التقديرية، أعرف أن هناك قوائم كثيرة وطويلة من المرشحين، ولكنى لست واحداً منهم، وهذا سببه إما أنهم ما زالوا يعتقدون أننى خارج مصر، أو لأننى لا أخطر على بالهم من الأساس، أو لسبب ثالث أعتقد أنه الأنسب، وهو أن هذا الجيل -الذى يماثلنى فى السن أو أكبر منى- لا يقرأ لى، فجمهورى الأساسى من الشباب وصغار السن، وأنا أكثر شيوعاً على صفحات التواصل الاجتماعى من صفحات الكتب والمجلات، فالشباب هو من يحتضن أعمالى أكثر من الجيل القديم.
 
■ وهل تأثرت بذلك؟
 
- لا، فأنا أرى أننى أخذت قدر ما أعطيت، وأنا لن أجلس وأنتظر شخصاً يقدرنى، أنا أرى أن الشهرة التى حصلت عليها حتى الآن، توازى قدر إنتاجى فقط، لا تزيد ولا تقل.
 
■ وهل اعتمادك على الموروث سواء كان ثقافياً أو اجتماعياً واللجوء للتاريخ فى رواياتك محاولة للبحث عن الهوية.. أم مجرد انعكاس للماضى على الحاضر والمستقبل؟
 
- التاريخ غالب علىّ، وأحرص أن أدخله ضمن مفردات الكتابة، وتجربتى فى كتابة التاريخ هى 3 كتب «يوم غائم فى البر الغربى»، و«30 لحظة تاريخ»، ورواية «قمر على سمرقند»، ومؤخراً «كتيبة سوداء»، ومعظمها رد فعل على هزيمة 1967، التى جعلتنى أفقد الثقة فى كل شىء، خصوصاً فى وقائع التاريخ التى تتحدث عن الأمجاد والانتصارات، فبدأت أقرأ فى كل كتب التاريخ، محاولاً إيجاد إجابة لسؤال واحد، هل نحن شعب مقدر له النجاة، وبوسعه العبور إلى المستقبل، أم نحن شعب مثل الهنود الحمر على وشك الانقراض؟، والتاريخ يكشف أن العرب لم يصلوا إلى القمة أبداً، دوماً يقعون فى إحباطات كثيرة، أحياناً يتم تجاوزها وأحياناً لا.
 
 
 
الشباب هو جمهورى.. والجيل القديم «مايعرفنيش».. ووزارة الثقافة «نايمة على نفسها»
■ ولكنك دائماً تحاول خلق هوية عبر رواياتك وأعمالك الأدبية سواء فرعونية أو إسلامية أو قومية؟
 
- مصر هى بلد الهويات المختلفة، فكل طبقة من طبقاتها بها هوية خاصة، فإذا دققنا فى التاريخ، سنجد أن مصر تتكون من طبقة فرعونية، عليها طبقة قبطية، عليها طبقة إسلامية، وأنا تعمدت أن أظهر ذلك فى روايتى «أنا عشقت»، فمصر بها كل الأشياء غير الممكنة، المعبد اليهودى، والكنيسة المسيحية، والمسجد، كما بها الحى الشعبى والعشوائى، وحى الطبقة الراقية، فبلدنا ليست سوى مجموعة من الطبقات التاريخية والدينية، لذا كان قرارى هو التجول وسط الهويات المصرية المختلفة، والكتابة عنها، فإذا وصفنا أنفسنا قد نجد أننا أكثر من شعب، ولدينا أكثر من ثقافة، لكن ذلك لا يظهر فى سلوكنا اليومى، لأنه يبدو عليه العشوائية، ولكن بعد فترة سيظهر بشكل حضارى جداً، فهناك لمسات حضارية عند المصريين البسطاء، على عكس ما يقال، ولكنه الزمن أناخ عليها كما يقول أحد الشعراء.
 
السينما الحالية مريضة ولن أكرر تجربة «آيس كريم فى جليم».. ونزواتى فى الكتابة ضيعت عمرى.. ومعظم أعمالى رد فعل علي هزيمة 67.. أنا اكتشفت أن مصر ضئيلة أمام دولة صغيرة مثل إسرائيل
■ دائماً ما نلحظ ميلاً قومياً وعربياً فى رواياتك ظهر بشكل واضح فى «انكسار الروح» فما تفسيرك لهذا؟
 
- لأن حلم جيلى فى فترة السبعينات تمثل فى القومية العربية، وكنا مؤمنين بأن مصر تساوى بعدها العربى، فقيمة مصر لا تكون إلا من خلال انتمائها لعالم عربى كبير، وأى مشاكل تحدث فى العالم العربى الآن، سببها أن مصر لا تقوم بدورها، لأنها دوماً الدولة القوية التى تتدخل فى الوقت المناسب، لتساعد غيرها من أشقائها العرب، ولكننا تركنا سوريا تنهار، ومن بعدها اليمن، والانهيارات التى تحدث حالياً، ناتجة عن قصور فى الدور المصرى، فالدولة تقوقعت على نفسها طوال الفترة السابقة، والآن تريد كسر الشرنقة التى تحيط بها، ولكنها غير قادرة على ذلك.
 
■ لماذا لم تكرر تجربة فيلم «آيس كريم فى جليم» الذى كتبت له السيناريو؟
 
- حكايتى مع السينما بدأت وانتهت بـ«آيس كريم فى جليم»، فالبداية كانت من خلال عمر الشريف، عندما التقيته وقرأت عليه قصة قصيرة حولتها إلى سيناريو، وشجعنى على الكتابة للسينما، مبرراً بأن السينما المصرية لم تقدم شيئاً ذا قيمة، منذ كتابات نجيب محفوظ، وكتبت سيناريو حاز إعجاب أحد المنتجين، وحصلت على مقدم 70 ألف جنيه، ولكن لم يتم تنفيذ أى شىء، وعندما استفسرت قيل لى إن السيناريو المكتوب لفيلم مهرجانات لا يصلح للشاشة، فقررت تقديم القصة التقليدية التى تم تقديمها أكثر من 5 آلاف مرة، حول مطرب مغمور، يحلم بأن يصبح مغنياً مشهوراً، وعلى العكس وجدت لهفة من المنتجين، وقيل لى «هو ده اللى إحنا عايزينه»، وتوقفت بعدها، فالسينما الحالية سينما مريضة، ويريدون أن يظل ما تقدمه هو القصص المريضة.
 
■ هل حاولت تجنب فكرة التصنيف بالغوص فى مختلف المجالات والتنوع فى الموضوعات التى تطرحها؟
 
- أنا كاتب ذو نزوات، فقد مرت علىّ فترة، كان كل ما يخطر فى بالى من أفكار أقدمه، سواء كانت قصة قصيرة، أو رواية، لكن للأسف هذا ضيع منى عمرى، لذا قررت فى أواخر أيامى أن أخلص لفن واحد، وهو فن الرواية، ولكن هذا لا يمنع أننى ما زلت أكتب للأطفال، فأنا أعتبر نفسى كاتباً للأطفال، وعندما أستريح أكتب للكبار، والآن أحاول اللحاق بالكتابة فى مجال الرواية، قبل أن يمر بى العمر.
 
■ فى «عشاء برفقة عائشة»، و«قمر على سمرقند» كان الاهتمام بالمكان وتفاصيله على حساب الشخصيات الرئيسية للحدث.. هل تعمدت هذا، وهل كنت تريد التأصيل لأدب الرحلات؟
 
- كل كاتب عليه أن يخلق المكان الذى يتجول فيه، وبالنسبة لأدب الرحلات فأنا لم أرغب فى الكتابة مباشرة، بل رغبت فى أن يكون ذلك جزءاً من عملية الإبداع نفسه، فالمكان مهم جداً، وهو ما كان يقوله لنا الكاتب نجيب محفوظ دوماً: «وسعوا فرشة اللغة العربية، اذهبوا إلى أماكن جديدة، واكتبوا عن أماكن جديدة، اطلعوا من الحارة»، وأنا أؤمن أن الأدب الجيد جغرافيا جيدة، عندما يعرف الشخص المكان جيداً يستطيع أن يكتب عنه ويقدمه بشكل جيد، ولولا أننى رأيت بنفسى المدن السبع فى المكسيك، التى ذكرتها فى رواية «كتيبة سوداء»، لما خرج نصف الرواية للنور، خصوصاً فى الجزء الخاص بالملوك، ومتحف لارا كروز، فأنا لم أكن أستطيع أن أخرجها للنور دون أن أحس وأشعر بالمكان.
 
■ لماذا يغلب الشجن دوماً على نفوس شخوص وأبطال أعمالك كأن بداخلهم نوعاً من الانكسار.. وهل لذلك علاقة بالكاتب؟
 
- السبب هو أن جيلى كانت عنده أحلام كبيرة، ولكنه عاصر انكسارات كثيرة خاصة فى عهد عبدالناصر، فقد كنا نحلم بأشياء عظيمة، مثل تحقيق العدل، والحرية، وأن نقود العالم الثالث كله تجاه ثورات التحرر، وكنا نعتقد أننا سنغزو العالم، ولكن جاءت الهزيمة كضربة قاصمة لم نتصور حدوثها، وبعدها حدث شرخ كبير، جيلى لم يستطع تخطيه حتى الآن، فمصر هذه الدولة التى كنا نرى أنها كبيرة وصاحبة قيادة، إذ بنا نكتشف أنها ضئيلة، وأن هناك من يتآمر عليها، بل ويهزمها بواسطة دولة صغيرة مثل إسرائيل، وهذا سبب لى صدمة كبيرة، لم أستطع التغلب عليها مطلقاً.
 
■ وهل ترى أن الأديب يجب أن يكون له دور سياسى.. أم يجب أن يقتصر دوره على الأدب؟
 
- هى مسألة محيرة، فهناك من يقول إن الأديب لا بد أن ينجو بنفسه من السياسة وألاعيبها، وهناك من يرى أن الأديب لا بد أن يكتب فى السياسة، ويشارك فيما يحدث، فلا يترك الكتابة لمجموعة من الهمج، لكن أنا شخصياً أفضل أن أنجو بنفسى وأفرغ وقتى للكتابة، لأن ما سيتبقى منى هو تلك الصفحات، ولكن ذلك لم يمنعنى من تقديم عمل سياسى عام، مثل «ثلاث حكايات عن الغضب».
 
■ وكيف ترى الوضع السياسى فى مصر الآن؟
 
- الوضع فى مصر غير مستقر، ويعتمد على الأمن أكثر مما ينبغى، وهو ما قد يؤدى إلى تفاقم الأمور، فلا توجد أى محاولات أو دعوات للتآلف بين فئات الشعب المختلفة، كما أن الأمن يوسع الهوة بين النظام وبين الناس، وأعتقد أنه لو استمر الوضع بهذا الشكل، فسيكون هناك خطر على مستقبل النظام، فلا يجب أن يعتمد النظام على الأمن، بل يجب أن يعتمد على القانون، وإرساء مبادئ العدالة الاجتماعية، وتطبيقات الدستور.
 
■ بعد مرور ما يقرب من 5 سنوات على ثورة 25 يناير.. ما الذى تغير فى مصر؟
 
- بالنسبة للدولة نفسها، فهذه هى المشكلة، لأنها لم تغير شيئاً، والنظام من أعلى كما هو لم يتغير به شىء، فقد أثبت حتى الآن، أن الدولة المصرية أقوى بكثير من توقعات الناس، ورغباتهم بخصوص التغيير السريع.
 
■ وكيف استقبلت حكم البراءة الذى حصل عليه الرئيس الأسبق حسنى مبارك؟
 
- رغم أنه متسق مع ما يدور فى مصر حالياً، إلا أنه أصابنى بالاكتئاب الشديد، لأنى أدركت أن الثورة تلقت ضربة قوية، لكنها لم تمت كما يدعى البعض، فرغم خروج «مبارك» وغيره من رموز النظام القديم، إلا إن رموز الثورة ما زالت موجودة من وجهة نظرى، ومحاولة إحياء رموز النظام القديم وإعطائهم البراءة، بل ومنحهم المناصب الكبيرة، خصوصاً فى مجال الإعلام، لن يغير أى شىء، ولن يغير أننا رأينا على أيديهم أسوأ 30 عاماً فى تاريخنا.
 
■ يقال إن هناك حالة من اليأس تنتاب الشباب المصرى.. هل ترى ذلك صحيحاً؟
 
- الواقع محبط، والنظام قرر بدلاً من الاعتماد على الشباب، أن يدير ظهره لهم، وأن يبحث عن أسماء جديدة من النظام القديم، وهذا خطأ كبير، فالنظام لابد أن يكون أكثر انفتاحاً على الشباب، وأن ينزع روح اليأس منهم، لأن ما حدث فى الفترة الأخيرة، من القبض على شباب الثورة، واعتماد الحل الأمنى، والتضييق على كافة المؤسسات، ليس فى صالح النظام، خصوصاً أنه يبث اليأس فى نفوس الشباب، وهذا الشباب هو الذى ثار فى 25 يناير، وأسقط النظام السابق عندما تسبب له أيضاً فى الإحباط واليأس.
 
■ وصفت المصريين من قبل بأنهم أرقام لدى الحكام، فهل ما زلت عند رأيك؟ ولماذا؟
 
- المصريون يحاولون التحكم فى مستقبلهم قدر الإمكان، بل إنهم يحاولون تصحيح مسارهم، رغم كل الضغوط التى يعانون منها، لأن هناك وعياً نشأ عند الناس لم يعد بالإمكان تغييبه، وأى محاولة للدوران حول تلك الحقيقة أو إخفائها، سرعان ما ستنكشف، فالمصريون لم يعودوا أرقاماً، لأنهم يحاولون بناء أنفسهم من جديد، وأن يعرفوا العالم وأن يعرّفوا العالم بأنفسهم.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.