حينما قررت الطبقة البرجوازية الصغيرة فى فرنسا أن النظام الملكى لم يعد مناسباً لطموحاتها فى الصعود الطبقى، قادت واحدة من أشهر الثورات فى العصر الحديث، وهى الثورة الفرنسية.
رفعت الثورة شعار «حرية، إخاء، مساواة» ودفعت ثمناً باهظاً لها من دماء شعبها وطبقاتها الحاكمة.
الشىء الأهم الذى بقى من الثورة هو مبادئها المنيرة والسامية التى أضاءت نفوس وقلوب الفكر الإنسانى، بصرف النظر عن نتائج ثورة فى مخاضها الطويل الذى أدى إلى صعود «نابليون» وتحوله إلى «إمبراطور مخلّد».
وأصبحت فرنسا هى دولة الإشعاع الفكرى، وتحولت باريس إلى عاصمة النور وأصبح كتّابها ومفكروها وشعراؤها يشكلون قاعدة للضمير الإنسانى والفكر المستنير.
أصبحت مقراً لمنظمة اليونيسكو، وتحولت العاصمة الفرنسية إلى منبر للفكر وحقوق الإنسان.
لذلك كله يصبح من الأمور المذهلة ما صرح به الرئيس الفرنسى «أولاند» أمام اجتماع الاتحاد الأوروبى منذ أيام.
قال الرئيس الفرنسى لقادة أوروبا: «إننى أستأذنكم بأن تتوقف فرنسا عن تطبيق اتفاقية حقوق الإنسان وعن الالتزام ببنودها لفترة من الزمن رغم أنها كانت من الدول المؤسسة للاتفاقية الدولية وأحد الذين سطروا بنود ميثاقها».
هل يصدق أحد هذا الكلام؟
هل يصدق أحد أن يطالب الرئيس الفرنسى بتجميد قيام بلاده بالالتزام ببنود الاتفاق الدولى لحقوق الإنسان؟!
نعم! إنها الحقيقة المُرة.. والسبب يرجع بالطبع إلى اضطرار الرئيس للجوء إلى إجراءات استثنائية فى مواجهة عمليات الإرهاب المحتملة التى تواجه بلاده فى الوقت الحاضر.
اكتشفت السلطات الفرنسية أن مواجهة هيستيريا وجنون الإرهاب التكفيرى لا يمكن أن تتم فى ظل قوانين عادية لتتعامل مع المتهم بأنه متهم حتى تثبت إدانته، ولا تعطى الحق للشرطة باستخدام العنف إلا تحت شروط قاسية تجرد قوات الأمن من استخدام الحق الشرعى فى مواجهة العنف.
اكتشفت السلطات الفرنسية أنها لا تستطيع تأجيل مداهمة منزل يشتبه أنه يحوى مجموعة من المتهمين بالإرهاب حتى يتم استصدار تصريح من المدعى العام فى باريس مروراً بسلسلة معقدة من الإجراءات البيروقراطية.
وفى التاريخ المعاصر لجأ الرئيس جورج بوش الابن إلى الكونجرس لإصدار تشريع اسمه قانون «حماية الوحدة الوطنية» يعطى السلطات حق توسيع دائرة الاشتباه والتنصت والمتابعة والاعتقال الفورى لمدة تصل لـ6 أشهر لأى مواطن أو مقيم على الأراضى الأمريكية.
فى بريطانيا، قال رئيس الوزراء كاميرون منذ سنوات عقب عمليات الإرهاب فى لندن: «عندما يتعرض الوطن للإرهاب لا تحدثونى عن حقوق الإنسان».
هل هذا يعنى استباحة حقوق الإنسان أو إهدارها؟ بالطبع لا، ولكن العنف والإرهاب لا يمكن أن يعامَل باللطف والأدب وتقديم باقات الزهور وزجاجات العطر للقتلة والسفاحين.
نقلا عن الوطن