الأقباط متحدون - حديث البحيرة
أخر تحديث ٠٠:٢٧ | الثلاثاء ١ ديسمبر ٢٠١٥ | ٢١ هاتور ١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٦٣ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

حديث البحيرة

زهير دعيم
مرّ الكثيرون من هنا ...مرّوا بجانبي ، وشربوا من مائي ، واغتسلوا من أدرانهم.
 
مرّ القادة من كلّ الأمم بسنابكهم وخوذاتهم وعبوسهم .
 
مرّت الجيوش بجحافلها ومعدّاتها ، فأزعجت سكينتي ، وعكّرت مياهي وحياتي .
 
مرّ الغنيّ والفقير والأرملة والروماني واليهودي والحثّي والآرامي .
 
مرّ النّسر والأسد واليمامة .
 
مرّ المعمدان فصرخ وهدر وتوعّد ، وراح يغسل النفوس بماء التّوبة.
 
مرَّ التّاريخ مُثقلا بالحوادث والحادثات ، يجرّ تارة رجليه جرًّا ، وتارة يركض ويعدو ، وأخرى يغنّي.
 
مرّوا جميعًا وامّحت آثارهم ، محتها العاصفة والهدير ، ولم يبق منهم في ذاكرتي إلا السديم والضباب !!
 
 
ومرّ يسوع ....فغرّدت موجاتي ، وصفّقت أشجار الصّفصاف الصنوبر ، وخشع البرقوق والجوريّ والياسمين .
 
مرّ يسوع بجانبي فاغتسلت جوانحي ، وتطهّر مائي ،" وحملقت" الى فوق ، الى صوت آتٍ من السّماء : " هذا هو ابني الحبيب له اسمعوا"
 
مرّ يسوع فتسابقت السّمكات لكي تقع في شباك بطرس واندراوس ، وكلّ واحدة تقول : أنا...أنا .
 
مرّ يسوع فهرب البرَص لا يلوي على شيء ، وفرّ الجوع أمام قفف الخبز المُحمّر بالمحبّة.
 
مرّ وكل يومٍ يمرّ بخاطري ...أنا بحر الجليل ، البحيرة الصغيرة  الغافية بين جبال ومروج ارض الميعاد ...كُنتُ نسيًا منسيًا ، كنت بحيرة من آلاف االبحيرات  تمرّ فوقها النسور فلا تلتفت ، ويمرّ بجانبها التاريخ فلا يتوقف الا نادرًا ...إلى أن جاء ذاك المُحمّل بالأزهار والأشواك والآلام والطعنات .
 
جاء فرفعني إلى فوق ...
 
رفعني فوق عمالقة البحيرات .
 
سما بي فوق التاريخ وأهله، وخطّني في كتاب الأيام قصيدة جميلة.
 
جاء " فسرقني " من ذاتي ، وأنساني نفسي ، وهو ينثر درره فوق موجاتي ؛ هذه الموجات التي تمرّدت مرّةً ثم عادت واستكانت كما الطفل في حضن امّه.
 
افترَشني – أنا بحيرة طبريا - بساطًا لو تعلمون ، ومشى واثقًا ، وكدت أموت ضحكًا حين مشى بطرس الصيّاد فوقي خطوات ، ثمّ شهق : إنّي أغرق ..ومدّ السيّد يمينه كما يمدّها كل يوم.
 
لماذا شككتَ ؟ !!
 
مرَّ الكثيرون ونسيتهم الذاكرة !!
 
ومرَّ الله فغنّت جوانحي وأمواجي وما زالت تغنّي.......

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter