اعتداءات الشرطة على المواطنين داخل الأقسام تزايدت وتسارعت وتيرتها خلال الأيام السابقة، بحيث لم تفلت منها محافظة، من الصعيد حتى وجه بحرى، زادت الأمور على الحد، وتكررت وقائع سقوط مواطنين قتلى داخل أقسام الشرطة. كان آخر هذه الحالات المواطن الذى مات فى قسم بندر ثانى الأقصر، بعد القبض عليه، واتهم الأهالى ضباط القسم بتعذيبه، وتجمعوا حول القسم وحاصروه واشتبكوا مع الشرطة التى حاولت تفريقهم، وبعدها بساعات ظهرت واقعة وفاة طبيب صيدلى بعد ساعات من نقله من قسم أول الإسماعيلية، بعد إصابته بسكتة قلبية، جراء التعدى عليه بالضرب داخل القسم، كما زعم أقاربه.
يرى البعض أن العبور على مثل هذه الوقائع أوجب خلال الظرف الحالى الذى تواجه فيه الشرطة إرهاباً غشوماً، يتربص بأفرادها، ليسقط منهم شهداء كل يوم. ولست أختلف على التضحيات التى تقدمها الشرطة فى هذا السياق، وندعو الله أن يحفظ أفرادها حتى يستطيعوا القيام بمهمتهم الثقيلة فى حماية أمن المواطنين، وتجنيبهم نار الإرهاب، ولكن هل يمكن أن يتقبل عاقل أن يتذرع البعض بمحاربة الشرطة للإرهاب، لتبرير اعتدائها على المواطنين، وتسبب زبانية أقسامها فى سقوط قتيل كل يوم؟. إن مثل هؤلاء كمثل من يبرر لأب عائد من عمله ضرب أبنائه وتعذيبهم، حتى ولو أدى هذا التعذيب إلى قتل أحدهم، ويقول: الأب معذور.. أصله راجع من الشغل مقريف وتعبان!. مؤكد أن مثل هذا الأب يفرغ شحنات القهر التى عانى منها فى مكان العمل أو الشارع فى أبنائه، بشكل مَرَضى، يحتاج إلى علاج. والقهر فى الخارج، لا يبرر لأى شخص قهر الضعفاء فى الداخل!. لقد استشهدت غير مرة بوصية الرئيس عبدالفتاح السيسى للداخلية -حين كان وزيرها اللواء محمد إبراهيم- بمراعاة المواطنين، وعدم الجور عليهم أو إيذائهم. لست أرى مبرراً لتكرار هذه الحوادث غير الرغبة فى العودة بجهاز الشرطة إلى منهجيته التقليدية التى كان يؤدى بها قبل ثورة 25 يناير 2011 التى يفصلنا عن ذكراها الخامسة بضعة أسابيع!. تلك المنهجية التى وضع أصولها «حبيب العادلى» وزير داخلية «مبارك»، واعتمدت على تخويف وإرعاب الشارع كآلية للسيطرة على المواطنين، وكبح جماحهم. وهى السياسة التى أدت فى النهاية إلى اندلاع مظاهرات 25 يناير، والتى توجهت، أول ما توجهت، نحو المطالبة بإقالة حبيب العادلى، وعندما لم تجد هذه المطالبات أذناً واعية، انتقل أصحابها إلى الهتاف بإسقاط النظام. ولا يستطيع أى محلل أن يقفز على حقيقة أن ممارسات الشرطة فى مصر كانت سبباً مباشراً من أسباب قيام الثورة، من جانب شعب قرر التوقف عن السماح بإهدار كرامته. وللعلم فقد كانت شرطة «مبارك» تحارب الإرهاب هى الأخرى منذ التسعينات، ومع ذلك رفض الناس أداءها فى ممارسة الإرهاب عليهم!.
أذنان أريد أن أهمس فيهما على هامش هذه الممارسات المرفوضة داخل أقسام الشرطة، أولاهما أذن السلطة السياسية ولها أقول: كرامة المواطن العادى عند القبض عليه لا تقل فى القيمة والأهمية عن كرامة رجل الأعمال.. وثانيهما زملاء مهنة الإعلام ولهم أقول: عيب عليكم أن تثوروا كل هذه الثورة عندما تم القبض على أحد رجال الأعمال بطريقة مهينة، وأن تصمتوا هذا الصمت عند إهدار كرامة مواطنين عاديين يسقطون ضحايا داخل الأقسام.
نقلا عن الوطن