الأقباط متحدون - البابا تواضروس ومحاكم التفتيش
أخر تحديث ١٩:٢٦ | الأحد ٢٩ نوفمبر ٢٠١٥ | ١٩ هاتور ١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٦١ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

البابا تواضروس ومحاكم التفتيش

محمود بسيونى
وداع الاباء طقس مقدس ، يزيد حينما يكون المتوفي هو اول من التقي به البابا حينما أختار طريق الرهبنة ، البابا تواضروس بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية ودع حياته المدنية وانضم لسلك الرهبنة عام ١٩٨٦ ، وكان الانبا ابرام الاورشاليمى مطران القدس الراحل هو اول من استقبله في دير الانبا بيشوى ، فكيف يموت المطران ولا يرأس البابا قداس وفاته ؟ ، سافر البابا للقدس في ظرف انسانى دقيق ، ولا يعلم ان رغبته فى القاء النظرة الاخيرة علي الحبر الجليل سيجر الكنيسة لجدل عقيم ، و سيدخل رغما عنه في خضم المزايدة السياسية المستفحلة ضد الدولة ومؤسساتها ، واجه البابا محكمة تفتيش نوايا رخيصة ومبتذلة من شخصيات واحزاب بلا مصداقية ، تريد ان تهيل التراب علي الجميع  .

سافر البابا الى القدس مباشرة ، للمرة الاولي بابا الاقباط في الاراضى المحتلة منذ عام ١٩٦٧ ، ومع ذلك رفض تلبية دعوة الرئيس الفلسطينى محمود عباس ابو مأزن لزيارة رام الله دون اصطحاب شيخ الازهر ، وهو ما يعنى تمسك الكنيسة بقرار المجمع المقدس برئاسة البابا شنودة عام 1980 بعدم التصريح لرعايا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالسفر إلي القدس ، وذلك لحين استعادة الكنيسة رسمياً لدير السلطان، ويسرى هذا القرار تلقائياً ما دام الدير لم يتم استعادته، أو لم يصدر قرار من المجمع بخلاف ذلك" ، قرار سياسي من المجمع المقدس وليس دينيا .

تمسكت الكنيسة بموقفها سنوات طويلة رغم الم الاقباط لعدم قدرتهم على زيارة مهد المسيح  ، الا ان بعضهم تحايل وسافر للقدس وعاد ، فهم لايرون اى مؤشر للتغيير فى الاراضى المحتلة ، ورغم ذلك تمسكت الكنيسة بموقفها ، وقاسى شعبها من عدم قدرته على زيارة مهد المسيحية  ، حتى تحول الامر الي خلاف بين الكنيسة وعدد من مفكرى الاقباط ابرزهم الراحل ميلاد حنا مع البابا شنودة ، رغم ان  كلاهما كان ضد التطبيع مع الكيان الصهيونى وضد اجراءات الاحتلال ، كان حنا يشجع على تواجد المصريين والعرب من مسيحيين ومسلمين للحج الى القدس واثبات حقوقهم التاريخية ومساندة فلسطينى 48 الا ان البابا شنودة تمسك بموقفه الرافض لذلك .

الكنيسة المصرية ضغطت لاسترجاع حقها فى دير السلطان الذى تم تسليمه الى الكنيسة الاثيوبية بالتواطؤ مع السلطات الاثيوبية. وربما كانت فى وقتها عربون صداقة من اسرائيل الى دولة اثيوبيا وما ترتب علية من نتائج.

الغريب ان تظهر اراء وبعضها مسيحى تقول ان زيارة البابا الانسان المحب لمتوفى يمكن ان تثير فتنه طائفيه ، او ان المسلمين لن يقدروا الظرف الانسانى للبابا ، متناسين ان سبقة للزيارة اثنين من الروساء المسلمين انور السادات وحسنى مبارك ، ومن القيادات الدينية الاسلامية الشيخ على جمعة مفتى الجمهورية السابق ، فلم ستعتبر زيارة البابا الغير رسمية اشعالا للفتنة ؟

وظهر فى التناول الاعلامى المجحف اسئلة من نوعية ، لماذا سافر الى القدس مباشرة ؟ ، لماذا لم يذهب عبر الاردن؟ ، الطائرة كان عليها السفير الاسرائيلى ، الحكومة الاسرائيلية ارسلت مندوبا للتعزية فى وجود البابا ، حصل على موافقة جهات سيادية ، وكأن الكل يريد عزف مقطوعة واحدة البابا يزور اسرائيل ، البابا يوافق على التطبيع متناسين ان مقاطعة مصر لم تنقذ فلسطين بل ساهمت فى غربة شعبنا العربى فى فلسطين المحتلة طوال السنوات الماضية ، فلا يرون امامهم سوى الصهاينة ، واختفى التنوع العربى المطلوب للحفاظ على عروبة القدس .

البابا تواضروس كان أحرص الجميع على التمسك بالثوابت ، فهو يعلم انه فى موقف لا يحسد عليه ، كانت تصريحاته وتصريحات المتحدث بأسم الكنيسه تسرد الحقائق و تستعطف القلوب والعقول ، لا تحكموا على طقوس البابا الانسان بالسياسة ، ولا تعطوا للامور أكبر من حجمها ، لكن المزيدات فى مصر بعد ثورتين بلا سقف .

منذ شهور القينا على البابا تواضروس عبء انجاح ما فشلت فيه الحكومة خلال التفاوض مع الاثيوبيين حول تأثيرات سد النهضة ، سياسة الحكومات المتعاقبة منذ 25 يناير  ووفود  الدبلوماسية الشعبية التى كانت اول من وافق على انشاء سد النهضة ومن بينها من ينتقده الان ، تحرك البابا لحل المشكلة دون ان تكون تحت يديه اى سلطة  ، فالكنيسة الاثيوبية انفصلت عن الكنيسة المصرية منذ زمن ، وهناك فصل بين الكنيسة وبين الحكومة الاثيوبية ، طلبنا المستحيل ، حاول البابا لكن الموج كان اقوى منه ، لم يسمع من الاثيوبيين سوى تطمينات لم تترجم الى تغيير أو تحريك فى الموقف الاثيوبى المتشدد .

لا يمكن تحميل زيارته للقدس بأكثر مما كانت عليه ، الرجل لم يقابل نتنياهو و لم يجلس مع اى مسئول اسرائيلى ، لم يخرج عن النص حتى ينهشه المتربصون بهذا الشكل ويثيروا الجدل حوله ، لقد تناسوا عمدا ان البابا بشر ، ورفضوا الوثوق فى الكنيسة ، يصنعون بشكوكهم ازمة لوطن غابت عنه معانى الثقه والاحترام لمؤسساته ، لقد فرقتنا السياسة ، وحولت الشائعات حياتنا الى جحيم من الشك والتشكك .. ارفعوا ايديكم عن البابا والكنيسة ، وتوقفوا عن اثارة الفتنة التى لا تفيد سوى سيناريوهات الفوضى .


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter