شهِدت “مِصر”، في الشهر الماضي، انتخابات مجلس الشعب التي تُعد الاستحقاق الثالث الذي يجري تنفيذه في طريق المِصريِّين نحو صنع مستقبلهم؛ كان الاستحقاق الأول هو وضع الدُّستور الذي أعقبه انتخاب رئيس الجُمهورية.
والمستقبل هو الطريق الذي سوف نمضي فيه، حاملاً ما سوف نحياه من فرح أو ألم، نجاح أو فشل، حياة كريمة أو هوان؛ وفي هٰذه كلها يأتي اليوم ليكون هو ما يخُط الفارق بين المستقبلين. فبينما نبني حياة المستقبل التي سوف نعيشها الغد نحن وأبناؤنا، تُعلمنا الحياة أن ذاك المستقبل ليس هو إلا نتاج ما يعملوه البشر لأنفسهم؛ فكل منا هو صانع مستقبله. إن العمل ضروريّ وأساسيّ، والمواقف والاختيارات هي السبيل إلى إما بناء الغد وإما هدمه! لذا، فلينتبه كل إنسان اليوم: أيَبني، أم يهدم؟! وهٰكذا يصير المستقبل مسؤولية ملقاة على عاتق كل إنسان.
يقولون: “لا تتوقع من نبتة الصبار أن تُثمر تِفاحـًا. فحاول أن تعرِف أصل الأشياء لئلا تُصدم في المستقبل معها.”. نقطة ثانية في طريق المستقبل، علينا أن نعي آثارها جيدًا قبل أن نمضي قدمـًا في الطريق: أن تكون هناك رؤية وإدراكـًا لنتاج ما يقوم الإنسان به من أفعال على ما يريد تحقيقه من آمال في المستقبل؛ فالبشر جميعـًا في قارب واحد، إما اتحدوا للوصول به نحو الشاطئ، وإما اختلفوا وسعى كل منهم إلى وجهته ما يؤدي إلى غرق القارب بهم جميعـًا.
أيضـًا المستقبل يحتاج إلى أن تحدد الهدف الذي تسعى نحوه بوضوح، وتعمل على تحقيقه دون أن تنشغل بأمور أخرى قد تُفقدك إياه تمامـًا. أتذكَّر قصة عن مجموعة من المسافرين أبحروا في سفينة، وهبت عليها الرياح وتحطمت عند شواطئ إحدى الجزر، وكان ذٰلك مع بَدء فصل الصيف. وهناك جلس الجميع يدرُسون أمر مستقبلهم؛ فقرروا البَدء في فِلاحة الأرض لزراعة ما سوف يحتاجونه عند قُدوم الشتاء. وفي أثناء العمل، اكتشف أحدهم أحد مناجم الذهب التي تملأ الجزيرة. فرِح الرجل وأخبر الآخرين، فتركوا أمر زراعة المحاصيل، وكرسوا جُهودهم لجمع أكبر كَمية ذهب. وبالفعل جمع كل منهم ما يجعله من أغنى البشر. إلا أن الشتاء ألقى بظلاله سريعـًا على حياتهم ولم يجدوا ما يَقُوتهم، ففقدوا حياتهم متضورين جوعـًا وهم الذين يملِكون ثروات عظيمة!! ولِمَ لا وهم قد انشغلوا بها عن هدفهم الأساسيّ.
لذٰلك، ليكُن المستقبل البداية الجديدة التي نسعى نحوها، تاركين الصراعات والخلافات جانبـًا، في رحلة عمل وتعاون نحو مستقبل نحلُم به يحقق لنا جميعـًا الرخاء والنجاح. إن في الوطن الواحد لا يوجد بعض خاسر وبعض آخر فائز، بل الجميع فائزون أو خاسرون! لأن طريقنا واحد، ونرسُِم مستقبلاً سوف نحياه جميعـًا معـًا. هٰذا هو بالحق ما نحتاجه لأنفسنا وأسَرنا وبلادنا في هٰذه المرحلة الحاسمة من صنع مستقبلنا.
يقولون: “إن الماضي لا يموت”، حقـًّا، ويجب على الإنسان ألا ينسى ما مر به من خبرات فيه؛ فإن من لم يتعلم منه عليه أن يُدرك أنه يخسَِر كثيرًا، إذ يكرر الأخطاء مرات ومرات، وهو يظل واقفـًا دون حراك عند العقبات نفسها التي تعثَّر فيها! دَع الماضي يمضي، ولا تقف عند أعتابه متحسرًا عليه، فكما يقول الكاتب الكبير “أنيس منصور”: “لا مستقبل لك، إذا أضعتَ حاضرك أَسِفـًا على ماضيك”؛ وإنما تذكَّر خبراته التي تقودك نحو التطور والنجاح.
وختامـًا: أعجبتني هٰذه الكلمات: “يجب على الإنسان أن يكون ناضجـًا بما يكفي ليُقر بأخطائه، وذكيـًّا بما يكفي ليتعلم منها، وقويـًّا بما يكفي كي ما يصححها.”.
نقلا عن الأنبا ارميا