بقلم: مينا ملاك
من أقوال المشير "عبد الغني الجمسي" في مذكراته "أن مصر انهزمت من إسرائيل في خمسة يونيو، وكانت الحدود في نظر إسرائيل حدود غير آمنة، وانهزمت إسرائيل من مصر في ستة أكتوبر فيما اعتبرته إسرائيل حدود آمنة!" وهذا صحيح؛ ففي الوقت الذي كانت "إسرائيل" تحتمي وراء خط بارليف وقناة السويس التي شكلت بجغرافيتها أصعب مانع مائي في التاريخ ومعها الساتر الرملي، انهزمت "إسرائيل" هزيمة أستطيع أن قول عنها إنها هزيمة مذلة، ولولا أن "أمريكا" أبت أن ينهزم سلاحها أمام السلاح السوفيتي، ولولا أن السلاح السوفيتي الذي كان يستخدمه المصريون محدود الإمكانات بالمقارنة بنظيره الأمريكي، لما كان لـ"إسرئيل" وجود.
ونحن هنا نطرح قضيتين، الأولى إنه لولا الرفض الأمريكي للهزيمة والسلاح السوفيتي، لما كان لـ"إسرائيل" أثر.. وهذا صحيح، حيث أن لإستراتيجيات الحرب الباردة، ومسألة توازنات القوى، والثوابت والمتغيرات الدولية لعبت دورًا كبيرًا في إخراج نتيجة حرب أكتوبر، ناهينا عن أن لليهود الأمريكيين تأثير كبير على السياسة الأمريكية. غير أن "إسرائيل" بتواجدها في تلك المنطقة الحساسة من العالم في وسط عالم عربي وإسلامي تُعد كنزًا بالنسبة لـ"أمريكا"، جعلت "إسرائيل" حارسًا لهذا الكنز، فحتى لو لم يكن لليهود الأمريكيين وجود في "أمريكا" ولا في حساباتها، كانت "أمريكا" أيضًا ستلقي بثقلها وراء "إسرائيل" لأنها تنفذ لها مصلحة.
أما بالنسبة للحرب الباردة فهي التي شكلت وجدان السياسي الأمريكي وسيطرت على فكره إبان تلك الفترة من الصراع العربي الإسرائيلي، ولكي نعبر عن هذه الأفكار نستطيع أن نعطي بعض الأمثلة منها الآتي: "مصر" كانت تأخذ سلاحًا سوفيتيًا طيلة فترة "عبد الناصر"، ورغم ذلك كانت "إسرائيل" متفوقة على "مصر" في العتاد والإمكانيات إلى أن ضغط "ناصر" بكل طاقته وقال سأترك الحكم، فأعطونا صواريخ مضادة للطيران الإسرائيلي، وأخذنا نبني حائط الصواريخ، وكان رائعًا، وكانت ملحمة لن تُنسى حين اختلط الدم بالأسمنت لرفع الحائط وتأمين منطقة القناة، وخلق غطاء جوي مضاد للغطاء الجوي أو بالأحرى لليد الطولى الإسرائيلية يحمي جنودنا العابرين ويحمي مناطقنا الحيوية داخل "مصر" وحتى الصعيد؛ حيث كانت "إسرائيل" تتفنن في تأدية ضربات استعراضية من شأنها الفت في عضض المصريين بضرب قناطر "نجع حمادي" مثلاً، وضرب "أبو زعبل"، والمرور فقط من فوق "القاهرة" بطائرات فاقت سرعة الصوت لتكسير زجاج النوافذ وحسب، مما يزعزع الثقة في القيادة السياسية حينها. ولما وقف حائط الصواريخ على قدميه، بدأ تساقط الطائرات الفانتوم الأمريكية أمام السلاح السوفيتي المتطور، فأمدت "أمريكا" "إسرائيل" بسلاح القنبلة التليفزيونية، ولكن توقفت سريعًا بتوقف إطلاق النار وقبول مبادرة "روجرز"، وعادت تمدها بها بعد أن صرخت مائير في حرب أكتوبر أغيثونا، وهددت بالاسقالة، ولولا ذلك ما صمدت "إسرائيل" أمام بسالة المصريين في القتال.
والقضية الثانية تمثلت في أن الحقيقة في المساندة الأمريكية لـ"إسرائيل" عادت ليس للسيطرة اليهودية على دوائر صنع القرار فيها، فهذا أتى متأخرًا وإن كان موجودًا فلم يكن مؤثرًا، فمثلاً "ايزينهاور"- الرئيس الجمهوري لـ"الولايات المتحدة الأمريكية"، رفض العدوان الثلاثي في عام 1956 في عز انتخابات الرئاسة الأمريكية، وأصرّ بعدها على انسحاب "إسرائيل" بغض النظر عن إنه كان يريد إعطاء درس لـ"إسرائيل" بألا تتحرك في المنطقة إلا بإذن من "أمريكا"، إلا إنه استطاع أن يكبح جماح العدو الإسرائيلي حينها، وأوقف العدوان الثلاثي، بل أجبرها على الانسحاب من شبه جزيرة سيناء.. إذن المهم ليس أصوات اليهود ولا سطوتهم، إنما هو "إسرائيل" وكيانها أن يستمر، لأنه ذو مصلحة كبيرة لـ"أمريكا"، خاصةً وأن "أمريكا" فقدت "مصر" التي كانت تعوِّل عليها أن تقبل فكرة الأحلاف والدفاع عن منطقة الشرق الأوسط وتكوين ما يعرف بالـMEDO "Middle East Defense organization" مما أوجد "أمريكا" أمام حقيقة مفاداها إنه لا مناص من أن تعتمد على "إسرائيل" لتنفيذ مخططها الرامي للدفاع عن منطقة الشرق الأوسط، تلك المنطقة الرخوة القريبة من الجسد السوفيتي الذي يحلم هو الآخر منذ القيصر "بطرس" الأكبر بالوصول للمياه الدافئة، والتي تتمثل في سرة بحار العالم ألا وهو البحر المتوسط. فكانت "أمريكا" تقلق من أن يثب السوفيت ويسيطروا على حقول نفط العالم، ومنطقة الشمس المشرقة، وسرة طرق التجارة العالمية، فكان واجبًا عليها أن تُوجد ما يُعرف بلغة السياسة "كلب حراسة"، أو دول متقدمة كمخلب لإيقاف أي خطر في مهده، فكانت "إسرائيل" وكان على "أمريكا" أن تبذل كل ما في وسعها لكي تحميها، والعكس تحمي "إسرائيل" "أمريكا". ولذا كانت حرب أكتوبر حربًا قلبت الموازين ليس فقط العسكرية بهزيمة قوة مسلحة بأحدث الأسلحة، وإنما حرب استطاعت أن تقلب أيضًا الموازين السياسية من حيث جعلت "أمريكا" تغيّر من رأيها، وتلقي بثقلها في سبيل إقناع "مصر" بأن تكون في صفها، حيث اقتنع الأمريكيون أن "إسرائيل" وحدها غير قادرة أن تقف بمفردها مهما كانت مسلَّحة، خاصةً إذا وضعنا في اعتبارنا بعد المسافة بين "أمريكا" و"إسرائيل"، مما يعني أن "أمريكا" ستتكلف الكثير إذا ما قامت حرب مثل حرب أكتوبر ثانيةً.
فكان عليها أن تسعى من الحظات الأولى للحرب بعدم استفزاز "مصر" لدرجة كبيرة، خاصةً وإنها في اللحظات الأولى كانت على ثقة بأن "إسرائيل" ستحسم الأمر مبكرًا لصالحها، لكن مع تقدم مجريات الأمور بات لديها قناعة أن "مصر" ليست بالدولة السهلة، فأخذت تبطئ من الدعم المقدم لـ"إسرائيل" لسببين، أولهما: للي عنقها لتقبل ما ستريده "أمريكا" فيما بعد، ولتعرف "إسرائيل" أهمية "أمريكا" لها. والسبب الثاني: حتى لا تخسر صداقة مع "مصر" رأتها بعين المستقبل السياسي. وقد كان لـ"أمريكا" ما أرادته في السبب الثاني، لكن السبب الأول لم يحدث لسبب بسيط أن "إسرائيل" هي التي لوت عنق "أمريكا"، وقالت لها لن نستمر في اللعبة ما لم تأمنونا، فكان لها ما أرادت، وأخذت تعهدات وأسلحة تعويضية وتأمينية، لكن بقى عند "أمريكا" ولدى "إسرائيل" هاجس خطورة الموقف السياسي والعسكري في المنطقة مهما كان التأمين دقيقًا.
وأخيرًا، استحقت "مصر" الانتصار، وأن تعبر ليس فقط قناة السويس والخط العسكري الدفاعي الأشهر، وإنما لأنها أيضًا عبرت الهزيمة.. فالهزيمة في حد ذاتها كانت تشكل حاجزًا نفسيًا رهيبًا وقف عائقًا أمام جنود "مصر" الذين ذاقوا الهزيمة من القوات الإسرائيلية ثلاث مرات متتالية في 48 و56 و67، فكانت حرب أكتوبر 1973، حرب عبر بها المصريون فوق الصعب، وفوق الظروف السياسية والإقليمية والدولية غير المواتية، والظروف العسكرية غير المطمئنة. وفوق ظروف نفسية كان لها الأثر في ضعف الأمل لدى "إسرائيل" في أن هناك أمل لأن يقوم قائمة للجيش المصري، حتى أن "ديان" أعلن بعد حرب خمسة يونيو إنه ينتظر اتصال "ناصر" للتفاوض معه، لكن "ناصر" لم يتصل، وإنما "مائير" هي التي اتصلت بـ"كيسنجر" تطلب منه النجدة، وإلا أتتهم من فورها لـ"واشنطن".
المختصر المفيد، أذكر الآن نكتة حفظتها كتبها العملاقان "مصطفى أمين" و"أحمد رجب" كان يبدو فيها "ديان" يتصل بـ"السادات" على ما أذكر يقول مش دي نمرة 5 6 67 فيرد "السادات" بقوله: لا دي 6 10 73.