الموضوع جد خطير.
ولا بد أن تبدأ كل صمامات الأمان فى العمل، لمنع انجراف الأطراف المختلفة إلى مواجهات أكثر دموية وأكثر تدميراً وأقل تعقُّلاً.
التصريحات من الطرفين، التركى والروسى، تقلق أكثر مما هى تطمئن.
«ميدفيديف»، رئيس الوزراء الروسى، يعلن أن إسقاط تركيا المقاتلة الروسية قد يلغى مشاريع مشتركة، كما أن روسيا توقف إمدادات الغاز إلى أوكرانيا.
نشر منظومة صواريخ شديدة التطوير من قبَل روسيا فى سوريا.
«أردوغان» يهدد بأنه لن يسمح بأى انتهاك للسيادة التركية أو «لأقربائهم» فى تركمانستان، شمالى سوريا، حيث يقطن مليون ونصف المليون سورى من أصل تركمانى.
وفى المقابل، فإن الغارات الروسية على منطقة تركمانستان لم تتوقف منذ أكثر من شهر، وتتزايد وتيرتها مع كل دقيقة حتى كتابة هذه السطور.
كل هذا يُعقّد المشهد فى سوريا، ويجعل الحديث عن حل سلمى محتمل، مسألة شبه مستحيلة فى المستقبل المنظور، لأن الأطراف التى يُفترض أنها تحارب «الإرهاب» اتضح أن لها تعريفات مختلفة لمن هو «الإرهابى».
وأصبحوا فى صراعات بينية أعمق من صراعهم مع «الإرهابيين».
ولا أستبعد أن تلجأ روسيا إلى دعم حزب العمال الكردستانى لإثارة القلاقل داخل تركيا كشكل من أشكال الانتقام.
ولا ننسى أن للدولتين تاريخاً فى الحرب المباشرة بينهما، مثلما كان عليه الحال فى حرب القرم بين الدولة العثمانية وروسيا القيصرية. وخلال ثلاث سنوات من الحرب، استدعت كل دولة حلفاءها، لا سيما بريطانيا وإيطاليا اللتان تدخلتا ضد العثمانيين، وانتهت المعركة بمعاهدة باريس على مضض من الطرفين.
يقول مشارى الذايدى فى مقال له فى «الشرق الأوسط»: «كان من ضمن جولات حرب القرم التى هزم فيه الجنرال التركى عمر باشا القوات القيصرية الروسية، وحين عرض الإمبراطور الفرنسى نابليون الثالث الوساطة لإنهاء القتال بين العثمانيين وروسيا، رفض القيصر الروسى نيقولا الأول ذلك، وقال: أشعر أن يد السلطان على خدى (أى ضربه على وجهه)».
والآن علق «بوتين» على إسقاط الأتراك المقاتلة الروسية بأن روسيا تعرّضت لطعنة فى الظهر.
ليس ضرورياً أن يعيد التاريخ نفسه بتطابق، لكن بعض مسببات اللازمة الثابتة فى الجغرافيا والهوية السكانية والسياسية وأيضاً المصالح الاقتصادية، تجعل عودة الأزمات طوال التاريخ أمراً متوقعاً بصيغ مختلفة.
المعضلة فعلياً أن جميع الأطراف يعلنون أنهم يريدون الهدف نفسه: حرب الإرهاب. لكنهم لا يتعاملون مع الإرهاب بالمعايير نفسها.
سوريا الدولة وسوريا الوطن وسوريا المواطن دخلت فى فصل جديد أكثر تعقيداً مما كانت عليه، لأنها الآن ستصبح ساحة لتصفية حسابات القوى الكبرى.
من أسف، أن التحولات الكبرى فى النظام الدولى تجد ساحة واسعة لها فى منطقتنا، لأننا أضعف من أن نفرض إرادتنا على غيرنا، ولأن مناعتنا تراجعت، لدرجة أن مصيرنا ليس بأيدينا.
نقلا عن الوطن