نشرت جريدة «المصرى اليوم» خبراً عن صدور ترجمة للقرآن الكريم فى الولايات المتحدة الأمريكية بهدف محاربة بعض الأفكار التى تتبناها الجماعات المتشددة. وتطرح الترجمة تفسيرات معتمدة لعلماء من دول العالم الإسلامى المختلفة تعالج بعض التأويلات الخاطئة التى تتبناها هذه الجماعات عند النظر إلى آيات الذكر الحكيم، من ذلك على سبيل المثال الآية القرآنية التى تقول: «فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَناً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ». وهى آية استخدمها تنظيم «داعش» لتبرير قطع رؤوس رهائنهم، وتوضح الترجمة الأمريكية أن الآية الكريمة مقتصرة على ساحات الحرب ولا تعبر عن حالة مستمرة.
الترجمة التى قدمها «الشيخ الأمريكانى» بالطبع لم تأت بجديد، على الأقل فى سياق هذه الآية، فالدلالة فيها صريحة على أن التوجيه مرتبط بالحرب: «حتى تضع الحرب أوزارها»، ومن المعلوم أن سورة «محمد»، التى وردت فيها الآية الكريمة، توصف بأنها «سورة القتال». والسياق المسيطر عليها يرتبط بأحوال القتال، وليس بالأحوال الاعتيادية، وتقديرى أن الآيات الدالة على معانٍ شبيهة فى القرآن الكريم، ترتبط جميعها بظرف الحرب، وليس بغيرها، ونظرية التأويل تنص على عدم إهدار السياق عند استخلاص المعانى من النصوص، لأن السياق هو أساس تحديد المعنى، وليس المبنى اللفظى وحده. ومن المعلوم أن الكثير من الكتب التى نظرت لأفكار الجماعات المتشددة التى تعتبر أن السلاح أداة لتحقيق مراميها وأهدافها، لا تؤمن بفكرة السياق، وتعمل على بتره واستبعاده، عند تأويل آيات القرآن الكريم.
اللافت فى الأمر أن تكون جهة أمريكية مصدراً لهذا الطرح، خصوصاً أن الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض دول الغرب، لعبت -ولم تزل تلعب- دوراً أساسياً فى دعم الجماعات المتشددة، وفتح أبوابها لها، وليس هذا التوجه وليد اللحظة، بل هو قديم قدم الجماعات المتشددة نفسها. أما الأكثر لفتاً للانتباه فهو أن هذا الجهد تم بعيداً عن مؤسسة بحجم الأزهر الشريف، ثمة اتفاق بين الجميع على أنها مسئولة عن تصحيح المفاهيم الخاطئة لدى بعض المسلمين، ولها دور مهم فى تصويب مكامن الخطأ فى الخطاب الدينى. ليس على مستوى التنظير وحده، ولكن كفاعل على الأرض، وكمؤسسة قادرة على التحرك بين المسلمين، داخل وخارج مصر، بفكر دينى سليم.
ظنى أن واحداً من الأسباب التى تعطل الأزهر عن القيام بالدور المأمول فى هذا السياق، يرتبط بأن العقل الأزهرى مشغول بأمور السياسة أكثر مما هو منشغل بأمور الدين. ولو أنك تأملت التصريح الأخير الذى جاء على لسان فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر وهو يدلى بصوته فى الانتخابات البرلمانية، فسوف تجد فيه تبياناً لما أقول. فقد ذكر الشيخ «الطيب» أن إحجام البعض عن الإدلاء بأصواتهم يعادل عقوق الوالدين، ومع تقديرى الكامل لرغبة الشيخ فى تحفيز المصريين على المشاركة، إلا أننى أظن أنه أقحم الدين فى مسائل لا يصح أن يُقحَم فيها. وخيرٌ للأزهر ولشيخه «الطيب» أن يترك الحديث فى الأمور السياسية لأهلها، وأن يركز جهده فيما لا يستطيع ولا يُؤمَن غيره عليه، من تصحيح للمفاهيم الخاطئة التى تتسكع فى أدمغة البعض حول الإسلام.
نقلا عن الوطن