في المسألة القبطية
في البداية، كان ضرورياً قبل الحديث عن المسألة القبطية التأكيد علي أن المقصود منها لم يكن قط مسيحي مصر فقط ولكن بعض مسيحييها ومسلميها بوصفهم أقباط وعلي اعتبار أن القبطية ليست جنسا ولا دينا ولا لغة ولكنها تنطبق علي كل من سكن مصر قبل الفتح العربي الكبير والأخير لها علي يد عمرو بن العاص، وعلي اعتبار أن عدد لا بأس به من القبط دخلوا الإسلام بعد الفتح العربي وإلا فبماذا نفسر السر وراء كثرة وغلبة عدد المسلمين علي المسيحيين في مصر بعد نحو قرن واحد من الفتح كما يؤكد المؤرخون.
وإذا شرعنا في الحديث عن المسألة القبطية ومن هم أصل البلاد التي فجر الأنبا بيشوي الرجل الثاني في الكنيسة الشرقية مرقدها واصفا المسلمين بالمحتلين وأن المسيحيين هم أصل البلاد وجب علينا حينئذ تقسيم بحثنا عبر مرحلتين.
الأولي مرحلة تنظر في تاريخ مصر وتاريخ المصريين والثانية تنظر في حاضر مصر وحاضر المصريين ولكن قبل هذه أو تلك وجب التأكيد علي أن هناك حالة من الاستقواء والاستجابة للمغريات الامبريالية من قبل بعض المسلمين أولا ثم المسيحيين ممن قرأوا بشيء من العجالة سطور التمدد الأمريكي في العالم العربي، خاصة والإسلامي عامة واعتبروها تعبيرا مجازيا عن حرب صليبية جديدة تشن لتخليص مسيحيي الشرق من العبودية الجديدة وهم بذلك لم يقرأوا ما بين السطور بأن الامبريالية الأمريكية لا دين لها سوي الصهيونية والتخديم لصالحها حتي ولو علي حساب المسيحيين انفسهم وهم الذين يعانون الاحتلال مع أشقائهم المسلمين في فلسطين.
ويجزم عدد كبير من المؤرخين بأن مصر عبر تاريخها القديم كله لم تكن سوي بوتقة صهر لجميع الأجناس والأمم لاسيما العرب، ممن قاموا بغزو تلك البلاد في حملات الهكسوس الشهيرة قادمين من بلاد الشام وكنعان ثم حكموا البلاد لفترة طويلة من الزمان وانصهروا في شعبها، كما أن هناك موجات أخري من الانتقال العربي إلي مصر حدثت من قبل أفواج من العبرانيين ثم قبائل كالغساسنة والكنعانيين والفينيقيين وهم العناصر التي فرت من اضطهاد اليهود لهم كمسيحيين في بلادهم.
ويقول بعض المؤرخين أن مصر قبيل الفتح العربي لها كان يتحدث قطاع كبير من شعبها اللغة العربية وأن تلك القبائل كانت تدين بالمسيحية ثم تحول قطاع منهم إلي الإسلام بعد الفتح في حين كانت الوثنية هي الديانة الثانية في البلاد وأنصارها من أهل الجنوب.
ويتخذ المؤرخون من سرعة فتح مصر وانتشار الإسلام فيها علي يد القلة الفاتحة وانتشار اللغة العربية مع انقراض اللغة المصرية تماما كبرهان علي أن عمرو بن العاص لم يكن أول الفاتحين بل آخرهم.
وفي هذا الصدد لا ينكر أي من الباحثين التاريخيين أن مصر كانت بوتقة صهر لجميع الأجناس، فقد حكمها العرب متمثلون في الهكسوس وحكمها الرومان وحكمها النوبيون لمدة 25 عاما كما حكمها السودانيون بل أن قطاع ما من سكان مصر آنذاك كانوا وافدين من بلاد 'بونت' وهي الصومال حالياً.
ومن هذه العرض السريع بحسب ما تيسر لنا من اطلاع يتأكد أنه لا أصحاب لمصر سوي المصريين وهم من يسكنونها وأن الفرعونية ليست جنسا بل نظام حكم.
أما الحديث عن فهم الواقع فهو يفرض علينا الاتفاق علي مفاهيم تقول أن الديمقراطية تعتمد اساسا علي نظام حكم الأغلبية ، وأنه رغم كل نقاط ضعفه، يعد هو الحل الأمثل للقضاء علي كل مشكلات الحكم ، بما قيه من احتكام الي صندوق الاقتراع فإن ما تقوله الأغلبية من اي جنس او دين او لون يصبح هو الاطار المعياري او بمعني اصح "دستور" البلاد الذي تحتكم اليه الاغلبية سواء او الأقلية , وانه بتحقيق معيارية الاحتكام لصندوق الانتخابات ستكون الدولة قد ضربت مثالا يحتذي به عالميا في الديمقراطية وتحول ان تسيطر فئة علي حقوق الفئة الاخري لطالما كان الجميع مواطنين في دولة مدنية.
إذا سلمنا بهذه المرحلة وجب علينا الانتقال لمرحلة ثانية في تشخيص وتجسيد مصالح الأقلية بما لا يخالف ولا ينتهك مصالح الأغلبية.
إذا حدث ذلك فهل يكون هناك انتقاص لمصالح الأقلية وهل يبقي مبررا أن تتحدث الأقلية عن طغيان يمارس ضدهم؟
في العام قبل الماضي صدر تقرير أمريكي يؤكد أن أعداد المسيحيين في مصر تتأرجح بين 10 إلي 12 مليون نسمة من اجمالي سكان مصر البالغ عددهم بضع وثمانين مليون نسمة أي بنسبة تقارب واحد علي ثمانية من السكان في حين تؤكد إحصاءات حكومية مصرية بأن عدد مسيحيي مصر يتأرجح بين 8-10 ملايين نسمة وهو دون تلك النسبة.
ويقول بعض المسيحيين في مصر انه لا اضطهاد في الحقوق الدينية لهم ولكنهم مضطهدون في حقوقهم السياسية وأنهم لا يتقلدون المناصب العليا رغم أنه يوجد في الحكومة ثلاثة وزراء مسيحيين من أصل 29 وزيرا ومن بين هؤلاء الوزراء وزير المالية الذي كان والده وزيرا للخارجية كما أن كبار رجال مجلس الشعب والشوري هم من المسيحيين فضلا عن قيادات الوزارات لاسيما العدل والداخلية،
كما أن من يتبنون تلك المطالب يتجاهلون تماما أنه لا أساس ديني لعدم منحهم مناصبا عليا ولكن هناك حالة من الفساد الشديد تضرب بأطنابها النظام الحاكم في البلاد فحالت دون تداول السلطة بين معظم قطاعات الشعب مسلميه سواء اومسيحيه وورثتها في عائلات بعينها سواء كانت مسلمة أم مسيحية وهو الورم الخبيث الذي يعاني منه الشعب كله بكافة اطيافه أي ان الأزمة ليست أزمة قبطية كما يقولون ولكنها أزمة فسادية، فضلا عن أن من يقولون إنهم مهمشون في البلاد يوجد بينهم رجل أعمال واحد يقول إنه يستطيع أن يشتري كل أرض صعيد مصر بفلوسه، إذن هل هناك تفرقة؟! أنا لا اعتقد.
أنا اعتقد أن الدولة المصرية هي دولة ذات أغلبية مسلمة وينبغي لهذه الأغلبية أن تحافظ علي مكاسبها التي منحتها لها الديمقراطية وصناديق الاقتراع في أن يكون الدين الرسمي لهذا البلد هو الدين الإسلامي وأن اللغة العربية هي لغتها الرسمية وأي اعتراض علي هذين الخيارين يعتبر استقواء ورفضا للديمقراطية لاسيما أن مصر أعلنت مرارا وتكرارا عن تبنيها نظام الدولة المدنية التي تنظر لرعاياها جميعا نظرة واحدة كمواطنين واتخذت من 'المواطنة' شعارا لها.
ان مطالب قبطية تثور بين الحين والآخر يتلقاها الجانب الآخر "المسلم " كرفض له واستقواء غير مبرر عليه، فعندما يخرج علينا شخص يطالب بمنع الأذان في مكبرات الصوت فهو شخص يتدخل في صميم عقيدة الآخر بدون وجه حق وكذلك حينما يطالب بمنع تدريس الدين في المدارس وهكذا الأمر حينما يطالبه باغفال آيات قرآنية تتحدث عن النصاري ويعتبرونها بالآيات التحريضية مع أن المسلمين يؤمنون بالمسيحية وبالسيد المسيح عليه السلام في حين يري المسيحيون المسلمين ككفار.
أنا اعتقد أن مشكلة قلة من الاخوة المسيحيين في بر مصر أنهم لا يستطيعون تصديق أن مصر دولة ذات أغلبية مسلمة وأن ما لهم من حقوق وواجبات لا يجب أن تقل أو تزيد عن نسبة أصواتهم في صناديق الاقتراع وأن ما حصلوا عليه من حقوق في عهد الرئيس مبارك ما كان لهم أن يحصلوا عليه في أي عهد آخر وهو ما لم تحصل عليه اي أقلية في اي بلد في العالم.
كما أنه ينبغي علي الجميع مسلمين ومسيحيين أن يدركوا أن لا أحد منهم قادر علي التخلص من الآخر وأن ثمة هناك زواجا كاثوليكيا لا فكاك منه بين مسلمي ومسيحيي مصر وعلي كل منهم أن يحترم ما أعطته الديمقراطية والدولة المدنية وصندوق الاقتراع للآخر.
ولأنني اهتم بالمنطق فان حديث الانبا بيشوي انطوي علي شيء من االاستقواء واحيانا عدم الوعي .. فالرجل راح يهاجم القرأن الكريم في بلاد اكثر من 85 % من سكانها مسلمين ورغم ذلك لم نجد فوضي لا هنا ولا هناك , ولربما لوقال مثل تلك التصريحات شخص يعيش في اي بلد غربي لانقلبت مصر تطالب بالقصاص منه , أليس ذلك تسامحا وديمقراطية وصلت لحد التفريط.
هذا بخصوص الاستقواء اما بخصوص عدم الوعي فان الانبا قال ان هناك ثلاثة ايات قرأنية محرفة ووضعت بعد وفاة الرسول ولو كان الامر كذلك اذن انت تؤمن بالاسلام والقرأن الكريم!!
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :